جدل في تونس حول قانون الميزانية التكميلي

غياب المبرّرات يضع مفاوضات الاقتراض على المحك.
الخميس 2021/07/01
هوامش ضئيلة للسيولة

أثارت مسألة الأخذ والرد داخل الأوساط الاقتصادية والسياسية في تونس حول قانون الميزانية التكميلي الذي من المقرر عرضه في يوليو الجاري جدلا واسعا، حيث يؤكد البعض أن ذلك غير منطقي في ظل الوضع الراهن فيما يراه آخرون ضرورة لمعالجة اختلالات فرضيات ميزانية 2021.

تونس – يطرح الجدل حول قانون الميزانية التكميلي في تونس تساؤلات حول جدوى هذه الخطوة في ظل تباين الآراء حول هذه المبادرة وفاعليتها ومبرراتها خصوصا في ظل الوضع المتسم بالضبابية بالتزامن مع المفاوضات مع المانحين.

وقال رئيس حلقة الماليين التونسيين والمحلل الاقتصادي عبدالقادر بودريقة في تصريح خاص لــ”العرب”، إن “الحديث عن قانون الميزانية في ظل هذا الوضع الراهن غير منطقي وغير معقول نظرا إلى عدم وجود مبرراته وعدم وجود وضوح على مدى الأشهر القادمة”.

ورجح عضو لجنة المالية في البرلمان هشام العجبوني لــ”العرب”، أن “الحكومة لن تقدم قانون ميزانية تكميلي قبل العطلة البرلمانية”. وأرجع العجبوني السبب في ذلك إلى “إشكاليات عدم وجود موارد من القروض”.

واستبعد بودريقة قيام البنك المركزي بأي عملية طباعة نقود، مشيرا إلى أن استقلالية البنك المركزي وشخصية محافظه مروان العباسي لا يمكن أن تسمحا للسلطة التنفيذية بتدخل دون ضوابط في سياسته النقدية.

عبدالقادر بودريقة: الحديث عن الميزانية التكميلية في الوقت الراهن غير منطقي

ويرى خبراء أن القيام بإقرار قانون ميزانية تكميلي يرسل رسالة سلبية للمانحين بشأن عدم جدية وفاعلية التوقعات المالية والاقتصادية لقانون الميزانية للعام الماضي، كما يعطي إشارة عن اللخبطة التي تعيشها الحكومات وهو ما يفسر تأجيل الحكومة لهذه الخطوة.

وخلال الفترة الأخيرة رجحت بعض الأوساط الاقتصادية تأجيل الحكومة لقانون الميزانية التكميلي لنيتها في دفع المركزي لطباعة النقود، وهو أمر غير منطقي حسب خبراء اقتصاد في وقت تتفاوض فيه تونس مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض جديد وفي ظل غياب أي مؤشرات منطقية لذلك.

وتعتبر بعض الأوساط الاقتصادية أن التأخير في إعداد مشروع قانون الميزانية التكميلي والمصادقة عليه سيعمّق المشاكل الاقتصادية والاجتماعية نظرا إلى اختلال الأرقام والفرضيات التي بنيت على أساسها ميزانية الدولة لسنة 2021.

ويبرّر هؤلاء ذلك بالفارق الكبير بين حجم النفقات وحجم الموارد، كما أن الفرضيات التي بني على أساسها قانون الميزانية لسنة 2021 لم تكن واقعية مثل فرضية نسبة النمو المتوقعة وسعر برميل النفط الذي حدد بحوالي 45 دولارا في الميزانية في حين أنه بلغ حوالي 63 دولارا.

وكان رئيس الحكومة هشام المشيشي قد بدأ منذ مطلع مايو الماضي مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد وفق خارطة إصلاحات اقتصادية تهم الدعم ومناخ الأعمال والبيروقراطية والشركات العامة المتعثرة وكتلة الأجور.

وفسّر بودريقة أن قانون الميزانية التكميلي في شهر يوليو غير منطقي بتاتا لأن لا وجود لمتغيرات مستعجلة في الوقت الحالي تفرض إعادة النظر في حسابات الدولة، مشيرا إلى أن القانون التكميلي لا يمكن أن يحصل دون مبررات منطقية تسببت في عدم واقعية توقعات وفرضيات قانون الميزانية للعام الماضي.

ورجح أن “ذلك ممكن في فترة لاحقة مثلا في سبتمبر أو أكتوبر في حال وجدت مبررات قوية ككلفة كوفيد – 19 خلال العام الجاري أو في حال تم إقرار حجر صحي شامل خلال الفترة المقبلة مما سيتسبب في تغيير الحسابات وتبعا لذلك يكون قانون الميزانية معقولا”.

