معركة رباعية لترؤس عرش الاتحاد الأفريقي

أثارت تحركات المرشحين لرئاسة الاتحاد الأفريقي لكرة القدم ومناوراتهم، حماس المسؤولين في اتحادات القارة السمراء، وسيبقى هذا الحماس مستمرا حتى معرفة أحكام صناديق الاقتراع في الـ12 من مارس المقبل في العاصمة المغربية الرباط. ويتنافس على ترؤس عرش الاتحاد القاري مرشحون أربعة مرشحين، أحدهم رجل من قلب المنظمة وآخر رجل أعمال ثري، ورئيسان لاتحادين وطنيين. فهل سيتمكن خليفة الملغاشي أحمد أحمد من تحقيق ما يصبو إليه عشاق الكرة في القارة الأفريقية؟
باريس – صادق الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) على اعتماد أربعة مرشحين لمنصب رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم من بينهم الموريتاني أحمد ولد يحيى، فيما استبعد الرئيس الملغاشي أحمد أحمد الموقوف بتهم فساد. وبعد الخضوع لفحوص إضافية، منحت لجنة المراجعة في الفيفا الضوء الأخضر ليحيى والجنوب أفريقي باتريس موتسيبي لينضما إلى السنغالي أوغوستين سنغور والإيفواري جاك أنوما. ويتنافس المرشحون الأربعة على منصب رئيس الاتحاد القاري في 12 مارس المقبل بالرباط، حيث تبدو الانتخابات حامية الوطيس.
وتبدو حظوظ السنغالي أوغوستين سنغور والموريتاني أحمد ولد يحيى مرتفعة أكثر من الإيفواري جاك أنوما والجنوب أفريقي باتريس موتسيبي. وشهدت الأسابيع الماضية حملة نشيطة للمرشحين الأربعة، للحلول بدلا من الرئيس الموقوف الملغاشي أحمد أحمد. أوقِف أحمد من قبل الاتحاد الدولي (فيفا) لخمس سنوات بتهم فساد، وهو يأمل في نقض القرار عبر بوابة محكمة التحكيم الرياضية في 2 مارس. أوغوستين إيمانويل سنغور (55 عام)، محام، رئيس نادي “أو.أس غوريه”، ورئيس الاتحاد السنغالي لكرة القدم منذ أغسطس 2009. بحسب متابع عارف بشؤون كرة القدم الأفريقية، فإن سنغور هو الوريث غير الرسمي لأحمد “هو الأفضل من بين المرشحين الأربعة”، لأنه يعرف كيف يدير نادياً واتحاداً، وقبل كل شيء ليس لديه ما يخفيه.
يقول سنغور الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة لوكالة فرانس برس إنه يقدم نفسه على أنه “مرشح لعموم أفريقيا (…) لأنني أشعر بأن لدينا اتحادا أفريقيا مقسما، بموجب القوانين، من قبل الاتحادات الإقليمية، ولكن أيضاً من قبل المجموعات اللغوية”. ويؤكد أن هدفه هو “الاتجاه نحو احترافية كرة القدم الأفريقية”، مضيفاً أن الاستمرار في الترويج لكرة قدم الأندية، ولاسيما من خلال دوري أبطال أفريقيا الأكثر جاذبية، “سيمنع الرحيل المبكر للعديد من شبابنا إلى أوروبا”. ويحظى سنغور بتأييد الغابون، غامبيا. ومن إيجابيات هذا الرجل الخبرة (رئاسة ناد واتحاد)، ويتحدث الإنجليزية بطلاقة. لكن أبرز سلبيات تتمثل في أن لديه شبكة علاقات ضيقة.
الذئب الصغير
رجل الأعمال رئيس الاتحاد الموريتاني لكرة القدم أحمد ولد يحيى البالغ من العمر 44 عاما. قد لا يتمتع الأصغر سنا بين المرشحين الأربعة بخبرة الدبلوماسيين القدامى، لكن لديه حجة قوية، وعن ذلك يقول لفرانس برس “لقد أخرجت كرة القدم الموريتانية من الخمول”. ويضيف “عندما وصلت، لم تكن هناك بنية تحتية، كانت موريتانيا في المرتبة 206 من أصل 209 في تصنيفات الفيفا”.
