تمسك تركيا بدعم الإخوان يحول دون التطبيع الكامل مع مصر

القاهرة – بعثت أنقرة ضمن حزمة رسائلها المتواترة إلى القاهرة بإشارات تؤكد أن ما اتخذته من خطوات باتجاه تحجيم جماعة الإخوان إعلاميا، لا يعني أنها تقف في الصف المقابل لها، أو تضغط عليها في الثوابت الرئيسية للعلاقة التي تربط بينهما.
وتشهد العلاقات المصرية – التركية تحسنا فرضته حسابات إقليمية لدى الطرفين، لكن ليس من المرجح أن تصل العلاقات بين الطرفين إلى تطبيع كامل.
وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب”، أن تعليمات وصلت إلى جميع وسائل الإعلام التابعة للحكومة المصرية والقريبة منها بتحاشي توجيه الانتقادات المعتادة للنظام التركي، بما يوحي أن كل خطوة فعلية تتخذها أنقرة تقابل بخطوة موازية من القاهرة. وتؤكد المصادر أن التوصل إلى تطبيع كامل يتوقف على الأفعال وليس الأقوال.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مجددا الثلاثاء، إن لقاء سوف يعقد بالقاهرة على مستوى نواب وزيري الخارجية في الأسبوع الأول من مايو المقبل.
وذكر جاويش أوغلو في مقابلة تلفزيونية على قناة “خبر تورك”، أن بلاده طلبت ممن ينتهجون خطابات ذات نبرة حادة داخل المعارضة المصرية في تركيا ضبط الخطاب الإعلامي، من دون أن يأتي على ذكر التخلي التام عنهم.
ويشير مراقبون إلى أن العقدة التي تحول دون تطور العلاقة بين الجانبين، هي أن مصر تتعامل مع جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي ينضوي تحت جناحيه أشخاص تورطوا في أعمال عنف ويقيمون في تركيا، ولن تقبل القاهرة ضبط سلوكهم السياسي والإعلامي فقط.

أحمد سلطان: النظام التركي يسعى لإحراز انتصار تكتيكي بالتقارب مع مصر
وفي حين تعتبر أنقرة التنظيم، حسب وصف أوغلو، “حركة سياسية تسعى للوصول إلى السلطة عبر الانتخابات ولا يمكن تصنيفها منظمة إرهابية”، ولا تزال ترى في ما جرى بمصر عند عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي في 3 يوليو 2012 “انقلابا عسكريا”.
ويعزز التباعد في التصنيفات الرأي القائل بصعوبة تطور العلاقات بين البلدين، لأن ورقة الإخوان سوف تمثل عائقا كبيرا، فلا مصر سوف تتعامل معهم كجماعة سياسية، ولا تركيا تفكر في وضعهم على لائحة الإرهاب والتخلي عنهم.
وتحاول تركيا متابعة إشاراتها المعلنة لمصر بالتركيز على الشق الإنساني والبعد الرمزي، كي تنأى عن الاستجابة الفورية لمطالب القاهرة بشأن تسليم العناصر الإخوانية المتورطة في أعمال عنف وارتكبت جرائم إرهاب.
واقترح حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا على البرلمان الثلاثاء تشكيل لجنة صداقة مع مصر. وقد يقوم بالتصويت على المقترح قريبا ليتحول إلى قانون تتشكل بموجبه مجموعة للصداقة المشتركة، في إطار تكثيف التحركات البعيدة عن جوهر الخلاف، وزيادة الالتفافات السياسية التي تشي بأنها راغبة في التطبيع دون دفع الثمن.
وأوضح الباحث في الحركات الإسلامية أحمد سلطان، أن النظام التركي يسعى لإحراز انتصار تكتيكي بالتقارب مع مصر، ليستفيد منه في الصراع الجيوسياسي الحاصل في منطقة شرق المتوسط، ويرغب في أن يكون التقارب مجانيا ولا يضطر إلى إدخال تعديل حقيقي في تصوراته التوسعية.
وأضاف لـ”العرب” أن نظام أردوغان أثبت توظيفه السياسي والأمني للجماعات الإسلامية، مثل الإخوان، في مناكفة خصومه وتقليص مكاسبهم مقابل تعظيم أرباحه، وجسّد نموذجا واضحا للبراغماتية المفرطة في العلاقات الدولية.
ويعتقد متابعون أن أردوغان لجأ إلى ما يمكن تسميته بـ”تتريك الجماعة” كميكانيزم دفاعي يهدف إلى إضفاء صبغة قانونية على وجودها. وجرى منح قيادات الصف الأول، عدا استثناءات محدودة، الجنسية التركية، ومنح عددا كبيرا من التنظيميين والقيادات الوسطى إقامات إنسانية تتيح لهم حرية التنقل والتمتع ببعض المزايا المادية.
وحصل المئات من المنتمين للإخوان على اللجوء من مفوضية الأمم المتحدة في أنقرة مؤخرا، بما يعطي لمحة عن حقيقة نوايا أردوغان للتعامل مع ملف الإخوان، بعد أن طالبت مصر بتسليم قيادات تورطت في أعمال عنف لها.
ومن المتوقع أن يواصل النظام التركي العزف بشكل غير مباشر على وتر “أنسنة” ملف الإخوان بعد تقويض هامش الحركة على المستويين السياسي والإعلامي، وتأكيد أن المتواجدين هم معارضون يحظون بإقامات إنسانية ولا يمارسون نشاطا ضد مصر.
وقال أحمد سلطان في تصريح لـ”العرب”، إن أنقرة ستواصل الضغط على جماعة الإخوان للالتزام بخط تحريري معتدل للقنوات الفضائية لإقناع القاهرة بأنها جادة في مسألة التقارب، مع عدم إغلاق القنوات بشكل كامل، على الأقل في المدى القريب.
وعملت أنقرة على تسهيل انتقال بعض الإعلاميين المحسوبين على الإخوان إلى دول أخرى ليمارسوا منها نشاطهم، وقد استأجر الإعلاميان محمد ناصر ومعتز مطر أستوديوهات في بلجيكا، ينتظر أن تستخدم في أعمال الدعاية لجماعة الإخوان.
ويقول مراقبون إن أردوغان لن يتخلى عن الإخوان بشكل كامل، لأنه سوف يحتاج إلى توظيفهم كأداة في الصراع مع خصومه المفترضين والمتخيلين، ولهذا سوف يستمر في المناورة كلما طُلب منه الكف عن دعم جماعة الإخوان، بتوفير ملاذات آمنة للأعضاء المنخرطين في أعمال عنف، مثل المطلوبيّن الخطرين يحيى موسى وعلاء السماحي، وهو ما دفع مصر أكثر من مرة للتأكيد على أنها “تصدق الأفعال فقط”.