الخرطوم تضبط خطة لمعالجة ارتباك عمليات الاستيراد

النظام الإلكتروني الجديد سيسمح للمتعاملين في السوق السودانية بتداول العملات الأجنبية لتلبية احتياجات التزاماتهم الخارجية من المؤسسات الرسمية.
السبت 2021/05/22
حرية أكبر في استخدام النقد

أعلنت السلطات النقدية السودانية عن ضبط خطة جديدة لمعالجة الارتباك في عمليات الاستيراد تطلق بموجبها نظاما جديدا لعطاءات العملة الصعبة أمام الزبائن بكافة العملات الأجنبية بهدف كبح انحدار الجنيه وتوفير السلع بشكل منتظم وإنعاش الأسواق المحلية التي تشهد حالة لهيب في الأسعار دفعت التضخم إلى الارتفاع لمستويات قياسية.

الخرطوم- يستعد بنك السودان المركزي لإطلاق نظام لعطاءات العملات الأجنبية في إطار تعويم مرن ومحكوم للجنيه، وهو يأتي استكمالا لسلسة إجراءات كانت الحكومة قد شرعت في تنفيذها من أجل تحسين قطاع الأعمال وتحقيق هدف استقرار سعر صرف العملة المحلية المنهارة.

ونقلت وكالة الأنباء السودانية الرسمية عن المركزي قوله في بيان إن “نظاما إلكترونيا يسمح لجميع المتعاملين في السوق بتداول العملات الأجنبية سيطبق قريبا”.

ويأتي النظام الجديد المطبق على المستوردين فحسب، في وقت بدأ فيه السعر الرسمي وسعر السوق السوداء يتفاوتان قليلا على مدار الشهر الأخير بعد أن قارب بينهما خفض قيمة العملة في فبراير الماضي.

وعومت السلطات النقدية العملة المحلية جزئيا، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق الرسمية لحوالي 410 جنيهات، من 55 جنيها السعر الرسمي قبل التعويم، في مسعى لجسر الفجوة بين السعر الرسمي وأسعار السوق الموازية، التي يبلغ فيها سعر صرف الدولار 420 جنيها.

وتبع التعويم قرار الحكومة زيادة سعر الدولار الجمركي (الدولار الذي يبيعه البنك المركزي للتجار بغرض استيراد السلع) في مارس الماضي، من 15 إلى 20 جنيها، الأمر الذي أشعل شرارة موجة جديدة من التضخم.

وتعويم العملة، إضافة إلى رفع الدعم عن السلع، مطلبان أساسيان لصندوق النقد الدولي، لدعم برنامج إصلاح اقتصادي تنفذه الحكومة الانتقالية. ويعاني المستوردون في كافة القطاعات من شح النقد الأجنبي لتلبية احتياجات التزاماتهم الخارجية من المؤسسات الرسمية، مما يجعلهم يلجؤون إلى السوق السوداء.

وحذرت غرفة المستوردين في الغرفة التجارية المنضوية تحت اتحاد أصحاب العمل مرارا من انهيار قطاع الاستيراد خاصة بعد القرارات الارتجالية التي اتخذتها السلطات في السابق وخاصة في ما يتعلق بزيادة الرسوم الضريبية الخاصة بالأعمال.

وأذكى التضخم، الذي تجاوزت نسبته 363 في المئة بعد أن كان في حدود 40 في المئة في 2019 استياء متزايدا لدى المواطنين الذين عجزوا عن توفير مستلزماتهم الغذائية اليومية إلى جانب العديد من الحاجيات الضرورية الأخرى كالدواء وغيرها.

وكانت الحكومة الانتقالية قد أعلنت في أكتوبر الماضي تطبيق رفع الدعم عن الوقود، ضمن موازنة معدلة أجازها المجلس السيادي والحكومة في أغسطس 2020، وهي تستهدف في موازنة 2021 تضخما بحدود 95 في المئة وهو ما يبدو صعبا.

وذكر المركزي في البيان إنه “من السابق لأوانه الحكم على نتائج السياسات الاقتصادية الجديدة مثل توحيد سعر الصرف”. ويقول المحللون إن التوحيد يعني عمليا الاقتراب من سعر السوق السوداء الأضعف كثيرا، نظرا لأن جميع المعاملات تقريبا تُحسب بذلك السعر.

