مصداقية بي.بي.سي على المحك بعد فضيحة خداع الأميرة ديانا

تواجه هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) سيلا من الانتقادات والاتهامات التي تمسّ مصداقيتها والتزامها بالمعايير الصحافية، بعد أكثر من ربع قرن على عرض قناة بي.بي.سي المقابلة الشهيرة مع الأميرة ديانا، والتي فتحت الباب أمام تساؤلات عن مدى التزام المؤسسة العريقة بالمهنية في تغطيتها للأحداث الأخرى.
لندن- تعيش هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) أزمة مصداقية وانتقادات لاذعة على خلفية المقابلة النارية المثيرة للجدل التي أجرتها سنة 1995 مع الأميرة ديانا، وسط ضغوط قوية لتحسين سمعتها وإصلاح طريقة عملها.
وتعهدت الحكومة البريطانية الجمعة بتحري الطريقة التي كانت بي.بي.سي تُدار بها، وذلك بعد تحقيق في كيفية تمكن الهيئة من إجراء مقابلتها المدوية مع الأميرة ديانا عام 1995 وانتقادات لم يسبق لها مثيل من الأمير وليام ابن الأميرة الراحلة.
وخلص تحقيق مستقل عن القاضي السابق في المحكمة العليا جون دايسن الخميس إلى أن الصحافي مارتن بشير (58 عاما) الذي استقال أخيرا من بي.بي.سي، كذب ولجأ إلى التدليس لإقناع ديانا بالموافقة على إجراء المقابلة.
وأثارت القضية ضجة واسعة خارج بريطانيا بسبب قيمة بي.بي.سي الإعلامية وباعتبارها جزءا من ثقافة الصحافيين الخبرية حتى في العالم العربي وليست مؤسسة بريطانية وحسب.
واعتبر صحافيون أن هذه الحادثة تم كشفها لأنها تمسّ العائلة المالكة وتمّ تسليط الضوء عليها بشكل واسع من قبل وسائل الإعلام البريطانية والدولية، وتساءلوا كم من القضايا التي تعاملت معها الهيئة بطريقة مماثلة مرّت دون تدقيق أو بحث وأثّرت على الرأي العام بطريقة سلبية، لاسيما في تغطيتها للأزمات والحروب في الشرق الأوسط مثل العراق ومناطق أخرى.

روبرت باكلاند: عدم فعل أي شيء ليس خيارا في ضوء التحقيق الذي طال بي.بي.سي
وقد سبق أن وجّه نشطاء عرب انتقادات واسعة للهيئة بشأن تناولها للأحداث في المنطقة بطريقة غير دقيقة وبشكل خاص فيما يتعلق بالعلاقات العربية – الإيرانية وجماعة الإخوان.
واليوم مع ما تمّ كشفه يتوجّب على القارئ أن يميز المعلومات والأحداث من رؤية الصحافي والوسيلة الإعلامية لها، وألاّ يعتمد على أن ما يقدمه الصحافي الغربي يمثل نقلا أمينًا للواقع، دون أن يحذف منه ما يتعارض مع قناعاته، أو يلوي الحقائق لخدمة طرفٍ على حساب آخر.
وهذه ليست الفضيحة الأولى التي تهز بي.بي.سي بعدما حاولت المؤسسة قبل سنوات إخماد فضيحة تحرش جنسي بأطفال طالت نجمها السابق جيمي سافيل، كما واجهت انتقادات بسبب اتهامها زورا سياسيا محافظا بارتكاب انتهاكات جنسية.
وانتقد التحقيق بي.بي.سي بسبب تحرياتها “غير الفعالة تماما” التي أجرتها في العام التالي بخصوص تصرفات بشير وبسبب تسترها على مخالفاته. وخدع بشير شقيق ديانا حين جعله يظن أن حاشيتها تتجسس عليها وأنها غير جديرة بالثقة.
واعتذرت بي.بي.سي عن إخفاقاتها لكن وزراء وصحفا ومنتقدين وبعض المؤيدين قالوا إن الأمر يثير تساؤلات عن الهيئة التي تحصل على تمويلها من المال العام. وقال وزير العدل البريطاني روبرت باكلاند إن “عدم فعل أيّ شيء” ليس خيارا في ضوء التحقيق الذي أجراه جون دايسون القاضي السابق في المحكمة العليا.
