الفلسطينيون والإسرائيليون يتساءلون: انتهت الحرب.. فماذا بعد

انتهت جولة القتال الجديدة بين حماس وإسرائيل، ولسان حال الفلسطينيين والإسرائيليين يقول ماذا بعد؟، لاسيما سكان قطاع غزة الذين يقفون اليوم على مشهد كارثي في ظل حجم الدمار الذي حلّ بهم، في مقابل ذلك ينشغل قادة حماس بالتسويق لانتصار “وهمي”.
غزة- يشهد قطاع غزة هدوءا حذرا منذ دخول سريان وقف إطلاق النار حيز التنفيذ فجر الجمعة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل إثر مواجهة هي الأعنف بينهما منذ العام 2014، وسط سعي كل طرف للتسويق إلى أنه المنتصر في هذه الجولة، ولكن يبقى السؤال الأهم ماذا بعد ذلك؟
ويرى مراقبون أن جولة القتال الأخيرة بالتأكيد ستكون لها تبعات مستقبلية على شكل العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين ليس فقط في قطاع غزة بل وأيضا في باقي الأنحاء وبينهم عرب 48، الذين كان لهم صوت بارز في هذه الجولة، من خلال الاحتجاجات التي تخللتها صدامات مع الشرطة الإسرائيلية ومواطنين يهود.
ويشير المراقبون إلى الحديث عن طرف منتصر في هذا الحرب لا يبدو مقنعا سواء لشق من الإسرائيليين أو بالنسبة إلى الفلسطينيين وخصوصا سكان القطاع الذين فقدوا العشرات من ذويهم فضلا عن دمار كبير لحق بمنازلهم والبنية التحتية للقطاع الفقير.

فريد زكريا: التوصل إلى وقف لإطلاق النار لم يكن ضمن صفقة
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن بلاده حققت في هذه الجولة “إنجازا لم يحققه أي جيش على الإطلاق”. وأضاف نتنياهو خلال زيارته الجمعة لمقر قيادة عسكرية في تل أبيب أن إسرائيل دمّرت “نسبة كبيرة” من الأنفاق الداخلية لحركة حماس، والتي استثمرت فيها الحركة موارد طائلة، وتابع “ألحقنا أضرارا بأكثر من 100 كيلومتر” من شبكة الأنفاق، وحولناها إلى “مصيدة موت للإرهابيين”.
وذكر رئيس الوزراء أن إسرائيل قتلت أكثر من 200 “إرهابي”، بينهم 25 مسؤولا كبيرا، وأضاف “أولئك الذين لم يموتوا يعرفون اليوم أنه يمكننا الوصول إليهم في أي مكان، فوق الأرض أو تحت الأرض”. وقال نتنياهو إن العملية “غيرت المعادلة” وجعلت حماس أكثر حذرا في المستقبل بشأن مهاجمة إسرائيل.
وفي المقابل أطل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية معلنا الانتصار الذي وصفه بالنصر الإلهي، وقال هنية إن حركته وبقية الفصائل الفلسطينية وجهت “ضربة قاسية ستترك آثارها المؤلمة على إسرائيل ومستقبلها”.
وبدأ بعد منتصف ليلة الخميس وقف لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل بعد تبادل قصف عنيف على مدار 11 يوما، وكانت عدة دول انخرطت في الوساطة بين الطرفين وفي مقدمتها مصر التي أرسلت في وقت سابق الجمعة وفدين أمنيين إلى كل من غزة وتل أبيب لتثبيت نص اتفاق التهدئة.
وشهدت الأراضي الفلسطينية لاسيما في الضفة والقدس، مظاهر احتفالية بانتهاء التصعيد، في وقت خرج سكان قطاع غزة لإحصاء الخسائر التي تكبدوها جراء القصف، ولسان حالهم يردد كيف يمكن إعادة بناء ما تحطم؟
وقالت سميرة عبدالله ناصر وهي أم لأحد عشر طفلا وهي تجلس قرب حطام مبنى على مقربة من بيت حانون في شمال قطاع غزة “مش موافقة عليها، ايش التهدئة، ايش بتعني؟”. وأضافت “رجعنا على بيوتنا كلها دمار لا لقينا مكان نقعد ولا لقينا ميه (مياه) ولا لقينا كهربا ولا لقينا فرش ولا شي”.