ويؤكد المتعاملون والتجار وشركات الاستيراد أن أحد أسباب فرق السعر الشاسع هو لجوء المستوردين إلى السوق السوداء عندما تعجز البنوك عن تدبير النقد الأجنبي الكافي.

بنك السودان المركزي: استيفاء البنوك لمتطلبات التعامل يستوجب تذليل العقبات

وذكر مصدر كبير بالبنك المركزي لرويترز، لم تكشف عن هويته، أنه من المتوقع طرح العطاء الأول الأسبوع القادم. وأكد أنه من المنتظر أن يزيد الإجراء الجديد حجم المعروض للمستوردين ويعيد الاستقرار إلى سعر الصرف.

وقال تعميم من المركزي إن “العملة الصعبة المشتراة يجب استخدامها في الغرض المعلن أثناء العطاء، وإن الحد الأدنى للمشاركة 20 ألف دولار لكل عميل مصرفي”. وكان المسؤولون الحكوميون قالوا في فبراير الماضي إن قيودا ستفرض على واردات السلع غير الضرورية في مسعى لتقليص العجز التجاري، لكن قيودا محددة لم تعلن حتى الآن.

وتشير بيانات المركزي إلى أن البنوك السودانية ومكاتب الصرافة اشترت عملات أجنبية بقيمة 1.2 مليار دولار منذ خفض قيمة الجنيه في فبراير الماضي وأن الإجمالي المستخدم لتلبية متطلبات الزبائن بلغ 760 مليون دولار. واعتبر المركزي ذلك مؤشرا أوليا لنجاح هذه السياسة في إعادة تدفق الموارد من خلال القنوات الرسمية للجهاز المصرفي.

ولكنه مع ذلك أقر بأن هنالك “عقبات لا تزال تقف أمام المصارف السودانية لاستعادة علاقاتها المصرفية مع مراسليها بالخارج”. وأكد أنه يعمل حاليا على تذليل تلك العقبات من خلال استيفاء المصارف لمتطلبات التعامل المصرفي العالمي.

ونفذ السودان مطلع 2016 سياسة مرنة لأسعار صرف الجنيه السوداني، إلا أن الإجراءات الحكومية آنذاك لم تنجح في القضاء على السوق الموازية وتعزيز سيولة الدولار في البنوك.

وتعاني البلاد منذ سنوات من مجموعة من المشكلات الاقتصادية، بما في ذلك عجز كبير في الميزانية ونقص واسع النطاق في السلع الأساسية وارتفاع أسعار الخبز والسلع الأساسية الأخرى.

ولا يزال السودانيون يترقبون بفارغ الصبر جني ثمار رفع العقوبات الأميركية للدخول في عهد جديد، رغم تفاؤل الحكومة بأن الإصلاحات ستنعش اقتصاد البلاد المنهك.

تعويم العملة، إضافة إلى رفع الدعم عن السلع، مطلبان أساسيان لصندوق النقد الدولي، لدعم برنامج إصلاح اقتصادي تنفذه الحكومة الانتقالية

واستعاد السودان بشكل تدريجي نسق العمليات المالية الدولية والتحويلات النقدية العابرة للحدود، بعد أن رفعت الولايات المتحدة اسمه من قائمتها لـ”الدول الراعية للإرهاب”، نهاية العام الماضي.

وعقد في باريس الاثنين الماضي مؤتمر دولي لدعم السودان، تمخض عن التزامات من دول ومؤسسات مانحة بالمليارات من الدولارات على شكل إعفاءات من الديون ومنح، وقروض جديدة لمساعدة البلد الأفريقي على سداد متأخراته لصندوق النقد.

وتقدر الديون الخارجية للسودان بنحو 58 مليار دولار. ورجح رئيس الحكومة عبدالله حمدوك شطب ما يصل إلى 45 مليار دولار من تلك الديون نهاية يونيو المقبل في إطار مبادرات تخفيف أعباء الديون عن الدول الفقيرة في العالم.

10