العزلة تجبر أردوغان على التهدئة مع جيرانه الأوروبيين

أنقرة تجنح إلى مهادنة أثينا بعد توترات دبلوماسية.
الثلاثاء 2021/06/01
هامش المناورة يضيق

مع بداية العام الجاري بدأت أنقرة ما يشبه حملة علاقات عامة تجاه الاتحاد الأوروبي مستخدمة لهجة معتدلة ومتسامحة وداعية لطي مشاكل وتعقيدات الماضي وفتح صفحة علاقات جديدة، إلا أن انخراط أنقرة في مسارات تهدئة مع جيرانها الأوروبيين خاصة اليونان يقابل بحذر.

أثينا - أعلن وزيرا خارجية اليونان وتركيا الاثنين في أثينا عن لقاء سيعقد بين زعيمي البلدين في يونيو في بادرة تهدئة بعد الخلاف الدبلوماسي الشفوي الذي حصل في أنقرة قبل شهر، فيما أجبرت المتغيرات الإقليمية والدولية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الانخراط في مسارات تهدئة فرضتها المتغيرات الإقليمية والدولية.

ويبدو إعلان التهدئة واللقاء المقترح بين الرئيسين التركي واليوناني جزءا من تلك السياسة التركية التي تقابل بحذر من قبل دول الإقليم التي تتابع التدخلات التركية في شرق المتوسط والخلافات بشأن التنقيب عن الغاز.

ويقول دبلوماسيون أوروبيون إن التهدئة معرضة بشكل دائم إلى الانهيار كلما تحركت تركيا لتنفيذ مشاريعها في المتوسط. وسبق لأنقرة أن خرقت تعهداتها مرارا بالتهدئة مما حدى بالاتحاد الأوروبي إلى المطالبة بأفعال لا مجرد إعلان نوايا.

ويرى مراقبون أن انخراط الرئيس التركي في عدة مسارات تهدئة إقليميا ودوليا جاء نتيجة تفاقم الضغوط على تركيا التي باتت تخشى تفاقم عزلتها في ظل إدارة أميركية حازمة في التصدي لأجنداتها التوسعية والتخريبية على عدة جبهات.

ويلتقي رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس الرئيس التركي أردوغان خلال قمة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في 14 يونيو في بروكسل كما أعلن وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس في ختام محادثاته مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو.

مولود جاويش أوغلو: نريد مواصلة المحادثات مع اليونان دون شروط مسبقة

والمحادثات بين الوزيرين في أثينا كان هدفها محاولة “إجراء تفاهم مسبق” والقيام بـ”تطبيع تدريجي” للعلاقات التركية - اليونانية.

وقال ديندياس إنه تم الاتفاق أيضا خلال المحادثات بين الوزيرين على “لائحة محدودة” من الشراكات الاقتصادية دون إعطاء توضيحات.

وأكد جاويش أوغلو أن تركيا تريد مواصلة المحادثات مع اليونان “دون شروط مسبقة”، بحسب الترجمة الرسمية اليونانية لتصريحاته بالتركية.

وبحسب محللين، فإن الرئيس التركي يؤيد حاليا إجراء محادثات مع اليونان خلال قمة حلف شمال الأطلسي التي سيحضرها أيضا الرئيس الأميركي جو بايدن المتحفظ حيال أنقرة أكثر من سلفه دونالد ترامب.

وقال كوستاس لافداس أستاذ الشؤون الأوروبية في جامعة بانثيون في أثينا “حاليا تسعى تركيا إلى تقارب لكن بحسب شروطها الخاصة”.

وأوضح للتلفزيون الرسمي اليوناني “إي.آر.تي” أن “تركيا بحاجة لأن يكون لديها موقف إيجابي” قبل القمة الأوروبية المقررة في نهاية يونيو التي ستبحث العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي.

وفور وصوله الأحد إلى اليونان في زيارة تستغرق يومين، أثار الوزير التركي غضب أثينا بعدما وصف الأقلية المسلمة في تراقيا في شمال شرق اليونان قرب الحدود اليونانية – التركية التي قام بزيارتها بأنها “تركية”.

وردت وزارة الخارجية اليونانية في بيان قائلة إن “الأقلية المسلمة في تراقيا تعد حوالي 120 ألف شخص يونانيين”، وأضافت أن “المحاولات المستمرة من تركيا لتحريف هذه الحقيقة وكذلك مزاعم عدم حماية حقوق هؤلاء المواطنين أو التمييز، لا أساس لها من الصحة ومرفوضة بالكامل”.

