معرض لـ"آثار الدم" في متحف اللوفر بباريس

قطع أثرية منهوبة من الشرق معروضة بأختامها القضائية تشهيرا بالتهريب.
الأربعاء 2021/05/26
تهريب الآثار جناية في حق الحضارة الإنسانية

إذا كانت جائحة كورونا قد أغلقت الأبواب على عامة الناس، فإنها فتحت أبواب النهب أمام مهربي الآثار في ظل غياب الرقابة ونشاط بعثات التنقيب. ويعرض متحف اللوفر في باريس قطعا أثرية يتواصل بشأنها التحقيق القضائي، وهي سابقة غايتها التحذير من التبعات السلبية لتهريب الكنوز التاريخية.

باريس – تبرز حفنة من التماثيل النصفية والنقوش البارزة من الشرق الأوسط في جناح التحف في متحف اللوفر وهي بأختامها القضائية محور معرض استثنائي في المتحف الباريسي، يهدف إلى تسليط الضوء على الأضرار التي يتسبب بها تهريب القطع الأثرية في ظل التلاعب بالقوانين الدولية والمحلية.

وتثير أربع منحوتات أثرية لملكة العالم السفلي الآلهة بيرسيفوني المغطاة بحجابها الرخامي اهتمام الزوار وفضولهم.

وعُرضت على الجدار خلف هذه التماثيل النصفية التي ضبطت عام 2012 في مطار رواسي الباريسي صورة من الجو لمقبرة قورينا، إحدى أكبر المدن الأثرية في شمال أفريقيا.

ويُرجح أن التماثيل كانت تعلو آثار هذه المقابر في شرق ليبيا منذ أكثر من 2000 عام قبل أن يقتلعها من مكانها جشع المهربين. وأبرزَ أمين المتحف لودوفيك لوجييه أن عرض مثل هذه القطع سابقة مهمة في فرنسا.

وكان قضاة التحقيق الذين يواصلون تحقيقاتهم للتوصل إلى كشف هوية الشبكات التي نهبت هذه القطع، أذنوا بعرضها بموجب قانون صدر عام 2016 بتعديل قانون الآثار.

ويهدف عرض هذه المسروقات إلى التحذير من التبعات السلبية للاتجار غير المشروع بالقطع الثقافية، وهي تجارة تدر نحو عشرة مليارات دولار سنويا، وفقا لليونسكو.

ويشكّل الشرق الأوسط الذي يشهد نزاعات عدة، إحدى المناطق الأكثر معاناة من هذا النشاط الإجرامي المنخفض المخاطر والمربح.

Thumbnail

ولم يكتف تنظيم الدولة الإسلامية بتدمير المدن الأثرية السورية كتدمر وأفاميا في سوريا، أو العراقية كالحضر والنمرود، بل لجأ إلى إعادة بيع ما يسميه الخبراء “آثار الدم” كإحدى الوسائل لتمويل أعماله الإرهابية.

ورأى لوجييه أن توعية عامّة الناس تتيح مواجهة هذه المشكلة إذ تتيح “الرهان على الحدّ من الطلب على الآثار المنهوبة بشكل غير قانوني”. وشرح قائلا “كلما زاد الشك لدى الناس وحرصوا على التحقق من المصدر، قلّ الطلب على التحف المسروقة، وبالتالي قلّ العرض” نتيجة لذلك.

أما عالم الآثار المتخصص في الشرق الكلاسيكي فنسان ميشال والناشط في مجال مكافحة التهريب، فشدد على ضرورة “عرض هذه القطع لجعلها غير قابلة للبيع، تماما كما هي لوحة الموناليزا غير قابلة للبيع لأن الجميع يعرفها”.

جائحة كورونا آفة تؤدي إلى ازدياد عمليات نهب القطع الأثرية وتراجع المعلومات وبعثات التنقيب وعمليات المراقبة

ولاحظ ميشال الذي يتولى رئاسة البعثة الأثرية الفرنسية في ليبيا، أنه “من السهل التعرف” على تماثيل بيرسيفوني النصفية المعروضة.

