العناوين الغريبة للكتب: إفلاس فكري أم ذكاء

صار لمواقع التواصل الاجتماعي ولمجموعات القراء على الإنترنت تأثير كبير على عالم الأدب، حيث تُروّج بعض الكتب لا لقيمتها وإنما لمدى الجدل الذي تحدثه. وهذا ما أثر في الكتّاب أنفسهم فباتوا يسعون إلى خلق الجدل ولفت الانتباه من خلال أيّ قضية مفتعلة، بينما تبدو الساحة الثقافية منقسمة بين من يرى ذلك ذكاء ترويجيا ومن يراه إسفافا.
القاهرة - أثار لجوء مؤلفين وكتاب من مختلف الأجيال إلى اختيار عناوين غريبة لافتة ومُثيرة لأحدث إصداراتهم من الكُتب موجة من الجدل في الأوساط الثقافية.
وكان من الغريب أن يصدر الكاتب المصري الساخر أسامة غريب قبل أيام كتابا ينتمي إلى الأدب الساخر عن دار “بوك فاليو” بالقاهرة يحمل عنوانا غير معتاد هو “ما أقدرش أهز جامد من غير ما أقول لحامد”، حيث اعتبر البعض العنوان غير التقليدي محاولة للعودة إلى التأثير في سوق الكتاب بعد غياب طال سنوات، عقب النجاح الكبير الذي حققه كتاب سابق له حمل عنوانا ساخرا، هو”مصر مش أمي دي مرات أبويا”.
انفلات العناوين
يرى البعض أن قيام المؤلف بطرح عنوان غير معتاد للفت الأنظار يؤكد الذكاء في الخروج عن المسارات النمطية للعناوين والنجاح في إحداث ضجة يُمكن أن تدفع القراء إلى الإقبال على العمل في سوق أقل ما يمكن وصفه بأنه بات شديد الازدحام.
على الجانب الآخر هناك مَن يعتبر العناوين اللافتة امتدادا لسمات التفاهة والركاكة والسطحية الحاكمة للوسط الثقافي في مصر بشكل عام، حيث بدت جماعة من الكتاب أكثر حرصا على إحداث الضجة من التأثير الحقيقي في القراء وصناعة المُتعة والمعرفة.
يُمكن القول إن الكتاب الأحدث لغريب يدخل ضمن موجة عناوين مُتعمدة وغرضها إثارة الجدل، وتحمل تلميحات جنسية تظهر بين الحين والآخر في سوق الكتاب.
كانت مصر قد شهدت بداية الانفلات في عناوين الكتب قبل نحو عشر سنوات، مع صعود الاهتمام بما يعرف بالأدب الساخر وسعي بعض الكتاب في ظل اتساع مواقع التواصل الاجتماعي إلى لفت الأنظار بأي وسيلة سواء كانت عبارات أو تركيبات غريبة؛ ومن أبرز أمثلتها كُتب “رئيس جمهورية نفسي”، و“طُز فيكم” للكاتب إيهاب طاهر، و“مزة إنبوكس” للكاتبة جهاد التابعي.
وامتدت العناوين بعد ذلك إلى الكتب العامة فرأينا كتابا بعنوان “ولاد المرة”، وهي لفظة سيئة في العامية المصرية وتحمل إهانة، للكاتبة ياسمين الخطيب، وآخر بعنوان “السلابكس ملهلط” للكاتب الشاب فيليب فكري.

البعض يرى طرح المؤلف لعنوان غير معتاد لفتا ذكيا لأنظار القراء وآخرون يعتبرون ذلك تفاهة وركاكة وسطحية
وتستوحى غالبية هذه النوعية من العناوين من العامية، وهذا لا يعني أنها موجهة للبسطاء من القراء لكنها لجذب الانتباه أولا ومحاولة تسلق “التريند” على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي تحقيق شهرة لصاحبها أو صاحبتها حتى لو كانت زائفة أو مؤثتة.
وتطورت موجة العناوين الغرائبية لتشمل قصصا وروايات بتلميحات شديدة السطحية مثل “تزوجت أخي” للكاتبة فاطمة صالح، و“خطيبتي العذراء حامل” للكاتب سيد المطعني، و“مودموزيل حتى التاسعة مساء” للكاتبة منة فؤاد.
يتصور البعض أن العنوان يمثل جانبا مهما من عملية تسويق الكتاب، وأن هناك كُتبا عديدة جيدة قد لا يلتفت إليها الجمهور بسبب نمطية عناوينها.
ويبدو أن دور النشر معذورة في الاضطرار إلى قبول أعمال تحمل أسماء مثيرة وغريبة عن المعتاد، بل وتضم محتوى ضعيفا وبسيطا بهدف تنشيط المبيعات وتعويض تراجعها. ويضم السوق أنماطا متباينة من القراء، والكثير منهم يقبلون على الأدب الساخر والعناوين المثيرة.
ومثل هذه الأعمال قد تكون مطلوبة إلى جانب الأعمال الجادة الرصينة، لأنها تحقق مبيعات عالية في أوقات قياسية ما يُسهم في توافر سيولة كافية تسمح بطباعة ونشر باقي الكتب واستمرار عملية النشر.
وهناك تصور يعضد ذلك مفاده أن العناوين المثيرة هي الأكثر اتساقا مع ذوق الجمهور العام الذي مل من التكرار والاعتماد على العناوين التقليدية.

