عرض بصري وموسيقي سوري يحرر "فلة والأقزام السبعة" من صورهم النمطية

بسام حميدي: مسرح الطفل ليس عملا تجاريا لإضحاك الصغار.
الاثنين 2021/05/17
جوانب جديدة من شخصيات معروفة

يتابع المسرحي السوري بسام حميدي مشروعه الذي بدأه منذ سنوات في العروض المسرحية البصرية، فيقدم عرضا بصريا غنائيا للأطفال بعنوان "فلة والأقزام السبعة" وهو العرض البصري الثالث له، والذي خصص للأطفال وترافق افتتاحه في قاعة مسرح الحمراء مع أول أيام عيد الفطر، عن هذا العرض وعن آلية العمل فيه كان لـ”العرب” هذا اللقاء مع بسام حميدي مخرج العمل.

بدأ بسام حميدي عمله في مديرية المسارح كفنيّ في مجال الإضاءة منذ العام 1996، الأمر الذي أتاح له مشاهدة معظم العروض المسرحية وخاصة الموجهة إلى الأطفال، ولكن تلك المشاهدة لم تكن اعتيادية أو تقليدية فوجوده خلف الجمهور (مكان عمله)، سمح له بتسجيل ردات فعل الجمهور من الأطفال ومتابعتها، ليتلمس تدريجيا نقاط القوة في العروض المسرحية التي تجذب الطفل وتشد انتباهه.

من خلال تجربته كتقني إضاءة اكتشف حميدي أن النقاط التي تجتذب الأطفال ترتبط في الغالب بالصورة البصرية الموجودة على الخشبة، بالإضافة إلى الموسيقى والغناء، فكان حلمه تقديم هذا النوع من العروض، ولكن بشكل راق من حيث اللغة والمضمون، كما أن سفره المتكرر برفقة العروض المسرحية جعله يلحظ التعطش العربي لمثل تلك العروض البصرية وحدد له خياراته الفنية لاحقا.

بدأ حميدي بتقديم العروض البصرية منذ العام 2017، فقدم عرضا مسرحيا بصريا في دار الأوبرا بدمشق بعنوان “ضوى القمر”، وكان ذلك العرض من إنتاج شركة جولدن لاين وبالتعاون مع مديرية المسارح. ثم في العام 2020 قدم عرضا بصريا موسيقيا لصالح دار الأوبرا بعنوان “المنديل” وكان بالتعاون مع المؤسسة العربية للإعلان بدمشق، الأمر الذي أشعره أن نظرة الخوف من فشل مثل هذه العروض، والتي كانت تنتاب البعض، قد بدأت تتراجع تدريجيا، فرغم الإمكانيات القليلة من حيث المعدات والتجهيزات والظروف العامة في سوريا، فإن تقديم مثل هذه العروض لم يعد أمرا مستحيلا، إلى درجة بات اليوم مطلبا أساسيا.

العرض ومصاعب الإنتاج

بسام حميدي: في كل أعمالي المسرحية البصرية لا أتخلى عن كرسي مدير الإضاءة
بسام حميدي: في كل أعمالي المسرحية البصرية لا أتخلى عن كرسي مدير الإضاءة

قام حميدي بالاتفاق مع المخرج والشاعر هشام كفارنة لتقديم عرض مسرحي بصري موسيقي للأطفال، فقام كفارنة بإعداد نص مسرحي عربي مقتبس عن الفيلم الموسيقي المشهور “الأقزام السبعة وبياض الثلج”، وهو الفيلم الذي تعلق به جيل كامل من الأطفال في فترة السبعينات وما تلاها، و تدور أحداثه كما هو معروف حول الملكة الشريرة التي لطالما سألت مرآتها عن السيدة الأجمل في الكون آملة في أن تحظى بهذا اللقب، ولكنها في كل مرة تسأل المرآة يأتيها الرد مزعجا، ففلة أو بياض الثلج مازالت هي الأكثر جمالا ما يدفعها إلى حياكة المؤامرات الشريرة ضدها.

حاول حميدي تقديم  العرض بطريقة فنية جميلة خالية تماماً من أيّ خطأ حتى وإن كان إملائيا، لأن هدفه الأساسي من العرض تقديم الأفضل للطفل، يقول حميدي “الأهل حين يأتون بأطفالهم إلى المسرح عليهم أن يشعروا أن أبناءهم سيسمعون حوارا أو جملا لغوية صحيحة ولها معنى، وليس مجرد عمل تجاري الهدف منه إضحاك الطفل فقط”.

ولكن عروض الأطفال لم تعد سهلة ومن الصعوبة الاقتراب من عقل الطفل وشد انتباهه وخاصة في عصرنا هذا الذي تسيطر عليه التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، الأمر الذي يستدعي أحيانا الاستعانة بعينة مرجعية من الأطفال لمشاهدة العمل قبل عرضه، للاكتشاف عبر الملاحظة الشخصية نقاط ضعفه وقوته، فعن تلك النقطة يقول حميدي “أثناء البروفات كنت أضع نفسي مكان الطفل لدرجة أن البعض كان يشعر وكأنني طفل، وكان ذلك يسعدني، لأن ما أريد تقديمه يجب أن يكون طبيعيا وموجها إلى روح الطفل، ولكن هذا التوجه بدأ فعليا بالصدفة حين رافق طفل صغير أحد المشاركين في البروفات، وكنت أراقبه من بعيد لأعرف ردة فعله، وحين وجدت أنه مشدود للعرض أراحني ذلك الأمر قليلا”.

