"كتاب الحدوس" لعلي العامري قصائد تحفر في الذاكرة والمستقبل

العامري ونصوصه تربطهما علاقة وثيقة بالمكان والأمومة، وكأنه يعود إلى جذور غير مرئية في مخيلته ليحييها ويتفقد وهجها الشعري الذي مازال متقدا.
الأربعاء 2021/02/17
استعادة أم ووطن (لوحة للفنان نبيل عناني)

عمان – أهدى الشاعر علي العامري مختاراته الشعرية “كتاب الحدوس” إلى أمّه التي وصفها بأنها “حكيمة الفطرة” وأنه تعلم منها معارف من خارج الكتب. وتضمنت المختارات، التي صدرت حديثا عن دار خطوط وظلال للنشر في عمّان، 44 قصيدة من مجموعات الشاعر الثلاث.

وقال العامري “تعلمت من أمّي كثيرا من المعارف والجماليات التي لا توجد في الكتب، فهي حكيمة الفطرة التي كنتُ شاهدا على رعايتها اليومية لأشجار الزيتون والطيور والزهور في حديقة البيت في قرية القليعات الأردنية الحدودية مع فلسطين”.

علي العامري: ولادتي كانت على خط الزلازل في وادي الأردن حيث الطبيعة وشم روحي
علي العامري: ولادتي كانت على خط الزلازل في وادي الأردن حيث الطبيعة وشم روحي

وأضاف “لقد وُلدتُ وعشتُ طفولة برية على خط الزلازل في وادي الأردن، قريبا من النهر الذي يجمع بين فلسطين والأردن، وفي الوقت نفسه يشكّل جرحا جغرافيا ظلّ شاهدا على التاريخ ودم النكبة ومتوالياتها”.

إن فكرة الأمومة هي فكرة شعرية في الأصل، هي فكرة الروح التي تنفصل في جسدين، بينهما حبل سري والكثير من القصائد. ولا بد من أن كل من مسّه الشعر قال قصائد في أمه التي أهدت إليه الحياة، فامتلأت الكتب والدواوين بقصائد لا أحلى ولا أجمل حول هذا الكائن الذي غلفه الشعراء بأسطورية كبيرة.

والأم، الوطن الأول والحبيبة الأولى والأخيرة والجنة عند قدميها والدواء والطبيب والسؤال والمجيب، سمّاها التاريخ بالعديد من الأسماء، كلها تصغر عند لفظة “الأم” التي تفسرها الأعصاب وتحكيها خلايا الجسد ومجرى الدماء.

ويزخر الأدب العربي بقصائد كثيرة قيلت في الأم، فجل الشعراء كانوا ومازالوا ينهلون من طيفها نصوصهم.

وقال العامري في حديثه عن تأثير المكان في قصائده “البراري شكّلتني بوصفها إحدى المرجعيات الأولى في تعمير الذات وصياغة الشغف وتأثيثه بالشعر والرسم والأسئلة والحرية، حتى غدت الطبيعة وشما روحيا”.

وتتنقل الصورة الشعرية إلى الوعي كنتاج مباشر للقلب والروح والوجود الإنساني، حيث تستطيع الصورة، وفي وقت غير اعتيادي أو محدد، أن تبدو وكأنها تكثيف للنفس بكليتها، هكذا نجد أنفسنا أمام نصوص العامري التي تختزل أزمنة وأمكنة بالتقاطات شعرية مكثفة يمكن اعتبار بعضها قائما على شعرية المكان.

ويقول الناقد الفرنسي جان ليسكور “الفنان لا يبتدع أسلوب حياته، بل يعيش بالأسلوب الذي يبدِع به. إن المكان الذي ينجذب نحوه الخيال لا يمكن أن يبقى مكانا لامباليا ذا أبعاد هندسية وحسب، فهو مكان قد عاش فيه بشر ليس بشكل موضوعي فقط، بل بكل ما في الخيال من تحيز. إننا ننجذب نحوه لأنه يكثف الوجود في حدود تتسم بالحماية”.

مما سبق يمكننا أن نتلمس ملامح علاقة العامري ونصوصه بالمكان والأمومة، وكأنه يعود إلى جذور غير مرئية في مخيلته ليحييها ويتفقد وهجها الشعري الذي مازال متقدا.

الكتاب تضمن مقتطفات من شهادات للشعراء والكتّاب والنقاد
الكتاب تضمن مقتطفات من شهادات للشعراء والكتّاب والنقاد

ولا تبقى قصائد العامري حبيسة لما سماه أمبرتو إيكو «العوالم المحتملة للنصوص»، بل يعيد من خلالها تجديد احتمالات شتى، حيث يخرج بها من دائرة الزمن المغلق والمحدد إلى فضاء زمني مفتوح، تقوده صورة الأم المتعددة، الروح والوطن والأرض والطفولة والانعتاق، كلها طرق للقصيدة لتحفر بعيدا في الذاكرة وفي المستقبل في آن واحد.

وجاء “كتاب الحدوس” متضمنا قصائد من المجموعات الثلاث “هذي حدوسي.. هذي يدي المبهمة” الصادرة عن دار آرام للدراسات والنشر في عمّان عام 1993، و”كسوف أبيض” الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت 1997، و”خيط مسحور” التي صدرت طبعتها الأولى عن وزارة الثقافة الأردنية 2012، وطبعتها الثانية عن دار فضاءات للنشر في عمّان 2014، كما صدرت طبعتها الإسبانية عن “بيت الشعر” في سان خوسيه عاصمة كوستاريكا عام 2014 بترجمة أستاذة اللغة الإسبانية وآدابها في جامعة القاهرة الدكتورة عبير عبدالحافظ.

وتضمن الكتاب الذي تصدّرت غلافه لوحة للفنان والشاعر محمد العامري مقتطفات من شهادات للشعراء والكتّاب والنقاد، زهير أبوشايب، ضياء خضير، خليل قنديل، يوسف عبدالعزيز، عمر شبانة، حكمت النوايسة وإبراهيم اليوسف.

ويذكر أن علي العامري شاعر من الأردن لعائلة فلسطينيّة مُهجّرة من بيسان في العام 1948 إثر الاحتلال الإسرائيلي.

شارك في مهرجانات وقراءات شعرية عربية ودولية في فلسطين والأردن والإمارات واليمن والعراق وتونس وسوريا وفرنسا وإسبانيا وكوستاريكا ومقدونيا وكوسوفو. كما شارك في ملتقيات “عن بُعد” أقيمت في إيطاليا ومقدونيا وأذربيجان وبوليفيا.

وترجمت له قصائد إلى الإسبانية والإيطالية والفرنسية والألمانية والإنجليزية والمقدونية والألبانية والأذرية.

ويعمل مدير تحرير لمجلة “الناشر الأسبوعي” التي تصدرها هيئة الشارقة للكتاب منذ العام 2018. وهو عضو في رابطة الكُتّاب الأردنيين والاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب ونقابة الصحافيين الأردنيين.

14