السعودية تعيد نشر كتب الرحالة الفرنسي تيري موجيه المتيم بالصحراء

الرياض- أعادت هيئة الأدب والنشر والترجمة السعودية نشر كتب الرحّالة الفرنسي الراحل تيري موجيه، التي رصد من خلالها مظاهر الثقافة والحياة في جنوب المملكة خلال فترة الثمانينات الميلادية.
وأخيرا دشنت الهيئة الكتب التي أعادت طباعتها وتقديمها للقراء ومحبي الاستكشاف، وذلك في حفل أقيم بحي جاكس في محافظة الدرعية، بحضور نائب وزير الثقافة حامد بن محمد فايز، والرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور محمد حسن علوان، ووفد من السفارة الفرنسية بالمملكة، وعدد من المسؤولين بهيئة تطوير منطقة عسير، وإمارة منطقة جازان، والباحثين والمهتمين.
وبدأ الحفل بكلمة للرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة أوضح فيها أهمية كتب الفرنسي موجيه، بوصفها توثيقا دقيقا لمظاهر الفنون والثقافة في جنوب المملكة العربية السعودية خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي، مؤكدا أن الهيئة تولي اهتماما بالمؤلفات التي وثقت جوانب من ثقافة وتراث الوطن، وتعمل على توفير الدعم اللازم لإعادة طبعها ونشرها وفق معايير محددة، وذلك لإثراء المكتبة العربية بمحتوى ثقافي يُبرز المظاهر الثقافية والتاريخية للمملكة بمختلف مناطقها.
وأقيمت على هامش الحفل جلسة ذكريات عفوية لسعوديين رافقوا أو ظهروا في كتب الباحث الفرنسي موجيه، تحدثوا فيها عن المواقف والأحداث التي مروا بها معه خلال رحلاته وتنقلاته في منطقة عسير.
واستقبلت الهيئة ضيوف الحفل بأكاليل الورد والأزياء الجنوبية وشاشات تفاعلية عرضت مقتطفات من صور وكتب موجيه، إضافة إلى شاشات إلكترونية تصفحوا من خلالها الكتب إلكترونيا، كما وزعت نسخا ورقية للكتب كإهداءات لحضور الحفل.
ويعد البروفيسور موجيه من أبرز الباحثين في علم الشعوب، وله مؤلفات مهمة توثق الحياة السعودية خاصة، جمعها من رحلاته المتعددة بين قرى ومدن جنوب المملكة منذ مطلع عام 1979، حين جاء للعمل في المملكة مهندسا للرادارات.

الرحالة الفرنسي تيري موجيه وثق موروث المملكة التراثي والحضاري فوتوغرافيا بمجموع صور بلغ نحو عشرة آلاف صورة فوتوغرافية
وقد لعبت الصدفة دورا كبيرا في حضور الباحث الفرنسي، صدفة بدأت منذ اللحظة التي شاهد فيها إعلانا يقول «نبحث عن متخصص في الرادار للعمل في الشرق الأوسط» حيث تقدم للعمل ضمن منظومة الدفاع الجوي السعودية المسماة «الشاهين» كمدرب، وانتقل إلى الطائف لممارسة عمله عام 1979، حيث بدأ رفقة زوجته الترحال في الصحاري السعودية مصورا ودارسا لحياة البدو لمدة 10 أعوام، وقد أتاح له القدر زيارة عسير، التي أحبها، وكلفه هذا الحبّ التخلي عن حياته العملية في التكنولوجيا التي يعرفها طوال عمره، وحمله حلمه الجديد على العودة لمقاعد الدراسة، تمهيدا لتحضير الدكتوراه في فن العمارة والنقش في عسير.
أغرم موجيه بالثقافة السعودية وارتبط بها ارتباطا وثيقا دفعه للتخلي عن عمله الأساسي والانتقال للعيش فيها، وتفرغ لدراسة فن العمارة والنقش فيها، وبعد مغادرتها عام 1991 عاد إليها في ثلاث رحلات خلال الأعوام 1994، 1996 و1998، وذلك لمواصلة دراساته وبحوثه حول المنطقة وإرثها التاريخي وحضارتها.
كثيرة هي الروابط ما بين الباحث الفرنسي موجيه وما بين جزيرة العرب ومنطقة عسير على وجه التحديد، فهناك علاقة وصلة ما، كما يقول الأديب بندر خليل الذي وصف العلاقة بـ«الآسرة» والصلة بالملهمة التي غيرت مجرى حياته، ووثقت مرحلة وجانبا بارزا من التراث العمراني والفني في عسير. فهل كان موجيه متفردا وعسير مجهولة ليجد فيها هذا الباحث الفرنسي ضالته وتجد فيه مكتشفها الجديد؟
ووثق الفرنسي موروث المملكة التراثي والحضاري فوتوغرافيا بمجموع صور بلغ نحو عشرة آلاف صورة فوتوغرافية، جمعها وأصدرها في كتب تبرز الطراز العمراني الذي تميزت به المنطقة حينها، وإرثها التاريخي العريق الممتد للآلاف من الأعوام، والحياة الاجتماعية وأبرز مظاهر العادات والتقاليد التي كانت تميز أهالي المنطقة.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
ورغم أن موجيه الذي رحل عن الحياة في 2017 لم يكن الوحيد الذي وصل إلى هذه المنطقة من الرحالين والمستشرقين، لكنه كان عاشقا مختلفا امتازت تجربته بالثراء وأعماله الكتابيّة بالحسّ المرهف الذي جمع بين براعة الفنان وحصافة الباحث.
ويأتي تدشين كتب البروفيسور والمدون الفوتوغرافي الفرنسي موجيه ضمن توجه هيئة الأدب والنشر والترجمة لإعادة نشر الكتب التاريخية التي وثقت المراحل الزمنية لمختلف مناطق المملكة، وأبرزت الحياة الاجتماعية والتراث والإرث التاريخي لها في حقب زمنية ماضية، بهدف نشر الثقافة السعودية وإيصالها عالميا، وإحياء التراث والإصدارات النادرة، وإبراز أوجه التنوع الثقافي في مناطق المملكة، وكذلك تسليط الضوء على ثقافة وفنون المنطقة الجنوبية.