الدبيبة يوازن علاقة ليبيا بمصر وتركيا

استقبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الخميس، رئيس الوزراء الليبي عبدالحميد الدبيبة، في زيارة يحاول من خلالها الدبيبة بعث رسائل طمأنة إلى القاهرة مبددا مخاوفها بشأن انحيازه إلى جانب أنقرة. فيما يؤكد المتابعون أن الدبيبة يميل إلى إيجاد مساحة مشتركة بين جميع الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي، حيث يعي أنه ليس من مصلحته الدخول في صدام مبكر مع القاهرة، وهي التي تملك أوراقا مؤثرة في ليبيا.
القاهرة - قام رئيس الحكومة الليبية الجديد عبدالحميد الدبيبة، بزيارة رمزية إلى القاهرة، الخميس، بهدف طمأنتها بشأن علاقته الوثيقة بأنقرة.
وأجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مباحثات مع الدبيبة في قصر الاتحادية بالقاهرة، الخميس، مؤكدا حرص بلاده على الاستمرار في دعم الشعب الليبي، وتثبيت دعائم السلم والاستقرار.
وعبّر الدبيبة بكلمات دبلوماسية عن تقدير واعتزاز بلاده بجهود مصر لحل الأزمة، ودعمها للمؤسسات الليبية في مكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة، وتطلعه “لإقامة شراكة شاملة مع القاهرة، واستنساخ نماذج ناجحة من تجربتها التنموية”.
ويعمل الدبيبة على توفيق الأوضاع “ضمنيا” بين مصر وتركيا، بحيث يتجنب عملية الاختيار بينهما، فهو لن يستطيع التحلل من ولائه المعروف لأنقرة، والتي أسهمت في صعوده إلى السلطة في جنيف، وليس من مصلحته الدخول في صدام مبكر مع القاهرة، وهي التي تملك أوراقا مؤثرة في ليبيا.
وقال الباحث في المركز المصري للدراسات الاستراتيجية أحمد عليبة بالقاهرة، إن مصر استفادت من تجربة التعامل مع حكومة السراج، حيث اعتقدت أن تشكيلها، بموجب اتفاق الصخيرات، سيؤدي لتوفير الاستقرار، لكن ما حصل أن الأوضاع ذهبت لمنحى خطير، وخضع الرجل لابتزاز الميلشيات واستسلم لضغوط تركيا.
وأضاف لـ”العرب”، أن “القاهرة أظهرت قدرا كبيرا من التعاون مع حكومة الدبيبة، وهو ما عبّر عنه الرئيس السيسي في اتصاله مبكرا به (واتصل أيضا برئيس مجلس الرئاسي محمد المنفي)، ثم استقباله قبيل الإعلان عن تشكيل حكومته.

أحمد عليبة: القاهرة أظهرت قدرا كبيرا من التعاون مع حكومة الدبيبة
ويؤكد ذلك، في نظر عليبة، أن مصر لن تكرر تجربة العزوف السياسي عن غرب ليبيا، ووضع رهانها فقط على معسكر الشرق، وسيكون لها تأثير ملموس كي تصل الحكومة الجديدة إلى استحقاق الانتخابات في موعده، قبل نهاية العام الجاري.
وأظهرت القيادة المصرية دعمها للدبيبة من خلال زيارة وفد دبلوماسي وأمني لطرابلس قبل أيام قليلة، لاتخاذ الترتيبات اللوجستية لإعادة فتح السفارة في العاصمة الليبية، والقنصلية المصرية في بنغازي، لتسهيل حركة المواطنين بين البلدين.
وصدّقت مصرعلى استئناف الرحلات الجوية من ليبيا وإليها، الخميس، انطلاقا من مطار بنينا في بنغازي، إلى مطار برج العرب في الإسكندرية، وتتبعها الأسبوع المقبل رحلات من مطار معيتيقة بطرابلس إلى برج العرب.
