الكويت لا تملك الكثير من الوقت

الكويت لا تملك من مصادر الثروة إلا النفط وهذا مصدر زائل بعاملين على الأقل الأول هو نضوب الحاجة إليه والثاني نضوبه هو بالذات.
الأحد 2023/12/24
البحث عن مسار ينقذ البلاد

يعرف أمير الكويت الجديد الشيخ مشعل الأحمد الصباح مشاكل البلاد جيدا. يعرفها بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة. ويعرف أن البلاد سائرة في طريق توجد كلمات مأساوية كثيرة في القاموس يمكن أن تصف نهاياته. كلمته الأولى أمام مجلس الأمة، كأمير للبلاد، أكدت ذلك. أكدت أيضا أنه عازم على الشروع في البحث عن مسار آخر، ينجي البلاد من تلك النهايات.

الدعوات إلى التغيير والإصلاح ليست جديدة في الكويت. في الواقع، يسمعها الكويتيون منذ عدة عقود، وفي كل يوم. إلا أن هذه الدعوات لم تعثر على محمد من “المحمّدين” (الأمير محمد بن سلمان آل سعود أو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان) لكي يضعها على سكة العمل والتنفيذ.

التغيير والإصلاح في الكويت يبدأ من فوق، لأن أصل العثرة موجود في الطوابق العليا لهرم السلطة. ويمكن للشيخ مشعل أن يضع الأسس لمعالجة هذا الأصل. وبالنظر إلى أنها معركة طويلة، ومتعددة المستويات ومتشابكة الخطوط، فإن الخيار الوحيد المتاح له هو أن يكون، بالنسبة إلى الكويت، سلمان بن عبد العزيز آخر، باختيار ولي عهد يقطع الطريق على مألوف الترهل والاسترخاء.

◙ التغيير والإصلاح في الكويت يبدأ من فوق، لأن أصل العثرة موجود في الطوابق العليا لهرم السلطة. ويمكن للشيخ مشعل أن يضع الأسس لمعالجة هذا الأصل

الكل يعرف، بطبيعة الحال، أن قطع الطريق على العثرة، يصطدم، أول ما يصطدم، بقائمة المنتظرين. إلا أن الشيخ مشعل لا تنقصه بسالة السلمان. كما لا تنقصه الجرأة على قول الحق، ذلك الذي سمعه الكويتيون منه في غير مناسبة، أي من قبل خطابه الأول كأمير. وكائنا مَنْ كان اختياره لولاية العهد، فإن المهمة تظل هي نفسها: أن تكون إعادة البناء لخدمة مصالح البلاد هي الهدف، لا خدمة مصالح الأسر المتنافسة، أو ذوي النفوذ.

إذا وضعت المحاباة وتقاسم المصالح والمنافسة بين الأسر وفروعها على الامتيازات والمنافع في كفة الفساد، فالكويت بلد غارق بالفساد، من أخمص قدميه إلى ما تحت الأنف.

لم تنقص الشيخ مشعل الشجاعة للقول أمام الحكومة والبرلمان إنهما "اجتمعا على الإضرار بمصالح البلاد والعباد”. وقدم دليلا على ذلك بما حصل “من تعيينات ونقل في بعض الوظائف والمناصب التي لا تتفق مع أبسط معايير العدالة والإنصاف". هذا قول خشن. وهو قولُ عارفٍ أن أصل العثرة موجود في طوابق السلطة والنفوذ التي تُصدر التعيينات وتوزع المناصب.

لقد حاولت الكويت أن تبني نظاما سياسيا قائما على الجمع بين الديمقراطية، وبين سلطة أسرة حاكمة، ابتداء من العام 1963، عندما انتخب أول “مجلس أمة”. التجربة تعثرت من جهتين. الأولى عندما انحرفت الديمقراطية لتصبح مسارا مناهضا للديمقراطية لخليط من النزاعات والمنافسات العشائرية والحزبية (المضمرة) عدا عن التيارات السياسية المختلفة. والثانية عندما تفرعت الأسرة، وسعى كل فرع منها أن يحافظ على امتيازاته ومصالحه. وهو ما وفّر الأسس للعديد من مظاهر الفساد والعبث بالمال العام.