وتزايد جدل آلية قانون الميزانية التكميلي في تونس بعد ثورة يناير 2011 حيث فرضت المتغيرات الاجتماعية وتصاعد المطلبية الشعبية ضغوطا كبيرة على ميزانية الدولة فضلا على عدم الاستقرار المالي والجبائي والاقتصادي.

وأوضح المحلل الاقتصادي بودريقة أن “إقرار موازنة تكميلية يتم اعتماده في حالات تغير سعر برميل البترول بطريقة مفاجئة أو تغير سعر الصرف أو في حالة حجر صحي شامل يتسبب في تقلب الموارد المالية ويفرض تحديات غير محسوبة لدعم المؤسسات والاقتصاد”.

هشام العجبوني: الحكومة لن تقدم ميزانية تكميلية لعدم وجود موارد من القروض

وفي هذا السياق أكد أن “غلق ميزانية الدولة بصفة نهائية لا يتم إلا من خلال معطيات وبيانات عملية واضحة للنفقات والمداخيل ونسب النمو المتوقعة وكتلة الأجور، لافتا إلى أن الحديث عن قانون تكميلي بالتزامن مع مفاوضات مع صندوق النقد الدولي يعتبر انتحارا”.

وشدّد أن “تدخلات البنك المركزي يمكن أن تقتصر على دوره التقني المتمثل في ضبط السياسة النقدية بكيفية ملزمة مثل تقديم تمويل مباشر بسقف معين لمنع حدوث أي انزلاق مالي”.

وأكد أن “الحديث عن قانون تكميلي للميزانية كلام انطباعي يمكن أن يصدر عن أصحاب الأجندات السياسية لكنه علميا وتقنيا غير ممكن”. وأشار إلى أن “الإشكال الحقيقي الآن هو مصادر التمويل فهل ستكون من البنوك المحلية أو من السوق العالمية”.

ولفت إلى أنه “من المحبذ الاقتراض من البنوك الخارجية للالتزام بسعر صرف معين ويكون دور المركزي ضبط هذه التمويلات لاسيما مع ضبابية الأفق وأزمة جائحة كورونا”.

وبالتزامن مع مساعي تونس للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بيّن الخبير أن “صندوق النقد الدولي يتعامل مع تونس كتعامله مع أي دولة، مشيرا إلى أن فاعلية الإصلاحات تتباين بين دولة وأخرى”.

وأوضح في هذا السياق أن “قابلية وفاعلية الإصلاحات في مصر مثلا التي تمكنت من تنفيذ إصلاحات اقتصادية قاسية غير ممكنة في بلد يعيش انتقالا ديمقراطيا كتونس نظرا إلى أن الوضع العام في مصر مستقر ولا وجود لاضطرابات اجتماعية على عكس تونس التي تعيش مطلبية نقابية وشعبية متصاعدة”.

واعتبر بودريقة أن “نسبة العجز في الميزانية تعتبر من بين أهم مطالب المانحين للإصلاح وحسب المعطيات الراهنة لا يبدو أن الحكومة تعمل على تقليص العجز لاسيما مع تلويح الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية) بمشاورات اجتماعية جديدة مع السلطات”.

وأشار المحلل الاقتصادي ورئيس حلقة الماليين التونسيين إلى أن “الاتفاق على برنامج إصلاحات مع صندوق النقد الدولي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار جميع التفاصيل لاسيما طبيعة النظام السياسي البرلماني المفضي إلى نزاعات متواصلة على السلطة والذي لم يفض أبدا إلى حكومة قوية طيلة سنوات”.

ولفت إلى أن “التفاوض مع المانحين على برنامج إصلاحات مثل الخصخصة في ظل انتقال ديمقراطي ونظام برلماني لم ينتج حكومة قوية كما أن النفوذ النقابي الكبير يمكن أن يقود إلى نكسة الديمقراطية وتفجّر احتقان شعبي كبير”.

وخلص بودريقة إلى أنه “على الحكومة أن تفسر بطريقة موضوعية قدراتها أمام المانحين، فلا يمكن أن يعامل صندوق النقد تونس مثل معاملته لأي دولة أخرى لأن الوضع التونسي له خصوصيته، مشددا على أن نظام الديمقراطية غير عريق وبالتالي يسهل ابتزازه اجتماعيا”.

10