وجود تركيا في ليبيا أخطر على مصر من احتضان الإخوان

إصرار أنقرة على تثبيت حضورها في ليبيا يعرقل جهود التقارب مع القاهرة.
الخميس 2021/05/06
رسائل أنقرة من ليبيا لا تخدم المحادثات الجارية في القاهرة

إصرار تركيا على الحفاظ على حضور عسكري في ليبيا يشكل أحد معيقات التقارب مع مصر التي تنظر لهذا الحضور على أنه تهديد لأمنها القومي. ومن غير المرجح أن تقبل القاهرة بأي مقايضة بهذا الشأن، مهما كانت المغريات التركية.

القاهرة- أكدت مضامين الزيارة التي قام بها وفد الترويكا التركي وضمت عددا كبيرا من المسؤولين إلى طرابلس أخيرا، أن إرسال أنقرة العديد من القوات والعناصر العسكرية والمرتزقة كان للبقاء في ليبيا وليس للقيام بمهمة محددة.

وتعمدت أنقرة توصيل الرسالة من الأراضي الليبية مباشرة قبيل وقت قصير من زيارة وفدها الأول للقاهرة، لترسم خطا واضحا في المفاوضات مع مصر، والتي يعد ملف الوجود العسكري التركي في ليبيا ضمن أولوياتها، وأن تشدّد القاهرة في ملف الإخوان يقابل بتشدد أكبر في ملف التمركز في ليبيا.

وأكدت مصادر مصرية لـ”العرب” أن الوجود التركي في ليبيا يمثل خطرا على الأمن القومي المصري، وأن تحركات القاهرة ازدادت فعالية مع تدفق المرتزقة السوريين الذين دفعت بهم أنقرة إلى طرابلس وعقب قيامها بعقد اتفاقيات وتفاهمات عسكرية مع حكومة الوفاق الوطني السابقة بقيادة فايز السراج، وهذا الوجود الكثيف “كان الدافع الرئيسي لتحديد مصر خطها الأحمر في سرت والجفرة”.

نصر سالم: مصر لها سقف محدد في ليبيا لن تقبل بأقل منه
نصر سالم: مصر لها سقف محدد في ليبيا لن تقبل بأقل منه

وأضافت المصادر ذاتها أن تأكيد المسؤولين الأتراك على عدم خروج قواتهم من ليبيا بأنواعها وعدادها وعتادها كفيل بنسف المحادثات السياسية والأمنية الجارية بين الجانبين لتذويب الهوة وفتح صفحة عمادها مراعاة المصالح المشتركة.

وأشارت إلى أن “خروج القوات التركية من ليبيا مقدم على خروج قيادات الإخوان المسلمين من تركيا، ووقف نشاطهم السياسي والإعلامي، أو حتى تسليم عدد منهم، فبقاء قوات على مرمى بصر من الحدود المصرية يشكل تهديدا للأمن القومي ويكسر معادلة الجغرافيا السياسية التي تتفوق بها القاهرة على أنقرة في ليبيا”.

وتنظر الحكومة المصرية إلى أن بقاء الإخوان في إسطنبول أو غيرها من المدن التركية جرى تجاوز الكثير من عقباته، حيث تمكنت أجهزة الأمن من استعادة زمام الأمور، ووفرت قدرا كبيرا من الاستقرار في كافة ربوع البلاد، بعد قصف شوكة إرهابيين حظوا برعاية تركيا السنوات الماضية وحصلوا منها على دعم متعدد الأوجه.

كما أن تأثير الإخوان في الساحة المصرية، أمنيا وسياسيا واقتصاديا جرى تجاوزه من خلال تصورات واسعة لتقويضه، ولفظهم المجتمع المصري، وخسروا الحاضنة التي مكنتهم سابقا من التفوق، ولذلك فوجودهم في تركيا من عدمه لن تكون له انعكاسات خطيرة على الأوضاع المصرية بعد أن فقدوا رصيدهم ومصداقيتهم.

وعلمت “العرب” أن المفاوضات المصرية مع الجانب التركي لم تتضمن شرطا أساسيا بشأن خروج كل العناصر الإخوانية من تركيا أو تسليمها إلى القاهرة، لأن خروجهم يعني انتقالهم إلى محطة أخرى، وقد يتمكنون من تشكيل لوبي جديد في الدول التي سيذهبون إليها ربما يمثل عبئا على الدولة المصرية.

كما أن تسليم جميع القيادات يعد عبئا ثانيا، فمن المفترض أن يتم الزج بهم في السجون وإعادة محاكتهم، ما يستنزف جهدا ووقتا كبيرين، وينكأ جراحا اعتقدت دوائر مصرية أنها بدأت تندمل، والإصرار يتعلق فقط بعدد محدود من الأسماء، مثل محمود حسين ويحيى موسى وعلاء السماحي، وهم من القيادات التي صدرت بحقها أحكام قضائية وتورطت في أعمال عنف وإرهاب لا تهاون فيها.

