السودان ماض في التخلص من إرث البشير بتطهير القضاء

مجلس السيادة لم يوضح أسباب الاستقالة في هذا الوقت، غير أنها لا تنفصل عن جملة قرارات اتخذتها السلطة الانتقالية هدفت إلى تهدئة الأجواء في الشارع.
الخميس 2021/05/20
العدالة الانتقالية في السودان محل تساؤل

الخرطوم - يثبّت السودان بإقالة رئيسة القضاء وقبول استقالة النائب العام مبادئ حُسن النوايا الهادفة للتخلص من إرث الرئيس المعزول عمر البشير، فيما أشاد مراقبون بهذه الخطوة رغم أنها جاءت متأخرة بينما توجس آخرون مما وصفوه بالأهداف غير المعلنة.

ومن المتوقع أن يقدم المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، الظهير السياسي للحكومة، ترشيحاته لمجلس السيادة الخميس لمنصبي النائب العام ورئيس القضاء، في وقت طالب فيه وكلاء نيابة بضرورة تعيين نائب عام من داخل النيابة العامة، مع مراعاة أهمية الخبرة التراكمية المُرتبطة بتفاصيل العمل.

صديق يوسف: التعديلات دون إجراء مشاورات لن تحل أزمة التباطؤ في التقاضي
صديق يوسف: التعديلات دون إجراء مشاورات لن تحل أزمة التباطؤ في التقاضي

وقرر مجلس السيادة خلال اجتماعه الدوري الذي ترأسه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) الاثنين قبول استقالة النائب العام تاج السر الحبر، وأعفى نعمات عبدالله محمد خير من منصبها كرئيسة للقضاء، بعد تصاعد الاتهامات الموجهة إليهما بالتقصير في محاكمة عناصر الإخوان المسلمين المتورطين في جرائم عديدة.

وأثارت قرارات النائب العام المستقيل جدلا واسعا في الشارع السوداني عقب إطلاق سراح رجل الأعمال التركي أوكتاي أرجان المتهم بارتكاب جرائم فساد وانتهاكات مالية أضرت بالاقتصاد السوداني، إلى جانب السماح بهروب عدد من قيادات النظام السابق إلى خارج البلاد من دون ملاحقتهم قضائيا.

ولم يوضح مجلس السيادة أسباب الاستقالة في هذا الوقت، غير أنها لا تنفصل عن جملة قرارات اتخذتها السلطة الانتقالية هدفت إلى تهدئة الأجواء في الشارع والدفع نحو تقليص الفجوة التي بدت واضحة بين المكونين المدني والعسكري، بما يضمن تهيئة الأوضاع السياسية في الداخل أمام نتائج مؤتمر باريس.

وقال الخبير القانوني كمال الجزولي إن إقالة رئيسة القضاء جاءت متأخرة للغاية بعد أن مكنت مجموعات الإسلاميين وفلول نظام عمر البشير من إحكام السيطرة على الجهاز القضائي بدلا من تطهيره، وإقالتها كانت واجبة منذ بداية الفترة الانتقالية، غير أن غياب أولوية تطهير القضاء عن السلطة أدى لتكون العدالة الانتقالية هي الحلقة الأضعف منذ الإطاحة بنظام البشير.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن النائب العام تقدم باستقالته أكثر من مرة ولا يمكن اتهامه بالعمل لحساب أي من الأطراف، لكن أداءه اتسم بالبطء الشديد، ودخل في نزاعات عديدة مع هيئات حكومية على رأسها لجنة إزالة التمكين، وكان يمكن حل هذه الخلافات من جانب السلطة الانتقالية قبل أن تتسبب في عرقلة المسارات القضائية.

وأوضح أن تحديد محاكمة البشير ورموزه في قضية الانقلاب على السلطة الديمقراطية في العام 1989، مرة واحدة أسبوعيا، تسبب في تثبيط همم هيئة الاتهام التي شكلها النائب العام وأفسح المجال أمام هيئة الدفاع عنه ورموزه بإضاعة الوقت في طلبات ليست لها فائدة، وكان يمكن التعامل معها بالاستماع أولا لكافة الشهود والبت في المسائل الأساسية.

ومن المقرر أن تبدأ المحاكم المدنية في محاكمة عدد من العسكريين المتهمين في مقتل اثنين من المحتجين في مظاهرات جرت لإحياء الذكرى الثانية لأحداث فض الاعتصام الأسبوع الماضي، ويعد ذلك أول تحقيق من نوعه يجريه مدنيون لعسكريين.

وسلم الجيش السوداني 99 من منسوبيه إلى النيابة العامة السبت، فيما أعلن في وقت سابق عن توقيف عدد من الضباط والجنود والتحفظ عليهم إلى حين اكتمال اللجنة التي شكلت للتحري في القضية.

ويرى مراقبون أن تسليط مؤتمر باريس أخيرا الضوء على دعم الانتقال الديمقراطي في السودان واستعادة وجوه الثورة التي خفتت من الساحة بفعل هيمنة المكون العسكري والحركات المسلحة على مقاليد الأمور، تطلب انحناء السلطة أمام عاصفة دولية مقبلة عبر تأكيد الرغبة في تسريع وتيرة المحاكمات والتملص من أي اتهامات تواجهها السلطة بالتسبب في عدم تهيئة الأجواء لتسريع المحاكمات.

إرجاء استكمال تعيينات المؤسسات القضائية، بالرغم من كونها لا تشكل خلافا سياسيا بين الأطراف المختلفة، يبرهن على أن هناك طرفا لديه رغبة في السيطرة على رأس القضاء

وتلقى السودان حزمة مساعدات بلغت قيمتها ملياري دولار في مؤتمر باريس، بجانب إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شطب ديون السودان البالغة خمسة مليارات دولار وتوفير قرض له من أجل دفع متأخرات ديونه لصندوق النقد الدولي.

وانتقد القيادي بالحزب الشيوعي (معارض للسلطة الانتقالية) صديق يوسف إدخال تعديلات على منصب النائب العام ورئيسة القضاء من دون إجراء مشاورات موسعة حول الأسماء المرشحة لشغل المنصبين بما لا يؤدي لتكرار أزمة التباطؤ في التقاضي.

ويختص مجلس السيادة بتعيين رئيس القضاء والنائب العام إلى حين تشكيل مجلس القضاء الأعلى، وهو ما يثير مخاوف قوى محسوبة على الثورة ومعارضين أيضا من إمكانية تسييس القضاء والتأثير على استقلاليته.

وأضاف يوسف في تصريح خاص لـ”العرب” أن إرجاء استكمال تعيينات المؤسسات القضائية، بالرغم من كونها لا تشكل خلافا سياسيا بين الأطراف المختلفة، يبرهن على أن هناك طرفا لديه رغبة في السيطرة على رأس القضاء من خلال تعيين أشخاص يواصلون عملية عرقلة المحاكمات وإفراغها من مضمونها الثوري الذي يقتضي بسرعة حسم هذه القضايا المؤثرة على تماسك الفترة الانتقالية.

2