الدعوات لفرض عقوبات جديدة على تركيا بسبب قبرص تتصاعد

تزايد الدعوات لتسليط جملة من الإجراءات ضد تركيا لإرغامها على التراجع والانسحاب من قبرص.
الأحد 2021/03/14
هل يتم ردع أردوغان في قبرص؟

واشنطن - يقترب تقسيم قبرص بسرعة من إكمال نصف قرن، وسط تزايد الدعوات إلى فرض عقوبات جديدة على تركيا لإرغامها على التراجع والانسحاب منها.

وفي الواقع استمر الانقسام في قبرص لفترة أطول من انقسام ألمانيا. ولم يكن ما يقرب من ثلثي القبارصة قد ولدوا بعد، عندما غزت القوات التركية قبرص لأول مرة.

وبالرغم من أن أسباب بقاء القوات التركية قد انتفت، إلا أن ذلك لم ينه وجودها في قبرص ليستمر بذلك التطهير العرقي التركي للثلث الشمالي من الجزيرة، رغم نجاح قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في الفصل بين القبارصة اليونانيين والأتراك.

وبينما قامت الأمم المتحدة بشكل متقطع برعاية مبادرات لإنهاء الاحتلال، إلا أن هذه المبادرات لم تسفر عن أي نتيجة. ولم تكن هناك أي محادثات جادة خلال السنوات الثلاث الماضية، ولن تكون، نظرا لأن اكتشاف مخزونات ضخمة من الغاز في المياه القبرصية سيقلل من احتمالات انسحاب القوات التركية. وعندما تنخرط تركيا والقبارصة الأتراك في المحادثات فإنهم يفعلون ذلك بسوء نية للإبقاء على العملية حية، بينما يعملون في الوقت نفسه على تقويض أي حل دائم.

وقال مايكل روبين الباحث البارز المقيم في معهد "أميركان إنتربرايز" والمحاضر في كلية الدراسات العليا البحرية في تقرير نشرته "مجلة ذا ناشيونال إنترست" إنه "عندما تفشل إستراتيجية دبلوماسية بشكل مستمر، يتعين عندئذ إعادة النظر في منطقها".

مايكل روبين: الهدف يجب أن يكون التغلب على تركيا واقتصادها المتعثر

وقد تراجعت تركيا عن أطر عمل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي القائمة منذ فترة طويلة للتوصل إلى حل لأزمة قبرص، عندما رفض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الأسابيع الأخيرة الفيدرالية وأصر على حل الدولتين، وهو ما يعني تسليم المجتمع الدولي رسميا بالتقسيم الدائم لقبرص.

وبدلا من تمكين أردوغان و"الحكومة الدمية" لتركيا في شمال قبرص من خلال معاملتها على قدم المساواة مع الحكومة القبرصية المعترف بها دوليا، ربما يكون الوقت قد حان لكي يتبنى المجتمع الدولي النموذج العراقي.

ويرى الباحث الأميركي روبين الذي عمل سابقا بوزارة الدفاع وتعامل مع قضايا الشرق الأوسط، أن هناك فرقا بسيطا بين الكويت عام 1990 وقبرص اليوم، قائلا إنه "ربما يكون الرئيس العراقي الراحل صدام حسين قد أعاد إحياء المزاعم الانتقامية ضد جارته الجنوبية الكويت مثلما يفعل أردوغان الآن، لكن العراق غزا الكويت في المقام الأول لنهب مواردها الطبيعية".

وينطبق الشيء نفسه الآن على تركيا في قبرص. فقد اختفى السبب الأصلي للحرب بالنسبة إلى تركيا، وهو حماية المجتمع القبرصي التركي من المجلس العسكري اليوناني، الذي اختفى في غضون أسبوع عندما انهار النظام العسكري اليوناني والتزم اليونانيون بالديمقراطية.

واليوم تصنف منظمة "فريدم هاوس" المعنية بقضايا الحرية والديمقراطية اليونان كدولة ذات نسبة مرتفعة من الحريات، بل إنها تتفوق حتى على تصنيف الولايات المتحدة، بينما تصنف تركيا على أنها دولة تتدنى فيها الحقوق والحريات.