وتابع “لكننا عملنا كفريق مع مكتب تنفيذي، ودعمت الدولة والشركاء الاقتصاديون المشروع، تقدمنا بأكثر من 100 مركز في تصنيفات الفيفا، وشاركنا لأول مرة في بطولة أمم أفريقيا (2019)، ونظمنا أول مسابقة كبيرة على أرضنا لأمم أفريقيا تحت 20 عاما”. واختتم بالقول “أنا شاب، لكنني أيضاً أمتلك خبرة أكثر من 20 عاماً في عالم كرة القدم”. ويحظى بمساندة أوغندا وجيبوتي والمغرب. من الإيجابيات التي يتمتع بها: شاب، أثبت نفسه ببروز كرة القدم في بلاده، أما سلبياته فتبدو في أنه شابأصغر المرشحين سنا، وينتمي إلى اتحاد أقل نفوذا في مجال كرة القدم.
الاتحادات الوطنية الـ54 يحقّ لها التصويت في صراع الانتخابات التي ستجرى بالرباط، وهو ما يؤشر إلى انتخابات تنافسية
من جانبه يبلغ الإيفواري جاك أنوما من العمر 69 عاما، وهو رجل أعمال سبق أن ترأس اتحاد كرة القدم في كوت ديفوار (2002-2011)، كما كان عضوا سابقا في اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). أثبت أنوما نفسه كإداري فعال في سنوات العز لمنتخب بلاده في عهد الهداف ديدييه دروغبا، حينما تأهل “الفيلة” لكأس العالم للمرة الأولى في العام 2010، ثم في 2014. وسبق له أن ترشح لرئاسة الكاف في 2013، لكن تم استبعاده بعد إجراء تعديل “ملائم” في قاعدة الترشيح، لأنه لم يكن عضوا في اللجنة التنفيذية للكاف، بل ممثلا للفيفا.
ويتذكر رئيس تحرير صحيفة “ريكور” السنغالية باكاري سيسيه أن “أنوما يبلغ من العمر 69 عاما، وهو أصغر بعام فقط من الحد الأقصى للسن المسموح بها للترشح، وبالتالي لا يمكنه الترشح إلا لهذه الولاية”. ورغم تأخره في إطلاق حملته جراء إصابته بفايروس كورونا، فإن أنوما يعرف جيدا الدواليب الداخلية للاتحاد الأفريقي. من المؤيدين له: بنين وكينيا. ومن أهم إيجابياته هي خبرته في إدارة كرة القدم، أما سلبياته هي أنه يبدو على أعتاب الحد الأقصى عمريا.
باتريس تلوبان موتسيبي رجل أعمال جنوب أفريقي يبلغ من العمر 58 عاما، ويرأس نادي ماميلودي صنداونز منذ العام 2003. يعتبر قطب صناعة التعدين وصهر رئيس الجمهورية سيريل رامافوزا، وهو الأقل شهرة بين المرشحين الأربعة. يرى العديد من المراقبين أنه مرشح الفيفا المفضل.
أشاد رئيس اتحاد جنوب أفريقيا داني جوردان بـ”براعته في الأعمال، وإلمامه بالحوكمة والأعمال العالمية”. بالنسبة إلى باكاري سيسيه فإن “الفيفا يريد إسقاط موتسيبي بالمظلة في كرة القدم الأفريقية، لكن ملفه الشخصي لا يتلاءم. إنه ليس حتى رئيس اتحاد. ليس لديه حتى الوقت لرعاية ناديه”. من المساندين له: نيجيريا وسيراليون وبوتسوانا، ومن بين إيجابياته هو النجاح كرجل أعمال ورئيس، ناد أما سلبياته فهو رجل أعمال منشغل بشؤونه الخاصة للغاية، وغير متاح كثيرا وصاحب خبرة قليلة.
