سجال حقوقي وقانوني حول سجن المدين في الأردن

يشهد الأردن سجالا حقوقيا وقانونيا بشأن قرار رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة تجميد عقوبة السجن بحق المدينين. ولئن أثنى البعض على الأمر معتبرين أنها خطوة ستريح الآلاف من العائلات التي تواجه أوضاعا مالية صعبة، إلا أن قانونيين نددوا بذلك ورأوا في الأمر تعديا وتجاوزا جديدا على السلطة القضائية.
عمان – أثار قرار رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة بإيقاف عقوبة السجن بحق المدينين حتى موفى العام الحالي جدلا واسعا في المملكة، بين مبارك لهذه الخطوة نظرا لوجود الآلاف من الأردنيين المعرضين للسجن جراء عجزهم عن خلاص ديونهم، وبين متحفظ لاسيما من الأوساط القانونية الذين اعتبروا الخطوة تدخلا جديدا في عمل القضاء تحت غطاء قانون الدفاع.
وأعلن وزير الدولة لشؤون الإعلام والناطق باسم الحكومة صخر دودي في وقت سابق أن قرارا أصدره الخصاونة استنادا إلى قانون الدفاع “يتيح استمرار إجراءات التقاضي، وطلب تثبيت الحقوق بين الدائن والمدين، دون تنفيذ إجراءات الحبس بحقّ المدين، حتّى تاريخ 31 ديسمبر 2021، مع تأكيد منع المدين من السفر لحين قضاء الدّين”.
وتأتي خطوة الخصاونة فيما بدا استجابة لضغوط متزايدة من منظمات حقوقية محلية ودولية، وأيضا تلبية لتوصية تقدم بها العام الماضي المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني، وهو مركز سياسات له صلات بالحكومة، وتقضي بإنهاء السجن بسبب الديون تدريجيا.
ويضطر عشرات الآلاف من الأردنيين إلى اللجوء للاقتراض وغالبا ما يكون ذلك من مقرضين غير رسميين، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعانونها، والتي تفاقمت مع أزمة وباء كورونا. وهناك اليوم الآلاف من القضايا المرفوعة لدى القضاء الأردني بحق المدينين بسبب تخلفهم عن سداد الدين.
ووفق القانون الأردني، يعاقب الشخص الذي لم يسدد دينه بالسجن لمدة تصل إلى 3 أشهر، فيما يواجه من يتخلف عن تسديد صك بنكي عقوبة سجنية تصل إلى عام. ووفق المعطيات فإن أكثر من ربع مليون أردني يواجهون حاليا شكاوى لعدم سداد ديونهم.
16 في المئة من السجناء في الأردن مدانون بسبب عجزهم عن خلاص الديون
وتقول إحصاءات حكومية إن عدد المشتكى بهم تزايد خلال الأربع سنوات الأخيرة إلى عشرة أضعاف، وأن نحو 16 في المئة من السجناء مدانون بسبب عجزهم عن خلاص الديون، وهي نسبة مرتفعة دفعت منظمات حقوقية إلى التحرك والضغط باتجاه إلغاء هذه العقوبة واستبدالها بعقوبة أخرى.
وكانت منظمة “هيومن راتس ووتش” سلطت في تقرير الأسبوع الماضي الضوء على هذه الفئة، وقالت إن الآلاف من الأردنيين مجبرون على الاقتراض لتغطية تكاليف الخدمات والبقالة والرسوم المدرسية والفواتير الطبية، مطالبة السلطات الأردنية باستبدال فوري للقوانين التي تسمح بالسجن بسبب الديون بتشريعات فعالة بشأن الإفلاس الشخصي، وسن تدابير حماية في الضمان الاجتماعي لدعم المعوزين.
وقالت سارة الكيالي باحثة الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش” “بموجب القانون الأردني، إذا حصلت على قرض ولم تسدده، ستُسجن. كثيرا ما يقترض الأفراد لدفع الإيجار وثمن البقالة والفواتير الطبية. لكن بدلا من أن تساعد السلطات المحتاجين، تعتقلهم”.