الأمير محمد بن سلمان وضع الجميع في فندق! ليقطع دابر الفساد، وليعرف جميع أمراء آل سعود، وكل رجال الأعمال، أنه ما من أمير يمتلك امتيازا للثراء على حساب مصالح الدولة. ثم شرع ببرنامج واسع للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. نهض بكلمة حق، وسار عليها، ولم يلتفت إلى الوراء. صارت “السعودية أولا”. هدف له معنى داخلي واحد، هو أنه ما من أحد يسمو على مصالح الدولة. لا مراكز نفوذ، ولا إقطاعيات.

الشيخ محمد بن زايد، أرسى أسسا للإعمار والتحديث سبقت ما شرعت به السعودية. ولئن جمع من حوله إخوة وخبرات في قيادة المؤسسات الكبرى، فليس على اعتبار أنها مراكز نفوذ، أو إقطاعيات. هناك دولة وهي الأساس. والجميع يخدم مصالحها، ويعمل في سياق رؤية إستراتيجية واحدة، تتكامل بها السياسات الخارجية والتنموية والدفاعية والاجتماعية.

الكبير يقود كبارا. بلادهم تكبر بهم، وهم يكبرون بها. ومصالح الدولة ومستقبلها هما معيار كل شيء. ولهذا السبب، لم تبدُ الإمارات تمشي في طريق التقدم والازدهار، بل تركض. حتى أصبح هذا الطريق يمتلك قوة دافعة من نفسه. الرؤية المستقبلية واضحة. والطريق إليها ممهد ومرسوم، وكل قنوات الموارد والقدرات تؤدي إليه.

◙ يملك الأمير مشعل، أن يأخذ بواحد من المسارين، أو بكليهما معا. يستطيع أن يفعل ذلك من دون أن تتعرض "التجربة الديمقراطية" لأيّ ضرر

يملك الأمير مشعل، أن يأخذ بواحد من المسارين، أو بكليهما معا. يستطيع أن يفعل ذلك من دون أن تتعرض "التجربة الديمقراطية" لأيّ ضرر. وهناك الكثير من البرلمانيين الذين جف ريقهم في الدعوة إلى الإصلاح. وهناك نخبة وطنية، تملك الخبرات والتصورات التي يمكن توظيفها للشروع في مسار تنموي جديد.

الكويت لا تملك من مصادر الثروة إلا النفط. وهذا مصدر زائل، بعاملين على الأقل. الأول هو نضوب الحاجة إليه، والثاني نضوبه هو بالذات. ولكن ما ينضب، على الوجه الأكثر خطورة، هو الوقت. لا تملك الكويت الكثير من الوقت لكي تبقى تتملص من الاستحقاقات المصيرية، أو تبقى تدور في فراغ المساجلات والمساءلات والانتخابات وسقوط الحكومات التي ترث العثرة وتزيد عليها. لقد أصبح الأمر باعثا من بواعث الإحباط الذي يتردد صداه في كل مؤسسة من مؤسسات البلاد، حتى امتدت يد التعثر إلى صندوقها السيادي الذي كانت تضع آمالها عليه.

لم يحقق هذا الصندوق، وهو الأقدم في الخليج، ما حققته صناديق الإمارات والسعودية، التي نشأت من بعده، برساميل أقل أحيانا. وبينما تعثرت العديد من الوزارات في تنفيذ البرامج التي أوكلت لها، وسقط وزراؤها بين استجواب برلماني وآخر، فالحقيقة هي أن البلاد ما تزال تفتقر الى رؤية إستراتيجية واضحة، وإلى منهج تنفيذي، يسمو فوق الجميع، ويُلزم الجميع بخدمته.

الكويت دولة صغيرة، ومحدودة السكان، وتعيش في بيئة ضغوط قاهرة من بعض الجوار. وفي الواقع، فالإمارات والسعودية نفسيهما ليستا أفضل حالا من هذه الناحية، ولكنهما تشقان طريقا للتقدم، انطلاقا من رؤية لا تساوم مع شيء أو أحد على حساب مصالح البلاد. ويمكن للأمير مشعل أن يقود مسارا مماثلا. لا تنقصه شجاعة أيّ من المحمدين، ولا بسالة السلمان.

4