ويتابع “أثناء البروفات وخاصة مع الأطفال المشاركين كنت أترك لهم الحرية لتقديم اقتراحاتهم التي كنت من خلالها أعيد بناء المشهد، كما أن تعاملي معهم بتلك الطريقة كسر حاجز المخرج والممثل، فبتنا كأننا في المنزل نلعب ونمثل، الأمر الذي بدوره جعل العرض مقبولا لاحقا من قبل جمهور الأطفال نظرا إلى بساطته وعدم تكلفته”.

لم يكتفِ حميدي بتحويل “الأقزام السبعة وبياض الثلج” إلى “ميوزيكل” غنائي عربي، بل حاول أيضا تطوير الشخصيات وإخراجها من الإطار الذي وضعت فيه لسنوات، فجعل من تلك المرآة الناطقة فراشة، وليفعل ذلك استعان براقصة باليه للقيام بذلك الدور بدل من الاستعانة بممثلة، كما أضاف لها مهمة رواية أحداث العمل من خلال الكتاب الذي ظهر على الشاشة، وكان بدوره يمثل النوتة الموسيقية والنص المسرحي  لكل أحداث العرض.

ومسرحية “فلة والأقزام السبعة” التي كانت بداية جزءا من خطة إنتاجات مديرية المسارح في دمشق استعانت بشركة خاصة نظرا إلى كونها مكلفة على اعتبارها عرضاً بصرياً بالدرجة الأولى، ويحتاج إلى تصميم غرافيك طيلة زمن العرض (50 دقيقة) بالإضافة إلى أن الموسيقى ترافق العرض من بدايته إلى نهايته سواء أثناء الغناء أو حتى ضمن الحوار، فتعاون حميدي مع مؤسسة ميار الدولية للإنتاج والتوزيع الفني وهي بالمناسبة شركة إعلانية تنتج للمرة الأولى عملا مسرحيا بصريا غنائيا، كما أن دخول المؤسسة العربية للإعلان كشريك إعلاني للعرض كان حافزا كبيرا للترويج له.

يقول حميدي “ليست فقط الموسيقى وأعمال الغرافيك هي المكلفة، فالعمل مكلف أيضا وربما بالدرجة الأولى بسبب وجود 14 شخصية على الخشبة بينهم ثلاثة أطفال، كما أن هذا المشروع كان مقررا عرضه على خشبة  دار الأوبرا التي تتميز بارتفاع أكبر يتناسب مع أجهزة الإسقاط المتوافرة في سوريا، لكن وزارة الثقافة حبذت العرض على خشبة مسرح الحمرا بداية، لكونه يعتبر في مركز المدينة، وثانيا لكونه متاحا بشكل مجاني، في حين أن الدخول إلى الأوبرا لا يمكن دون مقابل مادي، وهو أمر قد يمنع الكثير من العائلات من مشاهدة العرض وخاصة ممن لديهم أكثر من طفل واحد، الأمر الذي اضطرني لاحقاً للاستعانة بأربعة أجهزة إسقاط بدل اثنين واللجوء لاستخدام البانويات”.

تكامل العمل

رغم أن حميدي الذي يشغل اليوم منصب رئيس قسم الإضاءة والصوت في مديرية المسارح عليه دوما أن يجد حلولا فنية تتناسب ومكان العرض، إلا أن هذا الحل كان ذا قيمة مالية ومادية مضافة على العرض، الأمر الذي ضاعف من المصاعب الإنتاجية التي لم تمنع العرض من أن يستقطب الأطفال وينال إعجابهم.

وفي كل أعمال حميدي المسرحية البصرية لا يتخلى عن كرسي مدير الإضاءة، لكنه يجلس أيضا على كرسي المخرج، فالدمج بين الفيديو والمكان أمر صعب لدرجة أنه لا يقبل بمساعدة المخرجين المسرحيين على الرغم من عدم تمسكه بصفة المخرج، لكنه يرى أنه من الصعوبة وضع الرؤية البصرية بناء على المشهد بينما يمكن للرؤية  البصرية أن تبني مشهدا إخراجيا، ولكنه رغم ذلك لا يفكر لاحقا في الاستغناء عن العناصر الفنية الأساسية  للعمل المسرحي (المخرج والمؤلف) بل يسعى من منطلق إيمانه بالاختصاص لتقديم رؤية فنية متكاملة تجمع كل العناصر الفنية لإنجاح العمل.

ونشير إلى أن “فلة والأقزام السبعة” عرض مسرحي  بصري موسيقي، سينوغرافيا وإخراج بسام حميدي، قام بالأداء فيه كل من شهد عباس تماضر غانم، خوشناف ظاظا، داود الشامي، ماريا عيد، فيصل سعدون، شادي وربيع  جان، ناصر الشبلي، ماجد الشيخ، جمال تركماني وزهير بقاعي إلى جانب الفنان فادي الحموي والفنانة مي مرهج.

وقام بتأليف موسيقاه غناء وحوارا الفنان إيهاب مرادني وهو موسيقي سوري عمل في هذا المجال كنوع من الهواية، ولديه العديد من المشاركات في أعمال درامية سابقة، بينما قام جوزيف مصلح بالتوزيع الموسيقي، أما عملية تصميم الغرافيك والمؤثرات البصرية فكانت لكل من رضا الراعي وعلي المصطفى، وعملت ريم الماغوط على تصميم الإكسسوارات والأزياء المناسبة للشخصيات لتظهر بتلك الروح الجميلة والفكاهية وربما الكوميدية المضحكة. وأدى الأصوات كل من أميرة وعفاف حديفة وأحلام ديب وداود الشامي وساندي توما إلى جانب إيهاب وهمام مرادني وجوزيف مصلح وزهير البقاعي وفادي الحموي.

15