وتتفاقم المشكلة، خاصة بالنسبة إلى النساء، بسبب الفوائد المرتفعة للغاية التي تفرضها بعض مؤسسات التمويل الأصغر. وحتى منتصف 2020، كان لدى قرابة 25 مؤسسة تقريبا للتمويل الأصغر 466.394 مقترض نشط، 68 في المئة منهم من النساء. ورغم أن بعض المؤسسات الأكبر حجما التي تقدم التمويل الأصغر قد تعهدت بحماية المستفيدين، فإن معظمها لا يفعل شيئا يُذكر للتأكد من وضع المقترضين ومشاريعهم قبل منحهم القروض.
وتقول إحدى النساء اللاتي عجزن عن سداد ديونهن “أنا مهندسة، لا أستطيع تخيل نظرة الناس لي في حال تعرضت للسجن.. أنا لم أسرق. لم آكل حقوق الناس. كانت لدي الكثير من الالتزامات المالية والوضع الاقتصادي في البلاد سيء”.
وسبق أن أعلن “المجلس القضائي الأردني” في مارس 2020 تأجيل حبس الأفراد بسبب ديون تقل عن 100 ألف دينار (141 ألف دولار)، وإطلاق سراح المسجونين حتى يتحسن الوضع الصحي، في سياق تخفيف العبء على المواطنين جراء أزمة كورونا.

ويرى نشطاء حقوقيون أن قرار الخصاونة بوقف العقوبة السجنية مؤقتا بحق المدينين خطوة في الاتجاه الصحيح، معربين عن أملهم في وضع نهاية للعقوبة السجنية، وفي المقابل لا يبدو أن هناك من يشاطرهم الرأي لاسيما من رجال القانون الذين اعتبروا الأمر ينطوي على مفاعيل خطيرة تهدد السلم الاجتماعي، منتقدين استخدام السلطة التنفيذية لقانون الدفاع للمزيد من التدخل في شؤون القضاء.
وقال نقيب المحامين الأردنيين مازن ارشيدات إن تدخل رئيس الوزراء في عمل السلطة القضائية بإصداره قرارا يمنع حبس المدين خطير.
وحذر في تصريحات الاثنين من أن ما قام به رئيس الوزراء خطير وسيربك العمل القضائي. وأكد أن قرار الخصاونة بمنع حبس المدين سينعكس سلبا على السلم والأمن المجتمعي، إذ سليجأ المواطنون لأخذ حقوقهم بأيديهم عبر العصابات وفرض الأتاوات.
وأوضح “نحن كحقوقيين معنيون بتفعيل قانون التنفيذ، والتمييز بين من يثبت تعثره بفعل الجائحة، وإعطائه فرصة لتسديد ديونه دون أن يصدر بحقه أمر بالحبس”.
ونبه ارشيدات إلى وجود تجاوزات في تطبيق بعض أوامر الدفاع، معتبرا أن تطبيقها لم يعد يتعلّق بكورونا، بل تجاوز حدودها لأهداف أخرى مخالفة للدستور. وشدد على أن إصدار أمر بوقف تنفيذ الحبس لمن ديونهم تقل عن 100 ألف دينار سيشجع البعض على إصدار شيكات دون رصيد مستقبلا بقيمة لا تتجاوز هذا المبلغ، لعلمه أن القرار الحكومي الجديد سيحميه من عقوبة الحبس.
ويثير قانون الدفاع الذي جرى تفعيله في مارس من العام الماضي لمواجهة جائحة فايروس كورونا انتقادات واسعة، وسط اتهامات للسلطة التنفيذية باستغلاله لتتغول على باقي السلطات.
وقد شهدت الفترة الأخيرة تصاعد الأصوات المطالبة بضرورة وقف العمل به، بيد أن مراقبين يستبعدون أن تقدم الحكومة على ذلك حيث ترى أن استمرار العمل به ضرورة في ظل الوضعية المأزومة التي تعيش على وقعها المملكة صحيا واقتصاديا.