وأنتجت الآلاف من هذه التماثيل الجنائزية بين القرنين السادس والأول قبل الميلاد، فقط في قورينا ومحيطها. ويشكل رخامها الذي يتخلله لون مائل إلى الأحمر إحدى خصائص “الأرض الحمراء” أو “تيرا روسا” في المنطقة.

ويمكن لزوار المعرض مسح رموز الاستجابة السريعة المنتشرة على الجدران للاطلاع على مختلف “القوائم الحمراء”، كتلك التي أعدّها الإنتربول (منظمة الشرطة الجنائية الدولية) أو المجلس الدولي للمتاحف وتضم جردا بالقطع أو فئات الآثار الأكثر استقطابا للمهرّبين.

وغالبا ما يكون تتبع تاريخ القطع الأثرية أكثر صعوبة، كما تشهد على ذلك لوحتان رخاميتان تحملان نقوشا بارزة معروضتان أيضا في اللوفر.

Thumbnail

وهاتان القطعتان اللتان نُقشت عليهما صلبان مسيحية وكروم متشابكة، يُحتمل أن يكون مصدرهما سوريا، لكنّ عمليات التهريب جعلتهما “صامتتين”، على حد  قول لوجييه الذي لاحظ أنه من المستحيل تحديد تاريخهما أو سياقهما الزمني بدقة.

وضُبطت هاتان القطعتان عام 2016 في مطار رواسي، بعدما كانتا سجلتا في لبنان على أنهما من مستلزمات “زينة الحدائق” ومرسلتان إلى تايلاند.

ويشكّل ذلك نموذجا على مدى تعقيد حركة تهريب القطع الأثرية المعولمة التي يتولى جهازان في فرنسا ملاحقتها، هما الجمارك والمكتب المركزي لمكافحة تهريب القطع الثقافية.

وقالت نائبة مدير الجمارك للشؤون القانونية ومكافحة الغش كورين كليوسترات، إن “التحقيقات قد تطول” قبل إعادة البضائع إلى بلدها الأصلي، لأن هذه التحقيقات تستلزم “اللجوء إلى التعاون الدولي”، وغالبا ما تشمل “سلسلة من الوسطاء المتعددين”.

وبالإضافة إلى هذه الشبكات المنظمة، تفاقمت حركة التهريب أيضا بفعل تفشي جائحة كورونا في أنحاء العالم، بعد أن أصبحت متاحف ومواقع أثرية كثيرة مهجورة بسبب الجائحة دون حراسة مناسبة، ما يترك التحف التي تكتنزها تحت رحمة مهربين، أفرادا وشبكات، حتى مجموعات إرهابية.

ويقول إرنستو أوتونى راميريز نائب المدير العام لشؤون الثقافة في منظمة اليونسكو، إن “الجائحة هي آفة” إذ تؤدي إلى “ازدياد عمليات النهب وتراجع المعلومات والبعثات وعمليات المراقبة”، وفي كل أنحاء العالم “أدت الأولويات الصحية لتراجع الاهتمام بحماية التراث”.

ويقدر بعض علماء الآثار أن ما يصل إلى 80 في المئة من الآثار المعروضة للبيع على فيسبوك ومتجر “إي.بي” الإلكتروني غير موثقة، ومن المحتمل أن تكون إما مزيفة أو مسروقة على الأغلب من مواقع أثرية نُهبت قبل أن يتم التنقيب عنها بشكل احترافي.

ولاحظ فنسان ميشال أن نهب الآثار “يتحوّل إلى ما يشبه صناعة”، ففي الدول التي تشهد نزاعات والتي أمعن فيها فايروس كورونا في إفقار السكان، باتت المواقع الأثرية ذات الحراسة السيئة والتي أصبح في الإمكان إعادة بيع تحفها ببضع نقرات على الشبكات الاجتماعية، تشكّل مكاسب مالية مغرية. وختم عالم الآثار قائلا “يجب أن يتوافر وعي بأن القطع الأثرية قد تخبئ وراءها جريمة”.

Thumbnail
20