دور دولي

تلعب الدول دورا كبيرا في الانتخابات. ناقش وزير الرياضة السنغالي ماتار با مثلا فكرة اتحاد القوى بين دول غرب أفريقيا. وارتفع التوتر بين الحملات خلال كأس أمم أفريقيا الأخيرة للاعبين المحليين في الكاميرون والتي أحرزها المنتخب المغربي. من النقاط الجدلية، المصادقة على أهلية ترشيحي ولد يحي وموتسيبي وتحديد مصير الرئيس أحمد أحمد. لكن موضوع الاستياء الأكبر يبقى اليد الخفية للفيفا. كل من المرشحين الأربعة يتعرّض للانتقاد بدوره لأنه “مرشّح الفيفا”.
ويبدو ذلك بمثابة اتهام لكل من يقف تحت عباءة الرئيس الحالي جاني إنفانتينو الذي قام بجولات مكوكية في الأيام الماضية في مختلف أنحاء القارة، آخرها الخميس في المغرب. هل يعوّل الفيفا على موتسيبي وولد يحيى، كما يتردّد لدى البعض؟ يحتجّ بعض المعنيين على هذا التوصيف.
يؤكّد باكاري سيسيه مسؤول أسبوعية “ريكور” السنغالية في حديث صحافي “لا يبحث الفيفا عن المرشح المثالي للكرة الأفريقية لكن فقط عن دمية”. وأضاف أنه في العام 2017 جاء الفيفا بأحمد أحمد “لإبعاد (الكاميروني) عيسى حياتو” بعد رئاسة دامت 29 عاما ولاحقته مزاعم فساد كثيرة.
بالنسبة إلى تييري إينوم من اللجنة المنظمة لكأس أمم أفريقيا للاعبين المحليين في الكاميرون وكأس أمم أفريقيا المقبلة في 2022 “لقد دقت ساعة إنهاء استعمار كرة القدم الأفريقية”. وتابع “خاض أحمد أحمد بداية لعبة الفيفا، وعندما أراد تحرير نفسه تمّ صفعه”.
لكن حسب مراقبين آخرين، لا تنبغي المبالغة كثيرا في تدخل الفيفا بالشؤون الأفريقية، خصوصا في ظل متاعب إنفانتينو القضائية في سويسرا ونزاعاته مع الاتحاد الأوروبي للعبة. ويؤكّد ولد يحيى “فلنوقف هذه الحساسيات، نحن مستقلون.. لا مشكلة لدي أو عقدة من العمل مع الفيفا الذي ينتمي للجميع”. وتابع رئيس الاتحاد الموريتاني “الفيفا ليس بحاجة إلى التواجد في إدارة الاتحاد الأفريقي كي يذهب لجمع الأصوات في أفريقيا، الاتحادات هي التي تصوّت”. لكن بعد تفويض الأمين العام للسنغالية فاطمة سامورا في 2019 إعادة الأمور إلى نصابها في الاتحاد الأفريقي، سيبقي الفيفا عينه على الانتخابات النارية للاتحاد الأفريقي.
تسلسل زمني
في الانتخابات السابقة، التي درات في 16 مارس 2017، أطاح أحمد أحمد بـ”الزعيم القديم” الكاميروني عيسى حياتو (70 عاما وقتها) والذي كان يترشح لولاية ثامنة بعد 29 عاما على رأس الهيئة القارية. وحصل الملغاشي على 34 صوتا مقابل 20. وأوقف أحمد أحمد يوم 7 يونيو 2019 في باريس خلال المؤتمر الـ69 للاتحاد الدولي للعبة (فيفا) للاشتباه بتورطه في قضية فساد بعقد مع شركة تصنيع المستلزمات الرياضية. وخضع للتحقيق قبل إخلاء سبيله.
كذلك تم تعيين الأمينة العامة للاتحاد الدولي السنغالية فاطمة سامورا يوم 20 يونيو 2019 مندوبة عامة للفيفا في أفريقيا مكلفة لمدة ستة أشهر بإعادة النظام إلى الاتحاد الأفريقي للعبة. خطوة لاقت انتقادات كثيرة حيث نددت أصوات كثيرة بالتدخل في شؤون الاتحاد القاري والاستعمار الجديد. أحمد أحمد يعلن ترشحه لولاية ثانية يوم 28 أكتوبر 2020 معززا ذلك برسالة موقعة من 46 رئيسا من أصل 54 اتحادا في القارة السمراء يطالبونه فيها بترشيح نفسه.
