المبادرات الخاصة طريق الشباب إلى سودان منتج ومخضر ومكتف ذاتيا

برزت التجارب الشبابية الناجحة في قطاع الزراعة في السودان عبر مبادرات ذاتية من أصحابها بدأت بإمكانيات متواضعة لتتوسع وتنتشر في العديد من المناطق وتحمل آمالا بإمكانية الخروج من الأزمة الاقتصادية على أيدي الشباب.
الخرطوم – من فكرة بسيطة لملء الفراغ بعد توقف الدراسة بسبب فايروس كورونا، إلى مشاريع زراعية استفادت منها المئات من الأسر السودانية والآلاف من الأشخاص، استطاع الشاب علي أحمد علي ذياب إثبات أن تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي ليس مهمة مستحيلة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعانيها السودان.
وبدأ ذياب (23 عاما) الطالب بكلية علوم الحاسوب وتقنية المعلومات، ومجموعة من الشباب باستغلال مساحة منازلهم في ولاية الجزيرة لزراعة بعض الخضروات المستهلكة يوميا وتمكّنوا من تأمين سلتهم الغذائية لمدة أربعة إلى خمسة أشهر بمبلغ بسيط لكل منزل لا يتجاوز ثلاثمئة جنيه سوداني ثمن البذور (1 دولار أميركي يعادل 415 جنيها سودانيا).
وتحولت الفكرة إلى مشروع يشجع الكثير من الشباب على المشاركة به، ويحمل رؤية تتلخص بتوفير غذاء صحي وآمن والوصول إلى سودان منتج ومخضر ومكتفٍ ذاتيا.
ويمتلك السودان مقومات الاستثمار في القطاع الزراعي مع وفرة الأراضي الصالحة للزراعة بمساحات شاسعة غير مستغلة، ووفرة مياه الأنهار والأمطار، إلا أنه قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من حاجاته للمواد الغذائية الاستهلاكية، وتستمر أسعار الخضروات والفاكهة بالارتفاع بشكل كبيرة.
ومع أن العالم ينظر إلى السودان على أنّه سلّة خبز العالم، وينظر إليه العرب أيضا على أنّه سلّة غذاء العرب، إلا أن البلد لا يزال يعتمد على الاستيراد لسد جزء من حاجات السكان للمواد الغذائية الأساسية، لهذا يعتبر إدماج الشباب في قطاع الزراعة مسألة شديدة الأهمية لحل الأزمة الاقتصادية.
وتشكل المبادرات الذاتية للشباب، مثل “بيتنا أخضر” خطوة فعالة في هذا الإطار، وقد ساعدهم الاعتماد على فيسبوك في الوصول إلى الناس وتوسيع مبادرتهم.
ويقول ذياب في تصريح لـ”العرب”، “جاءت فكرة المبادرة عندما شاركنا صور زراعة المساحات المنزلية عبر مجموعة على موقع فيسبوك تسمى ‘مجتمع الزريعة السوداني’، تضم مختصين ومهندسين زراعيين ومرشدين وخبراء وتساعد المهتمين في الزراعة”.
وأضاف أن منشوراتهم وصور تجربتهم الزراعية المنزلية لقيت إقبالا واسعا وبدأت الاستفسارات والتساؤلات تصلهم حول كيفية القيام بالتجربة.
وتأسست مبادرة “بيتنا أخضر” في شهر سبتمبر 2020 لتقديم خدمات وبذور مجانية للمهتمين بالزراعة وتوفير فريق للناس غير القادرين على الزراعة، ونفذت عدة مشاريع أولها في أكتوبر 2020.
وتابع فريق المبادرة تحت إشراف علي ذياب والمهندس الزراعي مزمل إلياس المتخصص في وقاية النباتات، العمل لتعميم الفكرة في جميع أنحاء السودان بأقل مبلغ من المال ولأطول فترة ممكنة.
وتم إطلاق مشروع “سبل كسب العيش المستدام” في شرق السودان الممول من البنك الدولي واستهدف خمسمئة أسرة في منطقة أم درمان القرية وتنظيم دورة تدريبية لثلاثين شابا يتولون مهمة الإشراف ومساعدة الأسر في الزراعة المنزلية.
ويستمر هؤلاء الشباب في الزراعة رغم أن البعض منهم لم يكن لديه أي أمل بأن تنجح في منطقتهم. وأشار ذياب إلى أن التطبيق العملي كان أفضل اختبار “قمنا بمساعدتهم بالزراعة لهم والقيام بالتجربة وأعطيناهم الأفكار الزراعية ووضعنا المشاريع بين أيديهم”.