وعندما غزت تركيا قبرص أصدر مجلس الأمن الدولي بالإجماع عددا من القرارات، التي كانت رمزية ولكنها ضعيفة وغير حاسمة.

ودعت تلك القرارات إلى وقف إطلاق النار واستنكرت استمرار القتال وعدم الامتثال لها. ومنذ عام 1975 صدر أكثر من 14 قرارا إضافيا لم يمنع أي منها تركيا من تعزيز سيطرتها على شمال قبرص. وفي الواقع يعكس شمال قبرص أكثر حالات الأمم المتحدة عجزا.

وعلى عكس رد فعل الأمم المتحدة بعد غزو العراق للكويت، فإن قرارات مجلس الأمن الأولية بشأن الغزو التركي لقبرص جاءت باهتة وضعيفة. وفي حالة العراق طالب القرار 660 بانسحاب عراقي فوري وغير مشروط. وبعد أربعة أيام أصدر المجلس القرار 661 الذي فرض عقوبات شاملة على العراق وحظر معظم تجارته الدولية. وبعد ثلاثة أيام أصدر المجلس القرار 662 معلنا بشكل قاطع أن ضم العراق للكويت غير قانوني.

منظمة "فريدم هاوس" تصنف اليونان كدولة ذات نسبة مرتفعة من الحريات، بينما تصنف تركيا على أنها دولة تتدنى فيها الحقوق والحريات

وفي 29 نوفمبر 1990 أصدر مجلس الأمن قراره الثاني عشر رقم 678 بشأن الأزمة، والذي مكّن الدول من استخدام "جميع الوسائل الضرورية" لإجبار العراق على الانسحاب والامتثال لقرارات مجلس الأمن السابقة. وشكل القرار 688 أساسا للتدخل الإنساني المباشر ومكّن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا من إنشاء منطقة حظر طيران وهي سياسة تعاونت معها تركيا.

واعتبر الباحث مايكل روبين أن مهمة الأمم المتحدة في قبرص والتي تكلف أكثر من 50 مليون دولار سنويا، لا تهدف إلى أن تكون برنامجا لتوفير وظائف أو لإدامة الانقسام في قبرص. ولكسر جمود الوضع في قبرص يجب أن يكون هناك نهج مختلف الآن، فقد خففت دول كثيرة العقوبات أو خففت من نهجها إزاء تركيا بسبب حجم الجيش أو الاقتصاد التركيين.

ولا يعد هذا مبررا للسماح لتركيا بتجنب المساءلة عن استعمارها ونهبها.

وقد دفعت فظاعة تصرفات العراق الدول الأوروبية الأكثر اهتماما بالتجارة إلى الالتزام بالعقوبات على الرغم من دور العراق كمصدر رئيسي للنفط. وبينما يقول أردوغان إن تركيا تسعى لأن تصبح واحدة من أكبر عشرة اقتصادات في العالم، فقد مضت 18 عاما على حكمه إلا أن تركيا أصبحت الآن على وشك الخروج من قائمة العشرين الأوائل.

ومثلما سعى صدام ذات مرة لابتزاز العالم بالدروع البشرية، وهدد شعبه وتعهد بالانتقام من الدول المجاورة، فقد هدد أردوغان بتسليح اللاجئين والاستفادة من المهاجرين الأتراك ضد الدول الأوروبية التي احتضنتهم. ويعد التهديدان حقيقيين، لكنهما كانا ولا يزالان سببا لوضع خطة بدلا من الاستسلام.

وأشار روبين إلى أن "الدبلوماسيين يفضلون نهج الانطلاق البطيء، ولكن من الصعب فهم النهج الذي جربوه لمدة سبعة وأربعين عاما وأنه قد يبدأ فجأة في تحقيق نتيجة. لقد حان الوقت لفرض عقوبات جدية على تركيا. وبدلا من تشديد العقوبات ببطء بطريقة تسمح لها بالتكيف معها وتجاوزها، يجب أن يكون هدف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية المعتدلة هو التغلب عليها وعلى اقتصادها المتعثر بالفعل".

6