هل تغادر فرنسا الساحل الأفريقي على الطريقة الأميركية في أفغانستان

الخيار المطروح أمام باريس يتمثل في تدويل الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل من خلال المزيد من  إشراك حلفائها الأوروبيين أكثر في الصراع بالمنطقة.
الأربعاء 2021/06/30
معادلة صعبة

باريس - مع قرار فرنسا إنهاء عملية برخان العسكرية في منطقة الساحل الأفريقي وإلقاء الحمل على تحالف غربي تقوده الولايات المتحدة، تتصاعد حدة العمليات المسلحة في المنطقة بشكل مشابه لما يجري في أفغانستان.

ورغم أن قرار إنهاء عملية برخان اتخذ نهاية 2020، بعد ثماني سنوات من القتال ضد تنظيمي القاعدة وداعش، إلا أن باريس اتخذت من الانقلاب الثاني في مالي، الذي وقع في 24 مايو الماضي، مبررا إضافيا لانسحابها من منطقة الساحل.

ولا يريد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الانسحاب فورا من الساحل كما أنه لا يريد في الوقت نفسه الغرق في الرمال المتحركة بالمنطقة.

ويسعى ماكرون لحل هذه المعادلة الصعبة، إذ أنه لا يريد أن يترك أحد أهم مراكز نفوذ بلاده في أفريقيا لقمة سائغة للروس والصينيين على وجه التحديد، خاصة بعدما خسر جمهورية أفريقيا الوسطى، التي أصبحت شركة فاغنر الروسية تصول وتجول فيها عقب إنهاء فرنسا عملية “سانغاريس” العسكرية في 2016.

والخيار المطروح أمام باريس والذي مهدت له منذ أشهر، يتمثل في تدويل الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل، من خلال المزيد من  إشراك حلفائها الأوروبيين أكثر في هذا الصراع، ودفع الولايات المتحدة إلى تحمل عبء أكبر في المنطقة، مع إبقاء باريس لقواعد عسكرية في كل من تشاد والنيجر ومالي وبوركينا فاسو.

وتحشد فرنسا نحو 5100 عنصر من قوات برخان في المنطقة، بينما تشكل الولايات المتحدة القوة الأجنبية الثانية في المنطقة بنحو 1100 عنصر، لكن دورها يقتصر على التدريب وتقديم الدعم اللوجيستي والاستخباري.

وفي يوليو 2020، أطلقت وزارة الدفاع الفرنسية عملية “تاكوبا” العسكرية، التي تضم المئات من القوات الخاصة لعدة دول أوروبية بالإضافة إلى الجيش الفرنسي، والتي من المتوقع أن تخلف برخان.

وهذا يعني أن فرنسا ستبقى حاضرة في الساحل، لكن مع توزيع الأعباء المالية والخسائر البشرية على بقية الدول الأوروبية.

واشنطن لا تبدو متحمسة كثيرا لقيادة عملية عسكرية في الساحل، أما الدول الأوروبية فلا يزال تدخلها العسكري محدودا

ولا تبدو الولايات المتحدة متحمسة كثيرا لقيادة عملية عسكرية في الساحل، خصوصا وأن استراتيجيتها الجديدة في مكافحة الإرهاب تسعى لتقليص حجم تواجدها في المناطق الساخنة والاكتفاء بتوفير التدريب والدعم اللوجيستي للجيوش المحلية. أما الدول الأوروبية فلا يزال تدخلها العسكري في الساحل محتشما.

وبعدما أطلقت باريس عملية سرفال في 2013، لوقف زحف المتمرّدين الطوارق والجماعات المتشددة المقربة من القاعدة في شمال مالي، شكلت عملية برخان لتمتد إلى كامل دول الساحل الخمس (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وموريتانيا).

وإن وجهت برخان وقوات دول الساحل الخمس ضربات قوية للتنظيمات المسلحة في المنطقة، إلا أن العنف تفجّر على نطاق واسع وامتد من شمال مالي إلى معظم دول الساحل، بل إلى غاية دول غرب أفريقيا المدارية، وفي مرحلة ثالثة وصل إلى قلب أفريقيا الاستوائية وحتى جنوبها الشرقي.

ومنذ إعلان الرئيس الفرنسي في 10 يونيو الجاري، استبدال برخان بتحالف دولي أوسع، تشهد دول الساحل ارتفاعا حادا في العنف الذي ينسب معظمه إلى جماعات إرهابية تابعة للقاعدة أو داعش.

وهذا الوضع مشابه لما يجري في أفغانستان منذ قرار واشنطن الانسحاب منها، ما أدى إلى تصعيد طالبان هجماتها على أطراف المدن الرئيسية.

وفي 25 يونيو، أصيب 15 جنديا ألمانيا من القوات الأممية في مالي في هجوم بسيارة مفخخة، وقتل قبله بنحو يوم 19 مدنيا في غرب النيجر بالقرب من الحدود مع مالي.

وفي 21 يونيو أصيب ثلاثة جنود فرنسيين من عملية برخان في مالي، وقبلها بنحو أسبوع قتل جندي نيجيري وأصيب ثلاثة جنود بينهم فرنسيان.

وبناء على هذه المعطيات الميدانية يرجّح مراقبون أن تغادر فرنسا منطقة الساحل على الطريقة الأميركية في أفغانستان.

5