وتطور المشروع من مرحلة الاكتفاء الذاتي للأسر إلى مصدر دخل لمن يملكون أراضيَ واسعة.
الشباب السوداني يطمحون إلى تعميم تجاربهم ومبادراتهم الناجحة في مختلف المناطق في السودان للمساعدة على تنمية البلاد
ويؤكد القائمون على المبادرة أن الدافع الأساسي لهم هو التصدي للأزمة الاقتصادية الخانقة التي يواجهها السودان، حيث زادت أسعار الخضروات كثيرا بسبب جشع التجار دون وجود سبب منطقي لرفع الأسعار بهذه الصورة الكبيرة، في حين أنه يمكن الزراعة داخل المنازل بكلفة قليلة.
وتسعى المبادرة إلى تأمين الغذاء الصحي بزراعة خضار دون أسمدة ودون كيميائيات التي تفقد الخضروات قيمتها. ويمتلك السودان ما يزيد عن 175 مليون فدان (الفدان يساوي 4200 متر مربع) من الأراضي الصالحة للزراعة، وأكثر من 100 مليون رأس من الماشية، إضافة إلى مساحات من الغابات والمناطق الصالحة للرعي، بواقع 52 مليون فدان، وأكثر من 400 مليار متر مكعب معدل هطول الأمطار سنويا.
ويُشكّل القطاع الزراعي ميدانا مفتوحا لاستقطاب الأيدي العاملة والتخفيف من نسبة البطالة؛ فيما تمثل إيرادات القطاع الزراعي ما نسبته 48 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للسودان، وفقا لبيانات رسمية عام 2017.
وكشفت دراسات سودانية رسمية أن 20 في المئة فقط من الأراضي الصالحة للزراعة تتم زراعتها، من أصل 57 في المئة صالحة للزراعة من مساحة السودان.
وتتجه أنظار المسؤولين السودانيين إلى الشباب للمساهمة في النهضة بالبلاد وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
واعتبر نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو (حميدتي) أن “المخرج لأزمة السودان الاقتصادية هو استيعاب كل الشباب في الزراعة”.
وكشف حميدتي في مارس الماضي عن اتجاه لتوطين زراعة الصمغ في دارفور، قائلا “لدينا خطة لتجريب زراعة الهشاب في الصحراء وبدأناها بشمال دارفور، وإذا نجحت مشكلة السودان ستحل تماما”.
وأشار إلى أن الهدف من البرنامج هو خلق مناخ عمل على المستوى القومي ليساعد في إيجاد فرص توظيف جيدة للخريجين من الشباب في مجال ريادة أعمال الزراعة وتغيير المفهوم السائد وسط الشباب لينظروا إلى الزراعة كمجال عمل ونشاط مجدٍ اقتصاديا وتناول طريقة اختيار المستهدفين والتدريب بالحاضنات والدعم الفني بجانب التحديات التي تواجه إنفاذ المشروع.
وأثبتت التجارب أن الرهان على الشباب خيار ناجح في السودان، إذ يحتاجون فقط إلى تمكينهم من الأدوات البسيطة للانطلاق نحو إنجازات متميزة. فقد حقق رواد برنامج تمكين الشباب لريادة الأعمال الزراعية الممول بواسطة بنك التنمية الأفريقي بالشراكة مع وزارة الزراعة السودانية، إنجازا غير مسبوق في تسمين العجول، وذلك بتمكنهم من تحقيق نسبة زيادة يومية بأكثر من كيلوغرام ونصف ووصلت في بعض العجول إلى نسبة زيادة يومية تقدر باثنين كيلوغرام في اليوم.
وتم اختيار رواد الحاضنة البالغ عددهم 51 شابا لهذا البرنامج وفق معايير معينة لا يشترط فيها تخصص معين، إذ يوجد بينهم خريجو الهندسة والصيدلة والاقتصاد واللغات والتاريخ والإنتاج الزراعي والحيواني والبيطرة ومن كل التخصصات، إلا أن ما جمعهم هو برنامج تمكين الشباب الذي وفر لهم بيئة مناسبة من تدريب نظري في مجال ريادة الأعمال والاقتصاد والإدارة العامة ومواجهة المخاطر التي ستواجههم في سوق العمل بعد انتهاء فترة تدريبهم النظري والعملي.
