آمال تجار الجنوب التونسي تنتعش مع فتح الحدود الليبية

بنقردان تستفيق لتعود شريانا اقتصاديا بين البلدين.
الاثنين 2021/07/05
النقل يحرك عجلة التجارة

تَعيش المنطقة الشرقية من الجنوب التونسي على التجارة مع الجارة ليبيا التي توفر فرص عمل لعائلات وشباب لم تطلهم التنمية. ومع إغلاق الحدود التي تعتبر شريان الحياة لسنوات عاد أهالي المنطقة إلى دائرة التهميش والفقر، إلى أن فتحت الحدود مجددا وبدأت ملامح الاستقرار تلوح في طرابلس، فعاد إليهم الأمل مجددا.

بنقردان (تونس) - بين المعارك الدائرة في التراب الليبي والجائحة ظل التاجر جعفر بن عبدالله لمدة عام كامل غير قادر على التبضع من ليبيا المجاورة. وهو يأمل اليوم، بالتزامن مع تخفيف القيود الصحية وفتح المعابر الحدودية، في عودة المبادلات التجارية التي تمثل “شريان الحياة” لمنطقة الجنوب التونسي وللكثير من التونسيين في الداخل.

يقول التاجر التونسي الذي ينشط في منطقة بنقردان الحدودية مع ليبيا “الآن وقد انتهت الحرب وتم فتح الحدود أصبحت المهمة سهلة وأذهب وأعود خلال يوم”، مضيفا “بدأت الحركة التجارية تعود إلى طبيعتها شيئا فشيئا، ونأمل أن يتسارع النسق كما كان في السابق، فنحن جيران وليس لنا إلا أن نتعاون لنخرج سويًّا من الأزمات التي خلفتها السياسة والفوضى وجائحة كورونا”.

وتبعد مدينة بنقردان عن العاصمة الليبية طرابلس نحو مئتي كيلومتر وتعج أسواقها بالستائر والأغطية والأقمشة المصنوعة في تركيا والأجهزة المنزلية وإطارات السيارات القادمة من الصين.

وتساهم أسواق هذه المنطقة في مدّ بقية الأسواق التونسية بالسلع، ويعمل في هذه الأسواق الكثير ممّن يعيلون عائلات في الجنوب التونسي المهمش حيث فرص العمل نادرة.

وتنشط هذه الأسواق دون مراقبة جبائية وجمركية، وتسمح السلطات بذلك لأنها تعتبر هذه التجارة بديلا عن التنمية التي عجزت عن إرسائها في المنطقة.

وبُعيد هجوم مسلح شنه جهاديون من ليبيا تابعون لتنظيم الدولة الإسلامية عام 2016 أصبحت مراقبة هذه التجارة أشد، فتوقف عمل التجار وكسدت تجارتهم.

وأثّر الهجوم الذي شنه المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس في  أبريل 2019 واستئناف القتال حتى منتصف 2020، مع اقترابه من الحدود التونسية في بعض الأحيان، على المبادلات التجارية بين البلدين بصفة مباشرة.

وبالإضافة إلى غياب الأمن ساهمت الجائحة بتداعياتها الكارثية في إغلاق المعابر الحدودية لمدة ثمانية أشهر، بحسب رئيس بلدية بنقردان فتحي عبود.

بنقردان تساهم في مدّ بقية الأسواق التونسية بالسلع وتُعِيشُ العديد من العائلات في الجنوب المهمش حيث فرص العمل نادرة
بنقردان تساهم في مدّ بقية الأسواق التونسية بالسلع وتُعِيشُ العديد من العائلات في الجنوب المهمش حيث فرص العمل نادرة

ويقدر عبود أن “أرباح المدينة تراجعت إلى النصف في عام 2020”، ما جعل تجار المنطقة يتململون مطالبين بإعادة فتح الحدود.

وتؤكد اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة أن الأزمة الليبية كلّفت تونس 24 في المئة من نموها الاقتصادي بين 2011 و2015.