وأشار مساعد وزير الخارجية المصري سابقا، السفير محمد حجازي لـ”العرب” إلى أن “مصر لن تتنازل بأي حال من الأحوال عن شرطها بخروج القوات التركية من ليبيا، وطرد المرتزقة والميليشيات خارج أراضيها، ومهما كانت إغراءات أنقرة لإثناء القاهرة عن هذا الشرط، فلن يتحقق لها مرادها، لأن مصر تتعامل مع الوجود العسكري التركي في ليبيا باعتبارها خطرا يضاهي خطر الإخوان”.

Thumbnail

وأكدت المصادر المصرية لـ”العرب” أن بقاء المرتزقة وتحكم القوات التركية في مفاصل عسكرية بليبيا سوف يتحول إلى حاضنة للعناصر المصرية التي ستقوم أنقرة بترحليها كنوع من إثبات حسن النوايا للقاهرة، أو بمعنى أدق الالتفاف عليها، لأنه في حالة الوجود الكثيف لهذه العناصر وتحول ليبيا إلى ملاذ آمن لها قد يتم تسريبها إلى داخل مصر عبر الحدود الممتدة مع ليبيا لنحو 1200 كيلومتر.

ويقول متابعون إن نقطة البدء في تسوية الخلافات مع تركيا تأتي من خروج جميع قواتها، وعدم تمكينها من تشييد قواعد عسكرية في ليبيا، وما لم يحدث ذلك تستمر الحوارات في القاهرة أو غيرها في الدوران داخل حلقات مفرغة، وتبقى مفاصل السلطة في ليبيا رهينة للإرادة التركية في عهد حكومة الوحدة الوطنية الحالية، أو ما يتلوها من حكومة جديدة بعد إجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري.

وقال الخبير العسكري المصري نصر سالم لـ”العرب” إن مصر لها سقف محدد في ليبيا لن تقبل بأقل منه حتى لو تعقدت العلاقة مع تركيا مرة أخرى، وأول خطوة أن تخرج قواتها العسكرية وعناصرها المسلحة، وإذا عرضت أنقرة بقاء قواتها في ليبيا مقابل التخلي عن الإخوان فلن تقبل مصر، لأنها تضع المطلبين في كفة واحدة لارتباطهما الوثيق.

ولفت سالم إلى أن “الخط الأحمر الذي أعلنه الرئيس عبدالفتاح السيسي العام الماضي (سرت- الجفرة) لن يزول بتقارب القاهرة وأنقرة، بل سيكون تنفيذه منطلقا لعلاقات أفضل، والعكس صحيح”.

وازداد تشدد مصر في مسألة خروج القوات التركية من ليبيا عقب ما سمعته من خطاب في طرابلس لوزيري الخارجية مولود تشاويش أوغلو، والدفاع خلوصي أكار، ويؤكد في محصلته أنّ بلديهما باق ومتمسك بوجوده العسكري لأجل غير مسمى في ليبيا بذريعة أن هناك اتفاقيات رسمية عقدت مع الحكومة السابقة.

يرمي الخطاب التركي المتعنت في مسألة خروج القوات العسكرية والمرتزقة إلى الحصول على مزايا اقتصادية، والمساومة على الخروج بفتح المجال على مصراعيه أمام أنقرة للمساهمة في جزء معتبر من كعكة إعادة الإعمار، ومنح شركاتها أولوية على غيرها، وضمان عدم سحب الأموال الليبية من البنك المركزي التركي، والضغط بالتوازي لخروج قوات “فاغنر” الروسية، بالتالي هو موجه إلى القيادة الليبية حاليا ومستقبلا، وليس لمصر.

Thumbnail

يمكن أن تتفهم القاهرة طبيعة المصالح الاقتصادية لتركيا في ليبيا، لكنها لن تقبل بتواجدها عسكريا، أو تقبل بتحويل “الوطية” في غرب ليبيا إلى قاعدة تركية بأي ثمن، لأنها تعني فرض الأمر الواقع على مصر، وإحراجها في ظل انفتاحها على جميع الأطياف وعدم حصر علاقتها بمنطقة شرق ليبيا.

تستمد مصر ثقتها من أن تصورات تركيا بشأن وجودها العسكري مرفوضة من قبل المجتمع الدولي أيضا، وهناك إصرار على خروج جميع القوات الأجنبية، تركية وروسية أو ميليشيات تابعة لجهات غير معلومة، ورفض قوى غربية عدة لحصول تركيا على قاعدة عسكرية في جنوب البحر المتوسط، وما تمثله من تهديدات لدول أوروبية، وما تحمله من مخاطر للتوغل جنوبا في القارة الأفريقية.

تتخوف القاهرة من هذه المعطيات، لأن تحقيقها يجعل لأنقرة يدا طولى في المنطقة، تمكنها من العودة إلى أجندتها الرئيسية المؤدلجة، فمصر تعلم أن تقاربها مع تركيا لدواع وضرورات وتطورات وتحديات إقليمية، وتدرك أن أي استدارة يقوم بها النظام التركي حيال نظيره المصري تكتيكية ولا تحمل مضمونا إستراتيجيا، لذلك فبقاء القوات العسكرية في ليبيا تراه القاهرة أكثر خطورة من بقاء الإخوان في تركيا.

2