وتم خلال فترة التدريب توفير مصروف لكل طالب ولديهم نسبة أرباح من كل دورة تدريبية يطبقون عليها المعلومات التي تلقوها بواسطة متخصصين في مجال التسمين على أن يتم تمويل أي رائد منهم بسقف تمويل يصل إلى ثلاثين ألف دولار وبضمان يوفره لهم البرنامج ويتم التمويل بواسطة بنوك سودانية وذلك بإقامة مشاريع فردية وجماعية للرواد تساعد في تحقيق الاستقرار المالي للشباب السوداني وفتح فرص عمل حرة لهم وتغيير مفاهيم العمل في الوظيفة والالتحاق بالسوق على أن يُشغل كل رائد خمسة خريجين معه في مشروعه الذي سيمول به بعد انتهاء فترة التدريب.
وبرنامج تمكين الشباب هو برنامج مدته خمس سنوات يقام في السودان بواسطة بنك التنمية الأفريقي وبالشراكة مع وزارة الزراعة السودانية ووزارة المالية السودانية وشركاء آخرون. ويستهدف البرنامج تدريب وتمويل أعداد كبيرة من الشباب السوداني لإخراجهم من البطالة إلى دائرة الإنتاج. ويعمل البرنامج في عدة محاور وهي تسمين العجول وإنتاج الدواجن اللاحمة وزراعة الخضروات في البيوت المحمية والإنتاج السمكي وإنتاج البذور في خمس ولايات هي الخرطوم والجزيرة والقضارف وكسلا والنيل الأبيض، على أن يعمم هذا البرنامج في بقية ولايات السودان في الفترة القادمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

واللافت أن الشباب السوداني يطمحون إلى تعميم تجاربهم ومبادراتهم الناجحة في مختلف المناطق في السودان لتحقيق أقصى استفادة لسكانها والمساعدة على تنمية البلاد التي تحتاج إلى جهودهم بشكل مكثف.
ويستهدف ذياب في مبادرة “بيتنا أخضر” قرى كاملة لزراعة الأشجار المثمرة في كل بيت وحتى في المساجد والمدارس والمراكز الصحية في المنطقة لتخضيرها ونشر ثقافة الزراعة داخل الأسر وتحقيق الاكتفاء الذاتي. كما أن للبيئة نصيبا من أهدافهم، إذ ينشطون لزراعة الأشجار المثمرة لرفع نسبة الأوكسجين وخفض نسبة ثاني أكسيد الكربون لتنقية الهواء والحفاظ على البيئة ونشر الخضرة وقد نفذوا مشروعين في ولاية الجزيرة والآن لا يزال العمل جاريا على مشروع آخر في ولاية النيل الأبيض وهناك مخططات لمشاريع قادمة، حيث يتم توزيع البذور مجانا في الخرطوم وتوفير مهندسين زراعيين يقدمون الاستشارات لحل المشاكل وتعليم الشباب الزراعة.
وكانت الحكومة الانتقالية قد أعلنت عن مشاريع قوانين وخطط مدروسة يجري العمل عليها من أجل خلق بيئة استثمارية جاذبة لرؤوس الأموال العربية والأجنبية، خصوصا في القطاع الزراعي، للاستفادة من المقومات الطبيعية التي يتمتع بها السودان لتحقيق الأمن الغذائي المحلي والعربي.
وأكد وزير الزراعة السوداني عيسى شريف في تصريحات سابقة أن ست جهات دولية أبدت رغبتها في تمويل عمليات إعادة تأهيل المشروعات الزراعية الكبرى بالبلاد والتي تعرضت إلى تدمير ممنهج خلال العقود الثلاثة الماضية.
وأضاف أن الحكومة ترتب لإطلاق صندوق استثماري ضخم لتعزيز الإنتاج في المجالات التي تصب في اتجاه تحقيق الأمن الغذائي المحلي والعربي، وتوقع أن يشكل الصندوق أساسا قويا لنهضة زراعية غير مسبوقة في السودان.
وأشار إلى أن الزراعة تمثل العمود الفقري للاقتصاد السوداني ونقطة الانطلاق لكل القطاعات الاقتصادية الأخرى، مبينا أن الوزارة تبذل جهودا في عملية الإرشاد الزراعي ونقل التقنية إلى جانب تنظيم المزارعين في جمعيات التعاون الزراعي، وذلك من أجل إحكام التنسيق بين جميع الجهات ذات الصلة بالعمليات الزراعية.
وأعلنت حكومة السودان عن تحقيق معدلات إنتاجية عالية في محصولات الموسم الزراعي في العام الماضي، بلغت نحو 4 ملايين ونصف المليون طن من الذرة، و700 ألف طن من القمح، ونحو 3 ملايين طن من الفول سوداني، ونحو 5 ملايين ونصف مليون طن من السمسم. وأشارت إلى أن المحاصيل الزراعية حققت نسبة 38 في المئة من الصادرات السودانية بمبلغ مليار ونصف المليار دولار أميركي.