سكان غابات الأمازون في مرمى الباحثين عن الذهب

ريو دي جانيرو - نشرت لويزا موندوروكو رسالة استغاثة على تطبيق واتساب، تقول “إنهم جاءوا إلى منزلي، إنهم مجموعة كبيرة، وسيحرقون كل شيء هنا، اتصلوا بالجميع فأنا أشعر بالخوف”.
وتم إضرام النيران في منزلها ومنزل زعيم محلي آخر في المنطقة. وكلاهما من المعارضين الذين يتسمون بالشجاعة، لعمليات التنقيب غير المشروعة عن الذهب في غابات الأمازون.
واندلع الصراع في القطاع الشمالي من البرازيل على الأراضي منذ فترة طويلة، وقالت لويزا مولينا وهي باحثة في أصل الأجناس بجامعة برازيليا، إنه “بحلول الثمانينات من القرن الماضي، أثارت منطقة حوض نهر ريو تاباجوز الغنية بالموارد المعدنية اهتمام المنقبين عن الذهب”.
والطريقة البدائية للحياة بالمنطقة تتعارض مع أسلوب العالم الصناعي، ومن ثم بدأ صدام بين السكان المحليين وبين المنقبين عن الذهب بشكل مستقل، الذين يطلق عليهم “جاريمبيروس”.
ويعد نهر تاباجوز أحد أكبر روافد نهر الأمازون، ويسكن في المنطقة المحيطة به نحو 14 ألفا من قومية موندوروكو، ويعيش ثمانية آلاف منهم في منطقتين بالقرب من بلدة جاكاركانجا.
وفي المنطقة الجنوبية الغربية من ولاية بارا البرازيلية، وبينما لا يجد القرويون بنكا فيها، توجد العشرات من المتاجر التي تبيع الذهب وتشتريه، وتعد المنطقة مركزا رئيسيا في إقليم الأمازون البرازيلي للتنقيب عن الذهب، حيث يوجد فيه حوالي 200 منجم.
وتشق مجموعة “جاريمبيروس” قطاعات من الأراضي خلال الغابة المطيرة، وتحفر الأرض بعمق عدة أمتار وتلوث مياه النهر بمادة الزئبق.
غير أن التدمير اتخذ الآن أبعادا جديدة مثلما هو الحال مع التهديدات، وكما فعلوا مع أبناء قومية موندوروكو، هاجم المنقبون عن الذهب أيضا أفرادا من قبيلة يانومامي، بل أطلقوا الرصاص على رجال الشرطة.
ويعتقد الخبراء أن منظمات إجرامية مثل “بريميرو كوماندو دا كابيتال”، وهي واحدة من أقوى العصابات في البرازيل، أو عصابات من دولة فنزويلا المجاورة أصبحت متورطة في الأنشطة غير المشروعة للتنقيب عن الذهب بسبب ارتفاع أسعاره.
وذكرت تقارير وسائل الإعلام أن 15 شخصا على الأقل أصيبوا، بينما قال سكان محليون إن العديد من الأشخاص فارقوا الحياة.
وتقول سونيا جواجاجارا كبيرة المنسقين برابطة (أيه.بي.آي.بي)، وهي مظلة تجمع السكان الأصليين، إن “هذه الهجمة من الباحثين عن الذهب إلى جانب جائحة كورونا، هي أسوأ التجارب التي عشناها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية”.
ولا تتناسب الصورة الحالية للمهاجمين المزودين بالأسلحة الكثيفة مع الفكرة الحالمة القديمة للباحثين عن الذهب المندمجة في الذاكرة الجمعية للبلاد.
ويستثمر رجال الأعمال المتمتعون بقدرة مالية كبيرة في استغلال أراضي السكان الأصليين، وأصبحت الأدوات المستخدمة في التنقيب متقدمة، كما يقف أولئك المستثمرون وراء التنقيب غير المشروع عن الذهب في أراضي قومية موندوروكو، وهم يعملون على ضم مجموعة من السكان الأصليين لأنشطتهم لضمان دخولهم إلى المناجم.
ويوزع رجال الأعمال أسهما على العائلات، ويقدمون عبوات من الأطعمة أو دراجات نارية، مما يؤدي إلى حدوث انقسامات بين السكان الأصليين.
وتقول الباحثة مولينا “كلما زادت عمليات التنقيب عن الذهب، كلما زادت الضغوط على قومية موندوروكو، وكان هذا الاتجاه واضحا خلال الأعوام الأخيرة”.
وتضيف أن الدمار الذي سببه التنقيب غير المشروع عن الذهب في منطقة قومية موندوروكو، زاد بنسبة 360 في المئة خلال العامين الماضيين، بينما خسر أفراد قبيلة يانومامي نحو 200 هكتار من الغابات خلال الربع الأول من عام 2021.
وأوضحت الصور التي التقطتها من الجو مؤخرا منظمة “جرين بيس” المحافظة على البيئة مدى الدمار الذي لحق بأكبر منطقة محمية مخصصة للسكان الأصليين بالبرازيل، وتبلغ مساحتها قرابة عشرة ملايين هكتار في ولايتي رورايما والأمازون، وأصبحت الآن تتخللها حفر يبلغ عمقها عدة أمتار، إلى جانب مخيمات يقيم فيها الباحثون عن الذهب.
ويقيم بالمنطقة بأكملها نحو 27 ألفا من قبيلة يانومامي، كما يوجد فيها حاليا أيضا حوالي 20 ألفا من الباحثين عن الذهب بشكل غير مشروع.
ويعيش السكان الأصليون الذين يبدون مقاومة لهذه النوعية من التنقيب، مثلما تفعل ماريا لويزا موندوروكو ورابطة نساء قومية موندوروكو، حياة حافلة بالخطر.
ويعد القطاع الشمالي من البرازيل بمثابة “الغرب البري” كما تصوره أفلام رعاة البقر، حيث يبدو كأراض لا يسودها القانون وحيث تحكمها قاعدة البقاء للأصلح، كما أن خصوم السكان الأصليين يتمتعون بالنفوذ حيث يقف بجانبهم الرئيس جير بولسونارو.
ويساند الرئيس البرازيلي الاستغلال الاقتصادي لإقليم المازون، ويريد تقنين تعدين الذهب في مناطق السكان الأصليين.
وتقول جواجاجارا “يشعر المنقبون عن الذهب الآن بأن هناك من يشجعهم على المواجهة والهجوم، وهم يعلمون أن الحكومة تؤيدهم”.
كما يعلمون أنه من المرجح أنه لن يتم تقديمهم إلى المحاكمة.
وتم عمدا إضعاف منظمات حماية البيئة والأجهزة المشرفة، بينما أدت جائحة كورونا إلى المزيد من تقييد عمل الجهات المسؤولة، بعكس المنقبين عن الذهب الذين لا يعملون من بعد عن طريق الإنترنت.