النخلة.. صورة للشموخ في عمارة الخليج العربي

القاهرة - رصدت دراسة سعودية حديثة تجليات شجرة النخيل في الفنون التشكيلية والعمارة التراثية، بالمملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج العربي، وتأثيرها في حياة سكان المناطق الصحراوية قديما.
الدراسة التي أعدتها الباحثة والفنانة التشكيلية السعودية سميرة آل إبراهيم تشير في مقدمتها إلى أن شجرة النخيل كانت منذ القدم من أهم مقومات الحياة في منطقة الخليج العربي، وأن سكان المناطق الصحراوية اعتمدوا عليها في معظم تفاصيل حياتهم، واستعانوا بها في تشييد معظم مرافق معيشتهم، وتعددت استخداماتهم لها لتشمل كل أجزاء النخلة.
واستخدمت جذوع النخلة في صناعة العوارض؛ وهي أعمدة تستخدم لبناء المنازل القديمة التي عاش فيها الأهالي، كما استخدمت كأعمدة للخيام، وأحيانا كانت تُفلق إلى نصفين وتستخدم كحماية فوق أفلاج المياه أو الوديان الصغيرة، وقد تقطع إلى قطع صغيرة وتستعمل وقودا أو لتغطية أسقف المساجد والمنازل.
واستخدم السعف في الخيام وصنعت منه أيضا السفن الصغيرة التي كانت تستخدم في صيد الأسماك.
وبحسب الدراسة، فقد كان الأجداد يستخدمون ساق النخلة في عملية بناء المنازل كما كان النجارون، قديما، يقطعون ساق النخلة لعمل الألواح الخشبية لاستخدامات متعددة.
وتتم الاستفادة من سعف النخيل في عمل العديد من الأدوات المنزلية مثل سفر الطعام، والسلال الخاصة بحمل الأغراض، والأمتعة والمراوح اليدوية وغيرها.
وأيضا يستخدم الجريد وهو الجزء الذي يتصل بسعف النخل في عمليات متعددة مثل بناء الحواجز وأماكن الاستراحة. كما يستفاد من الجمار وهو يؤخذ من داخل النخلة كغداء، كما كانوا يخلطون الطين بأجزاء من سعف النخيل ليعطيه نوعا من التماسك مثل الإسمنت؛ حيث تليس بها الجدران فيعطيها منظرا جميلا ورائحة زكية عند نزول المطر.
كما يستخدم سعف النخيل في الوقت الحالي في إقامة المنشآت ذات الطابع السياحي والمتنزهات للتظليل والوقاية من الشمس وعمل قواطع ومجسمات لتمنح المكان صورة من عبق الماضي.
وأشارت الباحثة والفنانة التشكيلية السعودية، في دراستها، إلى أن جماليات شجرة النخيل كانت مصدر إلهام للفنانين التشكيليين في المملكة العربية السعودية وفي غيرها من بلدان العالم العربي، وكل بلدان الشرق الذي يوصف بالشرق الملهم، لما تضمه بين جنباتها من مفردات وصور تراثية، وبيئة غنية بكل ما يُلهم الفنانين التشكيليين؛ حيث جسدها وتناولها بصور فنية متعددة رواد الفن التشكيلي بالمملكة العربية السعودية، أمثال الفنانين صالح النقيدان، وعبدالله حماس، وعلي الشريف، وعبدالله الرشيد، ومن تبعهم من أجيال فنية معاصرة.
أقدم ما عرف في التراث العراقي عن النخل كان في بابل، ويمتد تاريخه إلى 4000 عام قبل الميلاد
ولفتت الدراسة إلى التشابه في استخدامات مكونات أشجار النخيل بالمملكة العربية وبلدان الخليج العربي والعراق، وكذلك التشابه في التناول الفني لها من قبل فناني المملكة العربية السعودية والتشكيليين العراقيين، ومن بين الفنانين التشكيليين العراقيين الذين تناولوا النخيل في أعمالهم الفنية، الفنانون آزار طالب، ويحيى محمود الواسطي، والفنانة ليلى كبّه، ووداد الأورفلي.
وأشارت الدراسة إلى أن أقدم ما عرف في التراث العراقي عن النخل كان في بابل، ويمتد تاريخه إلى 4000 عام قبل الميلاد.
وأن شجرة نخيل التمر ذات تاريخ عريق في كثير من بلدان العالم، باعتبارها من أقدم المزروعات التي عرفها الإنسان، حيث كانت ومازالت مصدرا للغذاء، ومنها شيدوا منازلهم وصنعوا مستلزماتهم المنزلية.
وكما تقول الباحثة، فإن النخيل هو أحد مظاهر الطبيعة والتراث السعودي والعراقي، وأحد صور الهوية العربية، ومن هنا جاء الاهتمام به من قبل الأوساط التشكيلية السعودية والعربية أيضا.
وفي الفنون التشكيلية استخدمت النخلة لترمز وتجسد صور الجمال، والعزّة، والكرم، والأصالة، والقوة، والثبات، وطالبت الدراسة بأن تكون المباني القديمة التي تدخل في عمارتها مكونات شجرة النخيل من بين المراسم الحرة، والمعارض الفنية، والسياحية، لكي توثق علاقة الأجيال المتعاقبة بالنخلة وفنون العمارة، منذ القدم، ولتبقى مصدر إلهام للفنانين على الصعيد المحلي والعالمي.
وبحسب الدراسة، فإن النخيل يحتل مكانة كبيرة في الثقافة العربية، كما يحتل مكانة متميزة بين مصادر الإلهام لدى المبدعين العرب في شتى مجالات الفنون والعمارة، باعتباره أحد عناصر الموروث الثقافي العربي، وهو تراث يستلهمه المبدعون في مضامين وأشكال متعددة في ظل ذلك الاهتمام المتنامي بالتراث في بلدان العالم العربي، خاصة وأن مفهوم التراث بات يأخذ موقعا متفردا بين المفاهيم التي تتشكل منها عناصر الهوية الثقافية العربية.
وقد حظيت النخلة بمكانة كبيرة في الثقافة العربية، وورد ذكرها في أكثر من موضع في القرآن الكريم، كما وردت في أشعار العرب وفي نثرهم، وهي لا تزال تحظى بمكانة متميزة في الثقافة والكتابة العربية منذ القدم وحتى اليوم.