ورحبت تونس بالمرحلة الانتقالية الجديدة في ليبيا مع استئناف الحوار السياسي وتعيين حكومة جديدة مكلفة بتنظيم انتخابات في نهاية العام الحالي وإنهاء عشرية من الفوضى الأمنية في البلاد.

ويأمل العديد من رجال الأعمال التونسيين في العودة سريعا إلى الأسواق الليبية حيث اكتسحت بضائع تركيا ومصر سوق الاستهلاك مع تنامي نفوذ البلدين في المنطقة.

وقال كاتب عام الغرفة التونسية – الليبية المشتركة في منظمة الأعراف علي الذوادي إن العلاقات بين رجال الأعمال التونسيين والليبيين لم تنقطع رغم ظروف الحرب التي شهدتها ليبيا، متابعا “ما عودة النشاط إلى معبر رأس جدير إلا دليل على تواصل العلاقة الاقتصادية والتجارية بين البلدين”.

وفي مقابل ذلك حذر الذوادي من نتائج تواصل الاكتظاظ والإجراءات الإدارية المعقدة بمعبر رأس جدير ما من شأنه، حسب تقديره، أن يفسح أمام بلدان منافسة لتونس -خاصة مصر ومالطة وتركيا- مجالَ السيطرة على السوق الليبية بتسهيل الإجراءات وجعلها مرنة.

وزار رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي برفقة المئات من رجال الأعمال التونسيين ليبيا نهاية مايو الفائت.

بموازاة ذلك رُفعت القيود الصحية في مراكز العبور خلال مايو واستؤنفت الرحلات الجوية بين البلدين من قبل شركة الخطوط الجوية التونسية التي علّقت رحلاتها منذ سبع سنوات نحو طرابلس.

وبفضل هذه الإجراءات انفرجت أسارير وجه التاجر رضا الحمدي إثر لقاء شريكه التجاري رجل الأعمال الليبي عادل التاغدي؛ فرضا لم يفقد الأمل رغم السنين الطويلة التي قضاها عاطلا عن العمل بعد أن ترك تجارته في طرابلس بسبب الحرب.

في انتظار الزبائن
في انتظار الزبائن

ويستعد رضا هذه الأيام للسفر إلى طرابلس وإحياء نشاطه التجاري، وهو الذي كان بصدد التحضير لمشروع تجاري وترفيهي هناك مع شركاء ليبيين. قال “لم ينفد صبري طوال هذه السنوات؛ كنت أعلم أن الليبيين سيرتبون بيتهم وستعود الحياة إلى طبيعتها وستزدهر طرابلس من جديد”.

وتناقش سلطات البلدين حاليا إمكانية تدشين طرق بحرية لتنشيط التجارة.

يقول رئيس “مجموعة الوكيل” ومديرها العام أنيس الجزيري، الذي يدير مجلس الأعمال التونسي لأفريقيا وقد نظم العديد من المنتديات الاقتصادية مع ليبيا، “نتقدم على الطريق الصحيح ونأمل في أن يبقى الوضع مستقرا في ليبيا”.

لكن الأزمة السياسية العميقة التي تمر بها تونس تضعف هذه الجهود والسلطات لم “تضع استراتيجية من أجل ليبيا”، في تقدير المحلل الاقتصادي عزالدين سعيدان.

وفي مدينة بنقردان يسود الخوف على مصير التجار الذين يُعَدّ المعبر بالنسبة إلى أغلبهم “شريان حياة”؛ يقول التاجر عبدالقادر المسعودي “إن كانت هذه الاتفاقات ستسهّل نشاط صغار التجار مثلنا فهذا جيد، لكن نشعر بالخوف في حال تمّ توقيع اتفاقات بعقود كبرى مع مجموعات كبرى”.

ويشير التجار إلى أن الجائحة دعمت المبادلات غير القانونية عبر البحر وساهمت في ازدهار التهريب الذي ينتعش خلال الأزمات.

وفي الوقت الذي لم يتمكّن فيه صغار التجار من المرور إلى ليبيا عبر الحدود البرية لجلب سلع كانت بضائع في حاويات تصل إلى موانئ في مناطق ساحلية شرق البلاد، مثل مرفأ مساكن، بطرق خفية.

20