ويميل الدبيبة للعمل على إيجاد مساحة مشتركة بين مصر وتركيا من دون وجود تواصل مباشر بين البلدين حتى الآن، عندما يراعي جانبا كبيرا من مصالح كل طرف، ويبدد مخاوف القاهرة من انحيازه القوي إلى جانب أنقرة.
ويقول مراقبون، إن كلا من مصر وتركيا لا ترغب في الصدام المباشر، وهو ما ظهر في عدم خرق القوات التابعة لتركيا للخط الأحمر الذي رسمته مصر في سرت والجفرة منتصف العام الماضي، وأعلنت الأولى تدخلها عسكريا حال اختراقه.
وأوضح عليبة أن “البلدين قادران على هندسة التوافق السياسي، بما لا يمثل مأزقا للحكومة الجديدة، أو يخلق صداما جديدا بينهما، وإذا كانت لدى أنقرة نوايا جادة للتصعيد لن تستطيع القيام بها، فكل من البيئة الداخلية والخارجية غير مستعدة لتقبل ذلك في الوقت الراهن، وسيقابل أي فعل مزعج بإجراءات صارمة”.
عبدالحميد الدبيبة عبّر عن تقدير واعتزاز بلاده بجهود مصر لحل الأزمة، ودعمها للمؤسسات الليبية في مكافحة الإرهاب، وتطلعه “لإقامة شراكة شاملة مع القاهرة”
ويدور الحديث في مصر بشكل واضح حاليا عن خروج جميع القوات الأجنبية، وليس القوات التابعة لتركيا، فحسب تقارير الأمم المتحدة هناك نحو عشر قواعد أجنبية على الأراضي الليبية، ونشاط للآلاف من المرتزقة ممن جلبتهم تركيا وروسيا، أو غيرهما.
وتريد القاهرة استمرار الخروج من المظاهر الخاصة بالتصعيد المسلح إلى مواصلة الانخراط في العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة، بالتوازي مع الاهتمام بالقضايا الحيوية، مثل توحيد المؤسسة العسكرية، وتقوية هياكل الدولة المركزية.
ويسير التحرك المصري حاليا على مسارات متوازية، أهمها حثّ الدبيبة على تعيين وزراء أكفاء غير محسوبين على تركيا، والحفاظ على منجزات اللجنة العسكرية (5+ 5) والبناء على وقف إطلاق النار للتوصل إلى درجة عالية من الأمن والاستقرار، والعمل على اتخاذ الترتيبات اللازمة لإجراء الانتخابات في موعدها.
وعلمت مصادر “العرب”، أن القاهرة تبدي اهتماما كبيرا بمشروعات البنية التحتية في ليبيا، وحققت اللجنة الاقتصادية الليبية برئاسة مصر وأميركا، والمنبثقة عن مسار برلين نجاحا في تهيئة الأجواء لتصحيح الكثير من الأخطاء التي أدت إلى إنفاق مليارات الدولارات ولم تستفد منها الدولة الليبية بالشكل الأمثل.
وتمكن المسار الاقتصادي من إجراء سلسلة إصلاحات مؤخرا، منها توحيد سعر العملة الأجنبية، حيث كانت هناك 6 أسعار لها، وتوحيد الميزانية لأول مرة منذ سنوات دون انتظار تشكيل حكومة جديدة، وعقد اجتماع لمجلس إدارة المصرف المركزي لوضع سياسات نقدية سليمة، على غير إرادة محافظه الصديق الكبير.
وتتوقع مصر أن يركز الدبيبة على القطاع الخدمي والتنموي، بحكم خبرته كرجل أعمال، وحاجة الليبيين لتحسين أوضاعهم المعيشية وشعورهم بأن حكومة السراج أنفقت أموالا طائلة على تركيا والميليشيات المسلحة وترضية قادتها.
ووصل وفد ليبي رفيع المستوى قادما من طرابلس إلى القاهرة، الخميس، لبحث دعم التعاون بين البلدين، مع التركيز على الجوانب الاقتصادية، وإعادة تأهيل البنية التحتية التي دمرتها الحرب على مدار عشر سنوات.