قوى انتفاضة أكتوبر العراقية تجمع شتاتها استعدادا للانتخابات

بابل (العراق) - تأمل قوى سياسية حديثة النشأة في العراق وتشكّلت على هامش الحراك الاحتجاجي غير المسبوق الذي شهدته البلاد انطلاقا من خريف سنة 2019، في المشاركة بفعالية في الانتخابات البرلمانية المقرّرة لشهر أكتوبر القادم بهدف إحداث النقلة النوعية التي نادى بها المحتجّون وقتل كثيرون لأجلها.
لكنّ تلك القوى التي تتمتّع بقدر من الجماهيرية وخصوصا في أوساط الشباب الذين عبّروا عن نقمة واضحة على القوى التي حكمت العراق منذ سنة 2003 وتسبّبت في ما هو عليه اليوم من أوضاع بالغة السوء في مختلف المجالات، تصطدم بقوّة الأحزاب القائدة للعملية السياسية وامتلاكها لمختلف الوسائل المادية من مال وسلاح وإعلام، والتي ستسعى بكل ما أوتيت من جهد للحفاظ على مقاليد السلطة وامتيازاتها الكثيرة، ولن تتوانى في استخدام كل الوسائل لتحقيق هدفها بما في ذلك تزوير الاقتراع الذي تمتلك فيه تجربة عملية مكتسبة من دورات انتخابية سابقة.
واستعدادا لمواجهة تلك الاحتمالات شرعت القوى الجديدة في جمع شتاتها للتنسيق، وربّما التحالف، في أفق تحضيراتها المبكّرة للموعد الانتخابي الهامّ.
واحتضنت محافظة بابل جنوبي العاصمة بغداد اجتماعا للقوى المنبثقة عن انتفاضة أكتوبر أبرمت خلاله اتفاقا أوليا بشأن المشاركة في الانتخابات المبكرة.
وصدر عن الاجتماع الذي شارك فيه كلّ من تجمع الفاو زاخو، والبيت الوطني، وحركة نازل آخذ حقي الديمقراطية، والاتحاد العراقي للعمل والحقوق، وجبهة تشرين، والتيار الاجتماعي الديمقراطي، وتيار المد العراقي، وحركة امتداد، بيانا دعا الشعب العراقي إلى المشاركة الواسعة في الانتخابات، وتوفير بيئة سليمة لإجرائها. كما ناشد الأمم المتّحدة الإشراف بفعالية على العملية الانتخابية لحمايتها من التزوير.
قرار المشاركة في الانتخابات المقبلة من عدمه سيحسم قبل شهر فقط من موعد الاقتراع
وقال البيان الذي صدر فجر الأربعاء، إنّ “العملية الانتخابية القادمة لن تكون ديمقراطية ونزيهة ما لم يتم توفير العدالة بين جميع القوى السياسية المتنافسة في الانتخابات”، مضيفا “على الحكومة أن تكون جادة في تهيئة بيئة انتخابية عادلة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة، وأن تفي بتعهداتها المضمَّنة في برنامجها الحكومي، ومنها محاسبة قتلة المتظاهرين والكشف عن مصير المغيّبين والمعتقلين ظلما، وكذلك حصر السلاح بيد الدولة”.
كما ورد في البيان “تناشد هذه القوى الوطنية الأمم المتحدة بأخذ دورها الحقيقي والفعال لمتابعة ملف عدالة ونزاهة الانتخابات”. وتضمن البيان أيضا ثلاث توصيات صدرت عن المجتمعين وهي “العمل على تعديل الدستور وفقا للمادة 126 منه وأن يكون ضمن برامج القوى السياسية لمستقبل العراق”، و”الاتفاق على التفاهمات الانتخابية”، ودعوة “الشعب العراقي إلى الاستعداد للمشاركة الفاعلة والواسعة في الانتخابات القادمة من أجل دعم القوى الوطنية المخلصة لتحقيق مطالب الشعب العراقي الوطنية والقطاعية والخدمية”.
وقالت مصادر واكبت اجتماع بابل إنّ نقاشات ساخنة دارت حول المشاركة في الانتخابات، في ظل وجود قوى غير مؤمنة بإمكانية التغيير من خلالها نظرا لصعوبة إجرائها بالمواصفات الضامنة لعدم تزوير إدارة الناخبين. وأوضحت المصادر أنّ الرأي لم يستقر بشكل نهائي حول المشاركة، فيما تمّ التوافق على مواصلة النقاش بشكل معمّق وديمقراطي حول هذه المسألة.
ومن جهته كشف حسين الغرابي رئيس حزب البيت الوطني عن اتّفاق القوى المشاركة في اجتماع بابل “على ضرورة تحقق شروط محددة وتوافر بيئة ممكنة للمشاركة” في انتخابات أكتوبر القادم، موضحا أنّ “الشروط تركزت في موضوعي البيئة السليمة والعدالة الانتخابية”.
وشدّد الغرابي على أنّ “العدالة الانتخابية منتفية في ظل استغلال قوى السلطة لأموال الموازنة وللنفوذ الذي تحظى به فضلا عن معضلة السلاح المنفلت”، مشيرا إلى أنّ “المجتمعين وجهوا رسالة إلى الأمم المتحدة لممارسة دورها الحقيقي في التمهيد لانتخابات عادلة”.

ورأى أنّ أهمية اجتماع بابل “تكمن في التوصل إلى اتفاقات أولية بين القوى الناشئة حول نقاط أساسية عبر عنها البيان”، مؤكدا أنّ “الاجتماع لم يضع فيتو على مشاركة أي من القوى الأخرى المنبثقة من الاحتجاجات”. وبيّن أنّ القوى السياسية المنبثقة عن الاحتجاجات ستعقد سلسلة اجتماعات أخرى بدءا من الأسبوع المقبل، وأنّ القرار حول الانتخابات سيحسم قبل شهر فقط من موعد الاقتراع.
وجاء إقرار إجراء انتخابات برلمانية مبكّرة في العراق قبل انتهاء مدّة مجلس النواب الحالي في 2022، كنتيجة مباشرة للاحتجاجات الشعبية والتي تمّ التعبير خلالها عن عدم ثقة المحتجّين في السلطة القائمة بما في ذلك البرلمان المنتخب سنة 2018 في عملية اقتراع شابها تزوير واسع النطاق وموثقّ من قبل حقوقيين وهيئات حكومية وأخرى مستقلّة.
وفي حال أجريت الانتخابات المرتقبة بشكل شفّاف ونزيه، فإنّ حظوظ الأحزاب الكبيرة المشاركة في السلطة في الفوز ستكون أقّل مما كانت عليه من قبل حيث تآكل رصيدها الجماهيري بشدّة جرّاء النتائج السلبية التي تمخّضت عنها تجربتها في الحكم والتي جعلتها موضع نقمة شعبية برزت بوضوح في الاحتجاجات غير المسبوقة التي شهدها العراق وتركّزت بشكل خاص في مناطق وسط وجنوب العراق حيث الخزّان البشري الرئيسي للأحزاب الشيعية الحاكمة.
وعلى هذا الأساس يتوقّع متابعون للشأن العراقي أن تعمد تلك الأحزاب إلى استخدام جميع مقدّراتها في المعركة الانتخابية المصيرية بالنسبة إليها، حيث يعلم كبار قادة الأحزاب أن خسارتهم للسلطة قد تعني أيضا محاسبتهم على مسار طويل من هدر موارد الدولة وسرقة المال العام والتورّط في أنواع شتّى من الجرائم طيلة حوالي ثماني عشرة سنة.