كتاب جماعي حول "التبراع" شعر النساء الحسانيات

أكاديمية المملكة المغربية أصدرت كتابا شاملا حول شعر “التبراع” تثمينا لهذا الإرث الثقافي الهام.
السبت 2021/03/27
نساء الصحراء يخلدن ثقافة عريقة

الرباط - تتميز المرأة الصحراوية عن غيرها من النساء بالكثير من الصفات، إذ لديها طقوسها الخاصة في العيش والحياة، هذا إلى جانب طرقها للتعبير عما يعتمل بداخلها والبوح بعواطفها، في تمرد على تقاليد المجتمعات الصحراوية المحافظة التي وإن حظيت فيها المرأة بمكانة خاصة فإنها لا يمكن لها الجهر بحبها والتغزل بمحبوبها، إلا بشكل متنكر وعبر وسيلة أدبية تعرف بـ“التبراع”.

ونظرا إلى أهمية شعر “التبراع” أصدرت أكاديمية المملكة المغربية كتابا شاملا حوله، تثمينا لهذا الإرث الثقافي الهام.

ونظمت الأكاديمية مؤخرا بالرباط يوما دراسيا لتقديم الكتاب الجماعي “التبراع.. الشعر النسائي الحساني” الذي قام بتنسيق مواده الباحث رحال بوبريك، في إطار مساعيها لتوثيق التراث الصحراوي بالأقاليم الجنوبية للمملكة وتعزيز مكون الثقافة الحسانية في الهوية الوطنية.

ويعد هذا الكتاب الذي يوثق الأشعار الصحراوية للنساء في الأقاليم الجنوبية ثمرة مجهود جماعي شارك فيه عدة باحثين، من خلال جمع القصائد أو المقطوعات الشعرية وتصنيفها، ثم ترجمتها وإخراجها في قالب موسيقي.

ويعبر شعر “التبراع” عن مشاعر نسوية معجبة بجمال وشجاعة ووفاء الرجل ومناقبه، مع استعراض معاناة النساء من لوعة المشاعر وما تلقينه من آلام.

الكتاب دراسة أكاديمية حول شعر "التبراع" وخصوصياته ويضم صورا وتسجيلات موسيقية وإلقاء للأبيات الشعرية

وفي كلمة بمناسبة افتتاح هذا اليوم الدراسي قال أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية عبدالجليل لحجمري إن “هذه التظاهرة تأتي في إطار الاحتفاء باليوم العالمي للشعر، وتروم تجسيد وصيانة مختلف تعابير الثقافة الحسانية بالأقاليم الجنوبية، تماشيا مع مقتضيات دستور 2011”.

وأكد على ضرورة المحافظة على هذا الشعر النسائي وتوثيقه ونشره، بالنظر إلى المكانة الاجتماعية المركزية التي يتبوؤها في الثقافة الحسانية، حيث يشكل “ديوان الناطقين بالحسانية الذي حفظ اللغة وأرخ للوقائع ويتوفر على قوة كبيرة في التعبير عن المشاعر والعواطف”.

وأضاف لحجمري أن المصادر القديمة تغاضت عن ذكر أسماء شاعرات “التبراع، ذلك أن الشعر بوح لا تستسيغه الأعراف والتقاليد، غير أن النساء أبدعن هذا النوع من النظم، الذي تميز -في غرضه- عن باقي أنماط الشعر، لأنه غزل موجه للرجل”.

من جهته أبرز منسق مشروع كتاب “التبراع”، الأستاذ الجامعي بمعهد الدراسات الأفريقية التابع لجامعة محمد الخامس – الرباط رحال بوبريك، أن “هذا العمل يدخل ضمن الجهود الرامية إلى تثمين التراث المادي وغير المادي في فضاء المغرب الصحراوي”، مضيفا أن “الكتاب يعد ثمرة مجهود جماعي بدأ بعملية تجميع المتن، التي شملت أكثر من ألف ‘تبريعة’ تم انتقاء 100 تبريعة نموذجية منها، وشرحها على نحو مقتضب باللغة العربية الفصحى، ثم ترجمتها إلى اللغة الفرنسية”.

وأشار بوبريك إلى أن تقديم الأستاذة والباحثة بالمركز الوطني للبحث العلمي في باريس كاثرين تين الشيخ، إحدى أبرز المختصات باللسانيات الحسانية، لهذا المشروع مكن من إعداد دراسة أكاديمية رصينة حول “التبراع” تضع القارئ في سياق هذا النوع الشعري وخصوصياته.

وتابع صاحب الكتاب أن هذا المشروع الذي ساهمت فيه مجموعة عمل متكاملة من المغرب وفرنسا وموريتانيا وأشرفت أكاديمية المملكة على إخراجه ودعمه في مرحلتي الإعداد والطبع، يشتمل -إلى جانب المتن- على صور وتسجيل موسيقي وإلقاء للأبيات الشعرية.

من جانبها أكدت الأستاذة الجامعية بكلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير عزيزة عكيدة في تصريح لها أن الهدف من هذا العمل الأدبي يتجلى أساسا في توثيق وصيانة موروث الثقافة المغربية في بعدها الصحراوي، لاسيما هذا النمط من الشعر الذي طاله النسيان لأنه مرتبط بفئة النساء، بالنظر إلى إكراهات المجتمع التقليدي المتصلة بمفهوم الحياء.

منسق مشروع كتاب “التبراع” ذكر أن هذا العمل يدخل ضمن الجهود الرامية إلى تثمين التراث المادي وغير المادي في فضاء المغرب الصحراوي

ولفتت عكيدة إلى أن المرأة الصحراوية تتبوأ مكانة متميزة جعلتها شريكة ومساهمة في الثقافة الصحراوية، سواء العامية أو العالمة، غير أنها ظلت مغيبة عن التجربة الفصيحة.

وأضافت أن المرأة الصحراوية وجدت في شعر “التبراع” متنفسا تعبر فيه المرأة عن كل ما يؤرقها وعن حالتها النفسية، إضافة إلى القضايا القومية والإنسانية.

كما ركزت الأستاذة الباحثة في كلمتها بمناسبة اليوم الدراسي على تعريف هذا النوع الشعري وتفكيك جوانبه اللغوية والدلالية، مرورا بالبعد الاجتماعي الذي تنطوي عليه أبيات “التبراع” ووصولا إلى المراحل التي مر بها هذا النوع الأدبي.

وعن الجانب الموسيقي للمشروع قال الباحث المتخصص في اقتصاد الثقافة وعلم الموسيقى والمشرف على الإخراج الموسيقي للقصائد المسجلة أحمد عيدون “حاولنا أن نقترب من الصوت الطبيعي للموسيقى دون استعمال المحسنات الصوتية التي يدخلها الموسيقيون عادة”.

وأضاف عيدون “عملنا على الربط بين المقامات الموسيقية التي تعرف بـ’أزوان’ وبين المنظومات الشعرية”، منوها إلى أن معجمية شعر “التبراع” تنهل من اللغة الفصيحة مقرونة بمصطلحات أمازيغية وزنجية.

وتخللت هذا اليوم الدراسي، الذي حضرته ثلة من المتخصصين في الأدب الحساني والمهتمين بالثقافة المغربية عموما، قراءات شعرية لأبيات من شعر “التبراع” مرفقة بوصلة موسيقية.

 
13