القصف الجوي الإسرائيلي للقطاع المكتظ بالسكان تسبب في مقتل 243 فلسطينيا، بينهم 66 طفلا وإصابة أكثر من 1900
وتسبب القصف الجوي الإسرائيلي للقطاع المكتظ بالسكان في مقتل 243 فلسطينيا، بينهم 66 طفلا وإصابة أكثر من 1900 وألحق أضرارا بالغة بالبنية التحتية الحيوية وآلاف المنازل.
وأوضح مسؤولون في غزة أن نحو 16800 منزل تضررت وإن السكان يحصلون على الكهرباء لما بين ثلاث وأربع ساعات مقارنة مع 12 ساعة قبل القتال. وفي إسرائيل، أودت الهجمات الصاروخية بحياة 12 شخصا وأصابت المئات وفجّرت حالة من الذعر ودفعت الناس للفرار إلى الملاجئ.
ويرى محللون أن إعلان وقف إطلاق النار يبقى هشّا، لافتين إلى أن محاولات حماس بدعم من وسائل إعلام إقليمية موالية لها، التسويق لانتصار لا يعدو كونه ذر رماد على العيون، لافتين إلى الضحية الأبرز في هذا الصراع الذي تفجر كان سكان غزة الفقراء.
ويلفت المحللون إلى أن إسرائيل عمليا نجحت في تكبيد الفصائل خسائر قاسية من خلال عدد القتلى في صفوف قادتها العسكريين، فضلا عن إنهاك ترسانة الصواريخ التي تملكها، وهما الهدفان اللذان أعلن الجيش الإسرائيلي عنهما منذ بداية العملية.
وقال المحلل الأميركي فريد زكريا إن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لم يكن ضمن صفقة مع الفلسطينيين، حيث أن إسرائيل لا تخشى على أمنها بفضل القوة الأمنية والعسكرية التي تمتلكها، وأنظمة الدفاع الجوي المتطورة التي بحوزتها، في المقابل فإن الخسائر كانت شديدة للطرف المقابل لاسيما من حيث عدد القتلى.
ويعتقد على نحو واسع أن الدوافع الظاهرية التي أدت إلى تفجر الصراع لن تنتهي بمجرد إيقافه، فإسرائيل مصرة على المضي قدما في سياساتها في القدس الشرقية والضفة الغربية، وليس أدل على ذلك مما حصل الجمعة حينما اقتحمت القوات الإسرائيلية المسجد الأقصى وقامت بطرد المصلين.
وكانت المناوشات في القدس خلال شهر رمضان بين فلسطينيين ومستوطنين يهود ومحاولات طرد سكان من منازلهم في حي الشيخ جراح، الفتيل الذي أشعل جولة القتال الجديدة.
ويقول متابعون إن التغيير الوحيد الذي قد تقدم عليه إسرائيل هو سبل احتواء سكان عرب 48، الذين وعلى خلاف الجولات الماضية خرجوا بالآلاف في اللد وغيرها من البلدات والمدن العربية للتظاهر ضد التصعيد في غزة.
وكانت المظاهرات الحاشدة التي خرجت في مناطق عرب 48 أو عرب إسرائيل كما يحلو للبعض تسميتها، أثارت مخاوف كبيرة من وقوع حرب أهلية داخل إسرائيل، وقد سلّطت تلك المظاهرات الضوء على حجم التمييز والعنصرية بحق هؤلاء.
وستكون الحكومة الإسرائيلية المقبلة مجبرة على مراجعة سياسات الحكومات السابقة، وتحسين وضع السكان العرب، وإلا فإن إسرائيل ستجد نفسها في جولات مستقبلية قد تكون أعنف أمام وضع صعب.
جولة القتال الأخيرة ستكون لها تبعات مستقبلية على شكل العلاقة بين إسرائيل والفلسطينيين ليس فقط في قطاع غزة بل وأيضا في باقي الأنحاء وبينهم عرب 48
وفي المقابل فإن حماس التي تبدو منتشية حاليا بانتصار يراه كثيرون وهميا ستجد نفسها مجبرة إلى إعادة النظر إلى الواقع الذي آل إليه سكان القطاع، بسبب اندفاعتها، لاسيما في ظل شكوك كبيرة من السكان حول الوعود الكثيرة بالمساعدة على إعادة الإعمار.
وقال رجل الأعمال عماد جودت (53 عاما) “راح نرجع تاني للحيرة تبعت إعادة إعمار غزة ومين اللي بده ينفذه حماس أم السلطة الفلسطينية؟ ومين راح يدفع؟”. وأضاف “في بعض ناس ما تعوضت على خسائرهم من 2014” في إشارة إلى مواجهة كانت هي الأخيرة مع إسرائيل واستمرت 50 يوما.