لا تنبغي المبالغة في تدخل الفيفا في الشؤون الأفريقية، خصوصا في ظل متاعب إنفانتينو القضائية في سويسرا ونزاعاته مع الاتحاد الأوروبي
من 7 إلى 12 نوفمبر 2020 تم إعلان ترشيح كل من الإيفواري جاك أنوما والجنوب أفريقي باتريس موتسيبي والموريتاني أحمد ولد يحيى والسنغالي أوغوستين سنغور. كذلك أعلنت لجنة أخلاقيات الفيفا يوم 23 نوفمبر 2020 إيقاف أحمد أحمد لمدة خمس سنوات عن ممارسة جميع الأنشطة الكروية للاشتباه بتورطه في قضايا فساد. من جانب آخر صادقت لجنة الحوكمة في الاتحاد الأفريقي لكرة القدم يوم 6 يناير 2021 على ترشيحات سنغور وأنوما، لكنها طلبت المزيد من التحقق من ترشيحات موتسيبي وولد يحيى اللذين غالبا ما يتم تقديمها على أنهما “مرشحان للفيفا”، وهو ما ينفيانه.
خلال اجتماعها في ياوندي، يوم 16 يناير 2021 قررت اللجنة التنفيذية للكاف تقديم الترشيحات إلى لجنة مراقبة تابعة للفيفا. بعد عشرة أيام، صادق الفيفا على ترشيحي يحيى وموتسيبي. ويم 5 فبراير 2021 تسمح لجنة الحوكمة التابعة للاتحاد الأفريقي لأحمد أحمد بتقديم ترشيحه للانتخابات الرئاسية. كذلك وجدت اللجنة التنفيذية للاتحاد الأفريقي على هامش المباراة النهائية لبطولة أمم أفريقيا للاعبين المحليين في ياوندي، أن قرار لجنة الحوكمة بالسماح لأحمد أحمد بترشيح نفسه “غير مناسب”. وفي 2 مارس 2021 من المقرر أن تنظر محكمة التحكيم الرياضية (كاس) في استئناف أحمد أحمد ضد قرار الفيفا بإيقافه لمدة 5 أعوام. في حين أنه يوم 12 مارس 2021 ستكون الانتخابات الرئاسية للاتحاد الأفريقي في العاصمة المغربية الرباط.
ويحقّ لكل من الاتحادات الوطنية الـ54 التصويت في الانتخابات، ما يؤشر إلى “انتخابات تنافسية” حسبما قال غايل ماهيه من وكالة سبورتس غلوبال للأعمال، المنظمة لمباريات المنتخبات في أفريقيا. وحسب ماهيه “ستكون لعبة التحالفات حاسمة، لأنه من الصعب الحصول على الأكثرية المطلقة من الدور الأول، ما لم يتمّ التفاوض على انسحابات. كل شيء سيحسم في الليلة الأخيرة بالرباط”. بالنسبة إلى ماهيه الذي يعرف غالبية رؤساء الاتحادات الوطنية في القارة “الحدث هام لأن اقتصاد كرة القدم في أفريقيا في طور التحوّل”.
يتفق المرشّحون الأربعة على هذا الأمر. وتتحدّث برامجهم عن التنمية الاقتصادية للكرة الأفريقية، خصوصا وقف نزيف اللاعبين الشبان إلى الأندية الأوروبية. ويشعر الاتحاد الأفريقي (كاف) بالإحراج من نزاعه مع وكيله التسويقي السابق لاغاردير سبورتس، مذ أنهى من جانب واحد في ديسمبر 2019 عقده الذي يربطه مع الاتحاد حتى 2028. يشرح أوغوستين سنغور قائلا “يجب تعزيز الجانب المالي للاتحاد الأفريقي وتسوية مسألة وكيل التسويق”. ويختم، يجد الاتحاد نفسه في “نزاع صعب، كما أن مزاياه من تلك العقود أصبحت معطلة نوعا ما”.