البريطانية ألس ويفر فليرتي تكشف دوافع الكتابة والأسباب الخطرة لتوقفها

أبوظبي - إن عملية الكتابة الإبداعية معقدة من الناحية النفسية والعصبية والبيولوجية، حيث للكتاب ميزات مختلفة عن الناس العاديين تجعلهم يواجهون تفاعلات استثنائية جسديا ونفسيا.
وفي إطلالة علمية وتفكيك لظاهرة الكتابة الإبداعية أصدر مشروع “كلمة” للترجمة في مركز أبوظبي للغة العربية التابع لدائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي ترجمة كتاب “داء منتصف الليل: الدافع إلى الكتابة وحبسة الكاتب والدماغ المبدع” لمؤلفته ألس ويفر فليرتي، وقد نقله إلى اللغة العربية الدكتور هيثم رشيد فرحت.
يستمد كتاب “داء منتصف الليل” شكله من عمل الكاتبة في الطب ومن ولعها بالكتابة، فتشير بصورة عامة إلى أن عملية تشريح الكتابة تشريحا مرضيا تجعلنا نرى الإبداع خارقا للعادة أو خطيرا.
لكن البلاء في كل مكان، وربما في الكتابة بشكل خاص، وقد نجمت عن المعاناة كتابات عظيمة، كما تسببت مشكلات الكتابة، لاسيما حبسة الكاتب، في معاناة شديدة.
ويتناول الفصل الأول “ظاهرة فرط الكتابة”، والأمراض الأخرى المسببة لفرط الكتابة، والكتاب “الطبيعيين” ومعاناتهم من نشاط متقلب في الفصين الصدغيين. ويتطرق الفصل الثاني إلى “الإبداع الأدبي ودافعه”، والآلية التي يمكن لفرط الكتابة بموجبها الإسهام في توضيح أصول الإبداع على المستويين السيكولوجي والعصبي، فترى الكاتبة أن احتضان الكتابة الإبداعية يقتضي منح الكاتب حرية العمل على الموضوع الذي يحبه؛ إذ ما يهم هو العقل المبدع وموطن الإبداع.
وتقول فليرتي، في الفصل الثالث “حبسة الكاتب بوصفها حالة عقلية”، إن الحبسة ظاهرة مناقضة لفرط الكتابة. وحسب رأيها تعد المعاناة معيارا رئيسيا لحبسة الكاتب لأن من لا يكتب ويعاني لا يصاب بحبسة الكاتب، وتتساءل الكاتبة عن العلاقة بين حبسة الكاتب والحبسة في حقول أخرى، مثل الموسيقى أو النحت.
وتنظر فليرتي، في الفصل الرابع، في “حبسة الكاتب بوصفها حالة دماغية” فتعد الانتقال من نظرية الأدب إلى التفسيرات العلمية – العصبية لحبسة الكاتب قفزة خطيرة، وتستعرض مماثلات الحالة الدماغية للحبسة، مثل انقباض الكاتب، من أجل فهم وظيفة الدماغ المعرفية أو التحفيزية بصورة أفضل. فمن الناحية العملية يمكن لحبسة الكاتب أن تسبب سلوكا شبيها جدا بالتسويف، نظرا إلى عدم كون الاكتئاب حالة عقلية فقط بل حالة دماغية مفهومة جزئيا، وقد يشكل ما نعرفه عن الاكتئاب نافذة على الأساس العصبي لبعض الأنواع من حبسة الكاتب.
أما في الفصل الخامس، “كيف نكتب: القشرة الدماغية”، فتشير فليرتي إلى تطفل علم أعصاب الكتابة على علم أعصاب الكلام بطرائق ما؛ إذ يعد الكلام غريزة بالنسبة إلى البشر، في حين تعتبر الكتابة اكتسابا ثقافيا حديث العهد، فتعكس القدرة على الكتابة من دون القدرة على القراءة أن القراءة والكتابة منفصلتان في الدماغ إلى حد ما، مثلما هي حال استيعاب الكلام وإنتاجه.
وتركز فليرتي في الفصل السادس، “لماذا نكتب: الجهاز الحفوي”، على تحكم الدماغ في العاطفة لأن الجهاز الحفوي يشمل مناطق دماغية مختلفة، مثل الغدة النخامية في عمق وسط الدماغ، وبنى شتى في الفص الصدغي تتمثل في قرين الدماغ واللوزة.
وتذهب الكاتبة إلى أن الكتابة ليست عاطفة جوهرية وليست دافعا بيولوجيا، فالدافع الذي يولد الرغبة الملحة في الكتابة يتمثل في دافع التواصل، وتشير براهين شتى إلى إصرار الدماغ على قيامنا بالكلام نظرا إلى وجود مناطق دماغية منفصلة تتحكم في الكلام.
وتتخذ فليرتي الفصل السابع والأخير لتفسر ظاهرة “الاستعارة، والصوت الداخلي، وعروس الشعر”، جاعلةً من هذه القضايا مجالا للبحث في الدور الذي تؤديه الاستعارة بوصفها وسيطا بين الفكر والعاطفة.
وتتطرق الكاتبة إلى عروس الشعر والصوت الداخلي، وعلى حد تعبير الأطباء النفسانيين تنشأ الأفكار الإبداعية من العقل الباطن، وعند بروزها إلى حيز الوعي تفاجئ ذلك المقيم السطحي الأنا، وعليه تعد عروس الشعر تجسيدا للوعي.
ويذكر أن مؤلفة الكتاب ألس ويفر فليرتي تعمل طبيبة أعصاب في مستشفى ماستشوستس العام، وتدرس في كلية الطب بجامعة هارفرد التي تخرجت فيها عام 1994. وقد صدرت لها، إضافة إلى أوراقها البحثية العلمية، الكثير من المؤلفات من بينها “كتيب علم الأعصاب في مستشفى ماستشوستس العام” و”حظ وحش بحيرة لوخ نس”، وقد حصدت كتبها جوائز محلية وترجمت إلى لغات شتى.
أما هيثم رشيد فرحت فهو مترجم وأكاديمي سوري، ولد وتعلم في سوريا، وحصل على إجازة في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة تشرين في عام 1984، أوفدته جامعة تشرين إلى بريطانيا عام 1986 للتخصص في اللسانيات/ النحو، فحصل على شهادة دكتوراه عام 1992 وترجم كتبا ودراسات متعددة لدور نشر ومجلات عربية.