انضمام تونس إلى المعاهدات الدولية للتحول نحو الاقتصاد الأخضر حبر على ورق

أزمات البلاد تصعّب عملية إدماج البعد البيئي في المشاريع الاقتصادية المستقبلية.
الأربعاء 2021/07/07
حماية البيئة مفتاح نجاح السياحة

يصطدم الوصول إلى اقتصاد أخضر في تونس بجملة من التحديات، فعلى غرار التدهور البيئي والتغيرات المناخية، تقف أزمات البلاد السياسية والاقتصادية عائقا أمام التحول نحو هذه الخطوة التي تعد أحد أبرز شروط التنمية المستدامة. ففي ظل انشغال الأحزاب والنخب السياسية في حرب الصلاحيات والنفوذ لا يحتل قطاع البيئة سلّم الأولويات، بل على العكس تضرر كباقي القطاعات من حالة اللاّاستقرار وعدم اليقين التي تشهدها البلاد منذ ثورة يناير 2011.

تونس – يشكل الطريق نحو الاقتصاد الأخضر تحديا بالنسبة إلى البلدان النامية خاصة أعقاب ظهور الجائحة الصحية وفي ظل المؤشرات البيئية التي تزداد خطورة من سنة إلى أخرى.

وفيما اختارت تونس الانضواء تحت الجهود الدولية للتحول نحو الاقتصاد الأخضر وإطلاق استراتيجية وطنية في هذا المجال، إلا أنها تصطدم بتحديات جمة للوصول إلى هذا الهدف أبرزها كيفية إدماج البعد البيئي في كل الأنشطة الاقتصادية ومشاريع التنمية المستدامة فيما ترزح تحت وطأة أزمات على جميع المستويات اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.

وفيما يعاني الاقتصاد التونسي من أزمة حادة قادت إلى تهاوي مناخ الأعمال وارتفاع نسبة البطالة وتراجع غير مسبوق لقطاع السياحة، يلفت الخبراء إلى أن الطريق نحو الاقتصاد الأخضر بدوره غير سهل وليس آمنا بسبب ضعف الإمكانيات وضعف فرص الابتكار في هذا المجال وعدم القدرة على تطوير مشاريع ملائمة للبيئة تأخذ بعين الاعتبار خصوصا الأوضاع الاجتماعية الصعبة.

فوزي حمودة: تكريس المركزية يعيق الوصول إلى الاقتصاد الأخضر
فوزي حمودة: تكريس المركزية يعيق الوصول إلى الاقتصاد الأخضر

ويُعرّف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر بأنه “نظام أنشطة اقتصادية تتعلق بإنتاج وتوزيع واستهلاك البضائع والخدمات، ويفضي في الأمد البعيد إلى تحسن رفاه البشر، ولا يُعرِّض في الوقت نفسه الأجيال المقبلة إلى مخاطر بيئية أو حالات ندرة إيكولوجية كبيرة”.

وتوضح دراسة سابقة نشرها مركز المستقبل للدراسات أن الاقتصاد الأخضر يمزج بين التنمية الاقتصادية والاعتبارات البيئية، وهو ما يناقض ما يُعرف بـ”الاقتصاد الأسود” الذي يقوم على الاستخدام المكثف للبترول والغاز الطبيعي والفحم الحجري، ويرتكز الاقتصاد الأخضر بشكل رئيسي على استخدام موارد الطاقة المتجددة والمباني الخضراء والمواصلات العامة والخاصة غير الملوثة، والإدارة الفعالة للمياه، وإدارة مياه الصرف الصحي من خلال تقنيات التكرير وإعادة الاستخدام.

وحاولت تونس الانخراط في ثقافة الاقتصاد الأخضر في السنوات الأخيرة رغم الصعوبات والتحديات التي تواجهها منذ اندلاع ثورة يناير سنة 2011 والدخول في فترة انتقالية عسيرة.

وتم الشروع في إعداد الاستراتيجية الوطنية للاقتصاد الأخضر منذ موفى سنة 2014 وذلك في إطار تنفيذ مكونات خارطة الطريق الوطنية للاقتصاد الأخضر، ووقع تحديد الأنشطة التي من شأنها التأسيس للتحول نحو هذا النموذج الاقتصادي الجديد بصفة تدريجية وناجعة، هذا إلى جانب بلورة التوجهات الاستراتيجية وإعداد مخطط العمل المزمع انتهاجه للانتقال نحو

الاقتصاد الأخضر بتونس. وتهدف الاستراتيجية التونسية للاقتصاد الأخضر إلى البحث في إمكانيات تطوير الأنشطة الاقتصادية الحالية وتركيز أنشطة جديدة خضراء في عدة مجالات منها بالخصوص الفلاحة البيولوجية والسياحة الإيكولوجية والنقل المستدام والبنية الأساسية المستدامة والبناءات الإيكولوجية والصناعات الخضراء وتكنولوجيات الاتصالات والمعلومات الخضراء والخدمات البيئية الداعمة للمؤسسة، وذلك بدعم خيارات النجاعة الطاقية واستعمال الطاقات المتجددة والاقتصاد في الماء وإعادة استعمال المياه المعالجة والتصرف المندمج في النفايات.

وترتكز هذه الأنشطة بالأساس على الخيارات القائمة على التحولات التكنولوجية بما يقلص من نسب التلوث والتبعية الطاقية والغذائية ويحمي البيئة ويسهم في النمو الاقتصادي الشامل والمتوازن وخلق مواطن الشغل الإضافية.

وبرأي الخبراء لم تحقق هذه الاستراتيجية أهدافها بعد وذلك في ظل ما تشهده البلاد من تدهور بيئي، أمام حالة من لا مبالاة سياسية ناجمة عن التهاء الأحزاب والنخب في معارك لأجل المكاسب والنفوذ.

