صواريخ غزة تضع الجميع في مآزق بلا نهاية

الرئيس محمود عباس سلّم المفاتيح لضابط الأمن الإسرائيلي وبدا معزولا وخارج اللعبة وجنرالا لا يُكاتبه أحد، والمسؤولون من حوله باتوا مغلوبين على أمرهم شعارهم الراهن هو "العين بصيرة واليد قصيرة".
الخميس 2021/05/20
عباس في عزلة

الانفجار الراهن بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وضع الجميع أمام مأزق لا ينتهي.

بنيامين نتنياهو الذي اعتبر أنه حصل على فرصة للنجاة، تساوي عمره كله، يكتشف الآن، أنه وقع في حفرة، لأن وقف النار يتطلب منه تنازلات سوف تقضي عليه، إذا قبل بها، بينما يجبره رفضها على مواصلة حرب تثير المزيد من الانقسامات داخل إسرائيل وتدفع المزيد من دول العالم إلى انتقاد العنجهية العسكرية التي تمارسها حكومته ضد الفلسطينيين.

بعض معارضيه يقول إنه اختار أن يحرق إسرائيل لكي يبقى في منصبه. بينما يقول بعضهم الآخر إنه يقود إسرائيل إلى أتون حرب أهلية يمكنها أن تقضي على إسرائيل التي نعرفها الآن.

الإسرائيليون يرون، بأم العين، ليس أن “القبة الحديدية” لا تنفع فحسب، بل إن معانيها لا تنفع هي الأخرى أيضا.

إسرائيل تكتشف الآن أنها كيان هش عسكريا، برغم كل قوته الطاغية. كما أنها كيان هش اجتماعيا عندما وجد نفسه في نزاع مدني مع مليون و600 ألف فلسطيني يعيشون داخل خطوط العام 1948. وآخر عسكري مع خمسة ملايين آخرين في أراضي 1967.

الكراهية العنصرية ضد الفلسطينيين هي التي توحد الإسرائيليين، وكلما تحولت إلى مواجهات وأعمال قمع، كلما تكشّفت الطبيعة النازية للمجتمع الإسرائيلي. وهذه قد تكون فضيحة لما كان يُزعم أنها “الديمقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط، إلا أنها فضيحة سياسية وأمنية أشدّ عندما يتعلق الأمر بانفجار داخلي لا يعلم أحد كيف يمكن أن ينتهي؟

اليمين الإسرائيلي، إذا كان لا يرغب بالسلام، فلأنه يتطلب وقفا لسياسات الاستيطان وقبولا بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وهذا ما يجعل المشروع الصهيوني جالسا على كرسي برجلين مكسورتين.

لم يعد هناك في إسرائيل تيار آخر. اليسار تم قتله مع قتل إسحاق رابين. وتم دفن الاستعدادات للتسوية معه. ولا توجد قوة في إسرائيل تستطيع أن تُخرج فرص السلام من القبر. ولا أن تحيي عظام التنازلات وهي رميم.

وواضح أن التنافس الراهن بين “اليمين المتطرف” و”اليمين الأكثر تطرفا منه” لا يملك حلولا للدفاع عن مشروعه إلا القصف. هذا هو حله الوحيد، وهذا هو الشيء الذي يوحده، ولو كانوا مختلفين حول كل شيء آخر. وعندما يبلغ القصف أقصى مداه بتخريب كل شيء في غزة، فإن الحل يظل مطلوبا على أي حال، وهو ما لا يريد اليمين أن يذهب إليه.

سوف يرى العالم حجم الدمار، وسوف يتعين أن يأتي لإعادة الإعمار، لتصبح قضية توفير الحماية الدولية أمرا لا مفر منه.

الفصائل الفلسطينية ليست في وضع أفضل. فما لم تكسب من جراء هذه المعركة شيئا، أقلّه منع تهجير الفلسطينيين من “حي الشيخ جراح” ووقف الاعتداءات ضد المسجد الأقصى، فإن الثمن الذي دفعه الفلسطينيون بأعمال القصف الإسرائيلية سوف يبدو بلا مبرر.

قادة هذه الفصائل يقولون إنهم مستعدون للاستمرار بشن الهجمات الصاروخية ضد إسرائيل لمدة ستة أشهر. وحسنا لو كانوا قادرين بالفعل. وحسنا لو أنهم، عندما ينضب ما لديهم من قذائف صاروخية، تمكنوا من مواصلة الحرب بكل الوسائل الأخرى. وإلا فإن العاقبة ستكون وخيمة، أكثر بكثير مما يتصورون. فالمرء لا يدخل مواجهة عسكرية من أجل أن ينهزم ويهزم معه قضيته الوطنية. والناس الذين من حولهم، إذا رضوا بالعيش تحت القصف، فإنهم لن يرضوا بأن يدفعوا الثمن مرتين.