وتابعت أن “اليونان ترغب في تحسين علاقاتها مع تركيا لكن مع احترام القانون الدولي كشرط مسبق”.

وتضم منطقة تراقيا الغربية اليونانية ما يصل إلى 150 ألف مسلم نالوا وضع الأقلية بعد معاهدة لوزان عام 1923 عند نهاية الحرب بين تركيا واليونان والتي أذنت بسقوط السلطنة العثمانية. وتقول تركيا باستمرار إن اليونان لا تحمي بشكل جيد حقوق هذه الأقلية التي يتحدر الكثير من أفرادها من أصول تركيا أو هم ناطقون بالتركية.

وأثار جاويش أوغلو المسألة ذاتها في منتصف أبريل خلال مؤتمر صحافي عاصف مع نظيره اليوناني ديندياس.

وقال جاويش أوغلو آنذاك “أنتم لا تسمحون للأقلية التركية بأن تطلق على نفسها تسمية تركية. أنتم تسمونهم مسلمين”.

وأضاف متوجها إلى ديندياس الذي نقل استياء اليونان العميق من تحويل تركيا العام الماضي كاتدرائية آيا صوفيا من متحف إلى مسجد، “إذا كانوا يعتبرون أنفسهم أتراكا فهم أتراك، عليكم أن تعترفوا بذلك”.

ووضع الأقلية المسلمة في تراقيا يشكل أحد مواضيع الخلاف الكثيرة بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي واللذين كانت علاقتهما حساسة على الدوام.

انخراط الرئيس التركي في عدة مسارات تهدئة إقليميا ودوليا جاء نتيجة تفاقم الضغوط على تركيا التي باتت تخشى تفاقم عزلتها في ظل إدارة أميركية حازمة

وبالإضافة إلى النشاطات التركية في شرق المتوسط وبحر إيجه، هناك خلافات أيضا بشأن التعامل مع تدفق المهاجرين على حدودهما وتحويل أنقرة العام الماضي كاتدرائية آيا صوفيا إلى مسجد.

واشتدت حدة الأزمة بين البلدين في أغسطس مع إرسال سفينة للمسح الزلزالي إلى مناطق متنازع عليها وخصوصا قرب جزيرة كاستيلوريزو اليونانية قرب الشاطئ التركي.

ويدور الخلاف البحري بين البلدين حول ثلاث قضايا رئيسية هي: الخلاف حول حدود المياه الإقليمية اليونانية وملكية بعض الجزر في بحر إيجه ومسألة المناطق الاقتصادية الخالصة للبلدين في شرق المتوسط والأزمة المستدامة لجزيرة قبرص.

وبالإضافة إلى هذه الأمور، تؤكد تركيا أيضا أن عددا من القضايا الأخرى، مثل السيادة أو الوضع المجرد من السلاح لبعض الجزر اليونانية، لا تزال دون حل وبالتالي تحتاج إلى معالجة، فيما ترفض اليونان هذه المطالب بشكل قاطع باعتبارها انتهاكا لسيادتها.

والتوتّرات التي صنعتها تركيا في المتوسط دفعت اليونان إلى إيجاد تحالفات مع فرنسا ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة.

وفي مقابل ذلك تستمر تركيا في المناورة غير آبهة بأي التزامات إقليمية أو قاريّة والهدف هو فرض الأمر الواقع على كل من هم من حولها وتركيع سياساتهم، وإلا اللجوء إلى التصعيد كلما وجدت ذلك ضروريا.

وأصبحت اليونان أكثر جرأة بدعم فرنسا وعدد من الدول الأوروبية وحتى الإقليمية الأخرى وهو أصبح يقلق تركيا مع تصاعد لهجة الحزم ونزعة التسلح التي اتبعتها الحكومة اليونانية.

وهذا ما لا تريده أنقرة، إذ تريد حكومة العدالة والتنمية وأردوغان شخصيا تلك الدولة الجارة ضعيفة ومتهالكة.

وبتسليط الضوء على التعاون الدفاعي الثنائي القوي بين أثينا وواشنطن، الذي تميز بتوسيع الوجود الأميركي في اليونان خلال العام الماضي، مع نقل قاعدة ‘يو.إس.إس هيرشيل’ “وودي” ويليامز المتنقلة في خليج سودا، تخشى أنقرة من انفلات عقد التحالف مع الولايات المتحدة ما لم تعدّل من سلوكها وسياساتها.

ويؤكد مراقبون أن هذه المرحلة تعتبر مرحلة اختبار نوايا وإلا فإن واشنطن ستقف مع اليونان إذا ما واصل أردوغان سياساته واستفزازاته.

5