وقدم فوزي حمودة مدير مركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة في حديثه لـ”العرب” تقييمه لهذه الاستراتيجية والتي شارك في إعدادها.

Thumbnail

وأوضح أنها تقوم أساسا على الأخذ بالاعتبار الجانب البيئي والاجتماعي في الاقتصاد، وقد تم وضع مخطط للتنفيذ والتقييم ثم الوقوف على النقائص خاصة في ما يخص تأثيراتها على الجانب الاجتماعي.

وفي تقديره “لو وقع تنفيذ الاستراتيجية كما تم التخطيط لها لكنا في مرحلة أفضل وليس في هذا الاتجاه (…) سنكون اخترنا مجالا تنمويا واضحا مبنيا بالأساس على الاقتصاد الأخضر”. مستدركا “عدم الاستقرار السياسي ألقى بظلاله سلبا حتى على مستوى القطاع البيئي، كما أحدث تواتر التعيينات حالة من التذبذب في خطة عمل الوزارة”.

ورأى أن الصعوبات حالت دون الوصول إلى الاقتصاد الأخضر الذي برأيه يستجيب إلى تطلعات الشارع الذي احتج في ثورة يناير ضد منوال تنموي غير عادل، لكنه بقي مجرد شعار وعناوين برامج لم يقع تطبيقها على أرض الواقع رغم وجود مبادرات خاصة لتطوير هذا المجال. مع ذلك فإن هذه المبادرات ليست مؤطرة في إطار استراتيجية خاصة، حسب تعبيره.

التأخر في الوصول إلى الاقتصاد الأخضر في تونس كما باقي الدول النامية يعود إلى تأخر ترتيب القضايا البيئية على أجندة الأولويات الوطنية

وفيما يقوم مركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة بدراسة جديدة تخص المدن المستدامة القائمة أساسا على مبدأ الاقتصاد الأخضر واستغلال الثروات الطبيعية، لكن حمودة كشف بدوره جملة من الصعوبات لتنفيذ هذا المنهج الجديد الذي يأخذ في الاعتبار الفلاحة البيولوجية والسياحة الإيكولوجية.

وشرح قائلا “حين التطبيق تواجه البلديات عدة مشاكل مثل التمويل، والاستمرار في تكريس المركزية”، لافتا إلى أن “طلبات المواطن ليست موجهة بيئيا بقدر ما هي موجهة لمنفعة خاصة به”.

وعلق “لا تستطيع تطبيق منوال تنموي معقد يعتمد مناهج تقنية جديدة تحترم البيئة، فيما المواطن ما يزال يعاني من أوضاع معيشية صعبة”.

وحسب مركز المستقبل فإن التأخر في الوصول إلى الاقتصاد الأخضر في تونس كما باقي الدول النامية يعود إلى تأخر ترتيب القضايا البيئية على أجندة الأولويات الوطنية، وضعف وعي القطاعات المجتمعية بأهمية سياسات التخضير، وتصاعد معضلة ترابط المياه والطاقة والغذاء، وتوفير متطلبات نقل التكنولوجيا، وتعثر اقتصاديات هذه الدول.

عادل الهنتاتي: تغيير طرق الإنتاج بتقنيات جديدة ونظيفة مكلف ماليا
عادل الهنتاتي: تغيير طرق الإنتاج بتقنيات جديدة ونظيفة مكلف ماليا

واعتبر الخبير البيئي عادل الهنتاتي في حديث لـ”العرب” أن “الاقتصاد الأخضر يأخذ في عين الاعتبار حماية البيئة والموارد الطبيعية وتمكين خلايا الإنتاج من عدم التعدي على الطبيعة”.

وأوضح أن “هناك كثيرا من الأنشطة في هذا المجال التي من شأنها أن توفر مواطن شغل مثل مجال الطاقة أو استغلال الموارد الطبيعية في الصناعات النظيفة”، مستدركا “لكن بالنسبة إلى تونس فإن كيفية إدماج البعد البيئي في كل نشاط تنموي واقتصادي وفي كل ثروة يتم استخراجها هي عملية صعبة”.

وشرح قائلا “هي صعبة لأنها تتطلب من المنتج تغيير طرق الإنتاج وأن يتجهز بتقنيات جديدة ونظيفة مكلفة ماليا”، لافتا إلى أن “الاقتصاد الأخضر هو هدف تتطلع تونس إلى الوصول إليه في حدود 2030”.

ويؤكد الخبراء أن الاقتصاد الأخضر يوفر فرصا حقيقية للحد من البطالة في تونس من خلال الحد من مخاطر البيئة والنقص في الموارد، ويمثل فرصة هامة بالنسبة إلى البلاد التي تعاني من معضلتين أساسيتين هما بطالة الشباب حاملي الشهادات العليا ومنوال التنمية الذي يركز على استغلال مفرط للرأسمال الطبيعي.

وقدرت منظمة العمل الدولية في دراسة سابقة عدد مواطن الشغل الخضراء في تونس بحوالي 100 ألف، وتتركز في قطاعات المياه ورسكلة النفايات والفلاحة والخدمات. وتشير دراسة اقتصادية أجراها معهد الألفية إلى أن الاستثمار الأخضر بنسبة 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على مدى 5 سنوات يمكن أن يخلق حوالي 300 ألف موطن شغل مباشر في تونس في قطاعات البناء والفلاحة والطاقة.

لكن مع ذلك لا تستغل تونس جميع مواردها في الاقتصاد الأخضر، وحسب تحذيرات سابقة للبنك الدولي فهي بصدد خسارة العديد من الفرص في هذا المجال.

12