الرئيس محمود عباس يبدو معزولا، وخارج اللعبة، وجنرالا لا يُكاتبه أحد. ولكنه في حال أسوأ من ذلك بكثير. لقد أصبحت رئاسته نفسها، وحكومته كلها، ومؤسسة سلطته برمتها، شيئا من لزوم ما لا يلزم. لا هو قادر على اتخاذ قرار لم يعد له دور فيه، ولا هو قادر على الإمساك بزمام المبادرة، لأنه لا يملك مبادرة، ولا يريدها أصلا.

تصوّر لو أن الزعيم الراحل ياسر عرفات كان هو الذي يقطن في “المقاطعة” في رام الله في هذه الظروف. فماذا كان سيفعل؟ كل من لديهم فكرة عن طبيعته، سوف يقولون إنه كان سيقلب عالي الأرض سافلها لكي يعود فيكون هو المرجع الذي تؤول إليه الأمور. لن يكتفي بقطع كل الروابط الأمنية مع إسرائيل، ولكنه كان سيدفع بكل ما لديه للمشاركة في القتال المباشر، حتى ولو كان يعرف أنه سوف يخسر أرضا وسلطة، طالما ظل يُمسك بالمفاتيح.

عباس، سلّم هذه المفاتيح لضابط الأمن الإسرائيلي الذي يتولى “التنسيق الأمني”. هذه هي حدوده، وهذه هي قدرته. والله لا يكلّف نفسا إلا وسعها.

المسؤولون الذين من حوله باتوا مغلوبين على أمرهم فعلا. شعارهم الراهن هو “العين بصيرة واليد قصيرة”. وأمثلهم طريقة يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. ولا يجرؤ أحدهم حتى على أن يقول شيئا لرئيسه، ليس خوفا من شتيمة، ولكن لأنه استمرأ الخنوع، وانتهى إلى تبريره، ولم يعد قادرا على أن يفعل شيئا آخر يجعله من لزوم ما يلزم من جديد. وهو ما لن يحصل في جميع الأحوال.

الرئيس عباس الذي كان خائفا من أن تؤدي صناديق الاقتراع إلى سقوط سلطته، انتهى بالانقلاب على الانتخابات، إلى أن أسقطه واقع أشد قسوة، فصار معلقا في الفراغ، لا هو رئيس، ولا هو غير رئيس.

أنصار حماس في المنطقة ليسوا في حال أفضل. فهم مسؤولون من ناحية عن تزويد حماس بالصواريخ، مما يضعهم في مواجهة ضمنية مع إسرائيل. ويخافون أن يجدوا أنفسهم تحت طائلة الانتقام. وبينما يتوجب عليهم أن يواصلوا دعم الفصائل المسلحة، فان كلفة العاقبة أكبر اليوم من كل ما كان، بالنظر إلى أن إسرائيل اكتشفت هشاشتها بسبب ذلك الدعم.

إيران وحزب الله والنظام السوري رفعوا وتيرة العنتريات، حتى أن قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني دعا الفلسطينيين إلى أن يستعدوا للسيطرة على بلادهم بعد انهيار إسرائيل. ولكن لا يزال من الضروري أن يزوّد حماس بالسلاح والذخيرة على الأقل. فيفتح على نفسه بابا قد لا يُغلق إلا بانتقام سريع، أو أن يؤدي في الأقل إلى عرقلة المفاوضات حول “العودة إلى الاتفاق النووي”.

أما حزب الله، فقد قال إنه مستعد لدخول المعركة، حالما يتم الطلب منه. فجاء الرد من “حماس” نفسها التي قالت إنها تترك لكل طرف أن يتصرف حسب ظروفه وإمكانياته.

أحد أفضل المفارقات هي أن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، قال خلال لقاء مع مدير عام الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية أنور عبدالهادي “نحن مستعدون لأي شيء تطلبه فلسطين، لأن فلسطين هي قضيتنا الأولى والمركزية”.

الفلسطينيون قالوا: حرر الجولان، لو كنت من الصادقين. الكل يكتشف الآن أنه في مأزق. والمآزق، لو تدري، هي أفضل الحلول.

9