السعودية تغالب آخر العقبات أمام تحقيق اعتدالها وتحسين صورتها

الرياض – بلغت عملية الإصلاح التي أطلقتها المملكة العربية السعودية قبل سنوات قليلة وخطّطت لأن تكون شاملة للجوانب الدينية، سرعتها القصوى وذلك في محاولة لإزالة تراكمات ثقيلة مترتّبة عن سنوات طويلة من سيطرة قوى متشدّدة على المجال الديني والروحي الحسّاس، الأمر الذي لم يكن عديم التأثيرات الجانبية على صورة المملكة، رغم قوّتها الاقتصادية ومكانتها السياسية والدبلوماسية العالمية.
ويرى متابعون للشأن السعودي أنّ المملكة تمكّنت فعلا من التقدّم أشواطا نحو التخلّص من سطوة قوى الانغلاق والتشدّد وتحقيق الاعتدال المنشود، دون تجاهل وجود بقايا صعوبات وعوائق تجعل لـ”الاعتدال السعودي حدودا”، كما يذهب إلى ذلك الكاتب المختص بشؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي.
ويوثق تقريران حديثان التقدم الكبير الذي حققته السعودية في مواجهة التعصب ضدّ الديانات والطوائف الأخرى، وفي مواجهة كراهية الأجانب في إطار مساع لجعل المملكة في مرتبة الزعامة لشكل معتدل من الإسلام.
ويُلمس ذلك التقدّم على سبيل المثال في قيام مواقع إلكترونية حكومية، بما في ذلك موقع وزارة الدفاع السعودية باللغتين الإنجليزية والعربية، بإزالة المحتويات غير الملائمة التي من شأنها التشكيك في صدق الجهود السعودية.
وشملت العملية حذف الخطب السابقة التي يمكن تصنيفها معادية للسامية، والتي ألقاها محمد العيسى وهو وزير العدل السابق في المملكة، والذي أصبح بصفته الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وجها للاعتدال الديني السعودي ولتسامح بلاده وتعدّديتها.
عدم السماح ببناء دور عبادة لغير المسلمين إحدى الحجج التي يستخدمها المشككون في الإصلاح الديني بالسعودية
وتشير التقارير إلى أن الخطوات السعودية بدأت قبل فوز جو بايدن في نوفمبر الماضي بالانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو الذي وعد بجعل حقوق الإنسان ركيزة أساسية في سياسته الخارجية، وراجت توقّعات بأنّه سيعتمد نهجا أقل احتضانا للمملكة من سلفه دونالد ترامب.
وفي أحدث خطوة أقدمت عليها المملكة لتحسين صورتها وتخفيف الضغوط عنها، أطلقت السلطات هذا الأسبوع سراح الناشطة البارزة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة لجين الهذلول، التي أصبحت نقطة محورية في الانتقادات للسعودية لحقوق الإنسان.
وأشاد تقرير قيد الإعداد كواحد من عدة تقارير صادرة عن معهد شؤون الخليج في واشنطن، بالإضافة إلى دراسة أجرتها مجموعة إمباكت سي البحثية الإسرائيلية التي تركز على التعليم، بجهود المملكة لإزالة خطب الكراهية من الكتب المدرسية السعودية. ووصفت المجموعة هذه الخطوة بأنها “تحسّن كبير وتطور مشجع يُفهم على أنه يمثل خطوة نحو الاعتدال”. وأشار معهد شؤون الخليج إلى أن “تسليط الضوء على التعصب والتحريض في المنصات السعودية الرسمية أدى مؤخرا إلى تحسينات”.
كما أبلغ المعهد عن المواقف المتعصبة التي كان يُروّج لها في المؤسسات العسكرية السعودية وفي خطب الشخصيات الدينية البارزة. وشمل المحتوى الذي حُذف من موقع وزارة الدفاع، خطبة حذر فيها إبراهيم بن صالح عبدالعزيز العجلان، وهو محاضر في جامعة الملك سعود، من خطر الشيعة واعتبره “أضر من خطر اليهود والنصارى، لأن عداوتهم مستترة وكراهيتهم لأهل السنة أقوى وأطول”. كما يشارك العجلان في مجلة الجندي المسلم العسكرية الشهرية التابعة لوزارة الدفاع.
اقرأ أيضا:
وأكد التقرير أن ستة خطب سابقة معادية للسامية ألقاها العيسى من بينها خطبة بعنوان “عناد اليهود وقسوة قلوبهم” بثت في إذاعة القرآن، وحذفت في سبتمبر الماضي بعد أن انتقدها المعهد.
وأصبح العيسى على الرغم من عدم التراجع عن تصريحاته السابقة أو الاعتذار عنها، محترما لدى الجماعات اليهودية الأميركية التي تتوق إلى تعزيز انخراط أوثق بين إسرائيل والدول العربية، وفي مقدمتها السعودية. كما عزز موقفه في يناير 2020 عندما قاد مجموعة من القادة الدينيين المسلمين، في زيارة تمت برعاية اللجنة اليهودية الأميركية إلى أوشفيتز معسكر الاعتقال والإبادة النازية في بولندا.
ورغم الاعترافات الدولية المتعدّدة بقطع السعودية خطوات هامة نحو الاعتدال، إلاّ أنّ الساحة لا تخلو ممن يعتبرون تلك الخطوات غير كافية.
ويرى هؤلاء، وهم قليلون بحسب دورسي، أنّ الجهود السعودية لإزالة خطاب الكراهية والتمييز من المنصات الرسمية، إلى جانب الإصلاحات الاجتماعية مثل رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، وزيادة الحراك الاجتماعي والمهني للمرأة وتوسيع فرص الترفيه، تظلّ مدفوعة بـ”العناصر الأساسية اللاّزمة لتنويع الاقتصاد، بدلا من التصميم الحازم على القطع مع الماضي المحافظ”.
ومن المطاعن التي يثيرها هؤلاء الإبقاء على القيود على ممارسة ديانات أخرى غير الإسلام أو بناء دور عبادة لغير المسلمين، على الرغم من أن السلطات السعودية تغض الطرف عن النشاط الديني السري، الذي يقوم به المسيحيون وأتباعهم من الديانات الأخرى داخل المملكة.