السينما العربية المغاربية مقابل نظيرتها المشرقية

في التجارب السينمائية المختلفة تبرز المثاقفة واللغة بمثابة عاملين أساسيين في تكوين التجربة السينمائية، وهو ما نلحظه بشكل مباشر في التجربة السينمائية المغاربية بصفة عامة، وخاصة في تونس والمغرب والجزائر.
هنا كانت المثاقفة والمرجعيات الفرنكوفونية قد لعبت دورا مهما ومؤثرا لاسيما مع تداخلات الإنتاج واهتمام فرنسا بقطاع الثقافة بشكل ملفت للنظر وعلى مدى عقود في دعم سينما البلدان الناطقة بالفرنسية، ولا تزال توفر هذا الدعم لتطوير قطاع السينما وخاصة المشاركة في الإنتاج.
هذه الظاهرة لا تشبهها ظاهرة أخرى في أي بلدان عربية أخرى لاسيما تلك التي خضعت للاستعمار البريطاني أو للغزو الأميركي.
حالة العراق على سبيل المثال في قطاع السينما يرثى لها بالكامل، فعلى الرغم من إمكانية توصيف العراق بأنه ينتمي إلى الثقافة الأنجلوسكسونية بحكم الاستعمار والغزو إلا أن لا مؤشر ولو كان ضئيلا يدل على وجود أي صلة بالثقافة الإنجليزية أو الأميركية على خلاف الثقافة الفرنسية والتدريس باللغة الفرنسية ودعم السينما في المستعمرات الفرنسية السابقة.
في العراق لم تدعم لا بريطانيا ولا أميركا أي نهضة ثقافية ولا سينمائية، بعد الغزو الأميركي بشكل خاص استنفدت أميركا ما أرادته من العراق وحركت عجلة الإنتاج الهوليوودية لإنتاج العديد من الأفلام التي أنتجت عن غزو العراق ونذكر منها الأفلام الآتية: خزانة الألم 2008، المنطقة الخضراء 2010، الملوك الثلاثة، معركة حديثة 2007، الموصل 2020، أولاد أبوغريب 2014، القناص الأميركي 2014، منقّح 2007، العودة 2012، الجدار 2017 وغيرها.
أغلب هذه الأفلام إن لم نقل جميعها لم تصوّر في العراق ولا تمت للبيئة العراقية بصلة، بل صوّرت في مناطق أخرى وغالبا في المغرب وأحيانا في مصر.
في المقابل قدمت السينما الفرنكوفونية المنح لغرض إنتاج الأفلام السينمائية سنويا ويمكن إحصاء العشرات من السينمائيين والمهرجانات السينمائية الذين استفادوا من هذا الدعم.
من جهة أخرى رسخت الثقافة الفرنكوفونية قضية التذوق والمشاهدة وإشراك شتى الفئات والشرائح الاجتماعية في الفرجة السينمائية، ولهذا كانت تجربة نوادي السينما علامة فرنكوفونية فارقة إذ تجدها منتشرة إلى مستوى القرى والمناطق النائية، وبذلك ساهمت في ظهور أجيال من السينمائيين أو هواة ومعجبي السيبنما.
هنا لنا أن نتذكر التجارب السينمائية لعدد مهم من المخرجين الفرنكوفونيين العرب منهم يوسف شاهين ونوري بوزيد وفريد بوغدير ونبيل عيوش ومفيدة تلاتلي ومحمد مفتكر ومحمود بن محمود وعلاءالدين سليم وكوثر بن هنية ومهدي البرصاوي وإسماعيل فروخي وفوزي بنسعيد وهشام العسري وإبراهيم باباي ومنصف ذويب والطيب وحيشي وسلمى بكار ومحمد الزرن وهشام بن عمار وحسن بنجلون وداود أولاد سيد ومحمد الركاب ومحمد التازي وسعيد الشرايبي ولطيف لحلو ورشيد بوشارب ومرزاق علواش والأخضر حامينا وغيرهم.
والملاحظ أن هذا العدد الكبير من السينمائيين الذين كانت لهم صلة بشكل ما بالسينما الفرنكوفونية إنما يدل على ذلك التفاعل والتثاقف الذي أفضى إلى غزارة نسبية في الإنتاج السينمائي المغاربي بصفة عامة، في مقابل سبات وهزال سينمائي يكاد يسود المشرق مع وجود الاستثناءات بالطبع.
في بعض الحالات لم تكن التكاليف الإنتاجية ووفرة المال هي العائق بدليل وفرة المال لدى الدول البترولية دون أن يكون ذلك مصحوبا بوفرة سينمائية أو إنتاج سينمائي بارز، بل هناك تلغى مهرجانات السينما وتموت وهناك لا وجود لنوادي السينما على مستوى المدن البعيدة والضواحي النائية.
واقعيا نحن أمام إشكالية مركبة ومعقدة تتعلق في فهم الإنتاج السينمائي بوصفه أداة ثقافية وحضارية بالغة الأهمية ومن الصعب استيعاب أن بلدا يعيش في هذا العصر فيما لا ينتج إلا كما ونوعا متواضعا من الأفلام، وسينمائيوه عاجزون عن إنجاز مشاريعهم بسبب انعدام الدعم وقبل ذلك انعدام الأرضية السينمائية الناضجة المتفاعلة، في مقابل الاجتهادات الشخصية والعمليات المصلحية التي لا يمكن لها أن تساهم في الارتقاء بالتجارب السينمائية.
ربما يظن البعض أن من علامات نجاح التجربة السينمائية هو المشاركة والفوز في المهرجانات السينمائية العالمية، بالتأكيد أن تلك المشاركات والجوائز لها أهميتها، لكنها ليست هي كل شيء ولا يمكن أن تكون بديلا عن زخم الإنتاج السينمائي واستمراريته وتأسيس تقاليد راسخة في هذا المجال.
من جهة أخرى وكما هو ملاحظ في العديد من المهرجانات والملتقيات السينمائية العربية في بلدان ذات مرجعية فرنكوفونية بحكم الاحتلال والاستعمار الفرنسي، وجود إشكالية وجدل يتعلق بالذات والانتماء والمرجعيات، لمن يوجّه الخطاب السينمائي، بالتأكيد لجمهور عربي محلي، لكن في المقابل تجد أحيانا زهدا باللغة العربية وتعاليا عليها في مقابل التعبير بالفرنسية.
في أحد الملتقيات السينمائية في بلد مغاربي ألقى ناقد سينمائي محاضرة لمدة ساعة كاملة بالفرنسية من أجل إرضاء منتج فرنسي واحد وحيد حضر الندوة، في مقابل العديد من الضيوف القادمين من العديد من البلدان العربية من الذين لا يجيدون الفرنسية، وخرج الجمهور وهو لم يفهم إلا القليل بينما انشغل الناقد بالاحتفاء بالضيف الفرنسي الذي لم يكترث كثيرا لذلك.