وتغرق هذه التطورات بشأن المقابلة الجدلية بعد أكثر من ربع قرن على عرضها المجموعة البريطانية العملاقة في مجال الإعلام في أزمة جديدة تضاف إلى مشكلاتها المتكررة بسبب الاتهامات الموجهة إليها في بريطانيا بنقص الموضوعية، كما حصل في تغطيتها لبريكست، أو باعتماد أسلوب نخبوي.
وأعلنت الحكومة البريطانية أنها ستدرس الحاجة إلى إصلاح قواعد الحوكمة في بي.بي.سي في ظل تساؤلات عن تمويلها من خلال رسوم حكومية ومحاولة لندن تعيين حلفاء من المحافظين فيها. وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون “آمل حقا أن تتخذ بي.بي.سي كل الإجراءات الممكنة لضمان ألا يتكرر مثل هذا الوضع أبدا”.
وتأتي هذه الزوبعة في مرحلة حساسة لبي.بي.سي التي تسعى إلى التحديث لمواجهة التحديات المترتبة عن العادات الجديدة للجمهور ونجاح منصات المشاهدة المدفوعة مثل نتفليكس.
كذلك قرّرت بي.بي.سي المنخرطة في خطة عصر نفقات واسعة تلحظ الاستغناء عن المئات من الوظائف، نقل جزء من إنتاجها إلى خارج لندن بهدف “تحسين تمثيل” التنوع المناطقي.
كما تعهدت بي.بي.سي اتخاذ إجراءات مسلكية تصل إلى الطرد في حق الموظفين الذين يخلّون بواجب الحيادية المفروض عليهم في منشوراتهم على تويتر. وتواجه المجموعة أيضا انتقادات داخلية من موظفين على خلفية المساواة في الرواتب.
ويضع تقرير دايسن بي.بي.سي في وضع صعب، بحسب المسؤول عن تغطية وسائل الإعلام في المجموعة أمول راجان الذي قال “هناك وزراء الحكومة وكل العناوين الرئيسية في الصحف تقريبا ومسلخ الشبكات الاجتماعية، وملك بريطانيا المستقبلي وشقيقه، جميعهم تكتلوا ضد بي.بي.سي”.
وفي المقابلة التي تابعها 23 مليون متفرج أكدت الأميرة ديانا وجود “ثلاثة أشخاص” في زواجها، في إشارة إلى العلاقة التي كان يقيمها زوجها آنذاك الأمير تشارلز مع كاميلا باركر بولز. وأقرّت الأميرة أيضا بأنها في علاقة مع رجل آخر.
وقادت هذه التصريحات إلى طلاق تشارلز وديانا التي توفيت بعد أقل من عامين (سنة 1997) في حادث مروري في باريس لدى محاولة سائقها الهرب من عدسات قناصي صور المشاهير.
وقال ابن ديانا البكر الأمير وليام، الثاني في ترتيب خلافة العرش، “من المحزن للغاية معرفة إلى أيّ مدى أججت ارتكابات بي.بي.سي المخاوف والبارانويا والوحدة خلال السنوات الأخيرة التي أمضيتها معها”.
سبق أن وجّه نشطاء عرب انتقادات واسعة للهيئة بشأن تناولها للأحداث في المنطقة بطريقة غير دقيقة وبشكل خاص فيما يتعلق بالعلاقات العربية – الإيرانية وجماعة الإخوان
واعتبر الأمير وليام أن هذه المقابلة ضمن برنامج “بانوراما” الاستقصائي أمعنت في تحطيم العلاقة بين والديه وبالتالي “هي لم تعد تحوز أيّ مشروعية ويجب الامتناع بالكامل عن إعادة عرضها مستقبلا”.
أما شقيقه الأصغر الأمير هاري فقد ذهب إلى حد إقامة رابط بين وفاة والدته و”الأثر غير المباشر لثقافة الاستغلال هذه والممارسات التي تتعارض مع أيّ أخلاقيات”.
وكان مراسل الشؤون الملكية روبرت جونسون من القلائل الذين هبوا لنجدة بي.بي.سي، إذ قال عبر قناة سكاي نيوز إن المقابلة ورغم الأسلوب “المحزن” الذي اعتمدته، سمحت للأميرة ديانا بقول الحقيقة كما كانت تريد. وبعدما قررت في مارس الفائت عدم فتح تحقيق أكدت شرطة لندن أنها ستدرس “أيّ دليل هام وجديد”.