ويرى أصحاب هذا الرأي أن الكثير من دول العالم تشهد تجارب غرائبية في الكتابة والعناوين والموضوعات، ولا حرج في استخدام أي عبارة أو مصطلح لُغوي مادام مقبولا ومتداولا.
ويقول الباحث والكاتب عمر فتحي عبدالتواب إنه لا يجد مشكلة في استخدام عناوين مثيرة على الكُتب مادامت تتفق مع القانون ولا تحمل سبابا لأحد بعينه، وهو لا يبرر استخدام ما يعتبر عنوانا مثيرا بدعوى الانسجام مع ذوق الجمهور، لأنه قد يكون أكثر رقيا مما يمس ذوق الجمهور الذي شهد خلال السنوات الأخيرة انحدارا في الذائقة الثقافية.
ويشير عبدالتواب في حديثه لـ“العرب” إلى ضرورة الاعتراف بأن مستوى لغة الحوار في المجتمع بشكل عام تدنت إلى درجة تداول ألفاظ وتوصيفات عديدة تحط من شأن الرجل والمرأة والأسرة. وفي ظنه أن المجتمعات العربية، والمجتمع المصري كنموذج لها، سبق أن شهدت خلال مراحل معينة انحطاطا في الذوق العام وانتشار أغاني ركيكة وتافهة.
ثمة من يرفض التحجج بذوق الجمهور لأنه لا توجد وسيلة للقياس، والتأكد مما إذا كان الجمهور بالفعل يريد ذلك أم لا، فضلا عن التصور القائم بأن مهمة الإبداع الارتقاء بذوق الناس لا الخضوع لتصورات شرائح المجتمع الدنيا.
ويتساءل الكاتب والمترجم أحمد الخميسي إن كانت العناوين “المسفة” المتداولة مؤخرا معبرة عن ذوق الجمهور؟ ثم أجاب بتساؤل آخر: أي جمهور هذا الذي يتحدث باسمه البعض؟ متابعًا “إن الحقيقة هي أن العناوين المثيرة التافهة لبعض الكتب تعبر عن شريحة محددة من الجمهور وليس الجمهور ككل”.
ويضيف لـ”العرب” “بعيدا عن الرقابة الأخلاقية، يعني الاعتماد على العنوان وحده لترويج العمل الأدبي أو الفكري أن هذا العمل في حد ذاته غير قادر على جذب القارئ، فالعنوان جزء لا يتجزأ من بنية العمل الأدبي، وليس مجرد حلية خارجية له، وإذا كان ذلك العنوان مبتذلا فالمضمون لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون جيدا”.
السخرية ليست إسفافا
توجد عناوين كُتب أدبية وفكرية تجاوزت النمطية وقدمت تركيبات غريبة، لكنها تحمل جمالا إبداعيا لافتا مثل عنوان المجموعة القصصية “حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها” للمصري طارق إمام، ورواية “قاف قاتل. سين سعيد” للكويتي عبدالله البصيص، ورواية “حفرة إلى السماء” للسعودي عبدالله آل عياف.
إذا كان البعض يتصور أن العناوين المثيرة تتناسب مع مجال الأدب الساخر فهناك من يرون أن ذلك من التصورات الخاطئة تماما بحكم ما قدمه جيل الرواد الأوائل من إسهامات شديدة التأثير دون الانجرار إلى استخدام ألفاظ نابية أو مثيرة.
ويوضح الكاتب المصري الساخر هشام مبارك أن التلاعب بمشاعر القارئ يعد محاولة رخيصة من جانب متوسطي المواهب، فالكتابة الساخرة من أرقى أنواع الكتابة ولا يليق أبدا أن تنحدر للاستعانة بتركيبات تحمل تلميحا جنسيا أو إشارة إلى لفظ خارج.
ودعا في تصريح لـ“العرب” إلى الاستفادة من إسهامات جيل الرواد من أمثال محمد عفيفي ومحمود السعدني وأحمد رجب، فكل واحد من هؤلاء لم ينحدر بالكلمة لما يُمكن تسميته بـ”لغة الشوارع”.
ويشدد مبارك على أن من يلجأ إلى مثل هذه العناوين لا يمكن اعتباره سوى كاتب “مفلس انفض القرّاء من حوله، فاعتقد أنه قادر على استعادتهم بهذه العناوين الفجة، متذرعا بأن هذا هو ذوق الجمهور”.
ويعتقد أن القارئ يبحث عن الكلمة الساخرة الممتعة بعيدا عن إثارة الغرائز؛ فالموضوعات التي تضعها، ككاتب، بين دفتي كتاب يعيش مع الناس طويلا يجب أن تكون جديرة بالبقاء وصالحة للسخرية من الأوضاع في كل زمان.