هوّة الخلافات بين واشنطن وأنقرة تزداد اتساعا

تركيا ترفض طلبا أميركيا للإفراج عن الناشط عثمان كافالا.
الجمعة 2021/02/12
حقوق الإنسان لا يعلى عليها

العلاقات التركية - الأميركية تدهورت بوتيرة أسرع من المتوقع منذ تولي جو بادين السلطة في يناير الماضي، فيما يؤكد مراقبون أن انتقادات واشنطن المتتالية لأنقرة تؤشر على أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيواجه أكثر أربع سنوات قتامة في ظل الإدارة الأميركية الجديدة.

أنقرة- رفضت تركيا الخميس طلبا أميركيا للإفراج فورا عن رجل الأعمال والناشط البارز عثمان كافالا، ما يوسع دائرة الخلافات مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي تضع ملفات حقوق الإنسان ضمن أولوياتها.

وقالت وزارة الخارجية التركية إنه يتعين على الولايات المتحدة أن تحترم الإجراءات القانونية التي تتخذها “محاكم مستقلة” ضد كافالا، مضيفة أنه لا “يمكن لأي دولة أو شخص إصدار أوامر للمحاكم التركية”.

ويرى مراقبون أن الضوء الأخضر الذي منحه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للسلطات التركية لانتهاك الحريات وقمع المعارضة وملاحقة المعارضين لم يعد مقبولا في عهد الإدارة الأميركية الجديدة.

ودعت الولايات المتحدة الأربعاء تركيا للإفراج فورا عن عثمان كافالا، المحتجز منذ أكثر من ثلاثة أعوام من دون إدانة.

وقالت الخارجية الأميركية “التهم الزائفة الموجهة لكافالا واستمرار احتجازه والتأخير المستمر في إنهاء محاكمته، بما في ذلك من خلال دمج قضايا ضده، تقوض احترام سيادة القانون والديمقراطية”. وحثت تركيا على الالتزام بأحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان طالبت تركيا في ديسمبر2019 بالإفراج عن كافالا، وأكدت أن استمرار احتجازه يهدف إلى إسكاته. ورفضت المحاكم التركية الالتزام بقرار المحكمة، رغم أنه ملزم لتركيا من الناحية الفنية كونها عضوا في مجلس أوروبا.

وكافالا رجل أعمال وأحد رموز المجتمع المدني في تركيا وهو موقوف منذ أكتوبر 2017 ويواجه عقوبة السجن مدى الحياة إذا ما أدين بالتّهم الموجّهة إليه ومن بينها “محاولة قلب نظام الحكم”، في إشارة إلى توّرطه المزعوم في محاولة الانقلاب الفاشلة ضدّ الرئيس رجب طيب أردوغان في يوليو 2016، و”التجسّس السياسي”.

تغاضي الإدارة الأميركية عن انتهاك الحريات وحقوق الإنسان في تركيا لم يعد مقبولا في عهد جو بادين

ومؤخّراً دمج القضاء التركي هذه القضية مع دعاوى أخرى مرفوعة ضدّ كافالا لدوره المزعوم في الاحتجاجات المناهضة للحكومة في 2013، وذلك بعدما أبطلت محكمة استئناف في يناير حكم البراءة الذي حصل عليه قبل عام في هذه القضية الثانية.

ولطالما نفى كافالا كل التّهم الموجّهة إليه، وتعتقد المنظمات الحقوقية غير الحكومية أن الحكومة تحاول أن تجعل منه عبرة لترهيب المجتمع المدني.

وكافالا (63 عاماً) رجل أعمال معروف بدعمه للمشاريع الثقافية المتعلّقة بحقوق الأقليات والقضية الكردية والمصالحة الأرمنية – التركية.

وهاجم الرئيس التركي شخصياً كافالا ووصفه في إحدى المرّات بـ”سوروس التركي”، في إشارة إلى الملياردير الأميركي المجري الأصل جورج سوروس، العدو اللدود لأنظمة شمولية عديدة في العالم.

ويُحاكم أيضاً في قضية الانقلاب الفاشل في 2016، لكن غيابياً، الباحث الأميركي هنري باركي الذي اعتبرته النيابة العامة في لائحتها الاتهامية ”متعاوناً” مع كافالا.

وتأتي المطالب الأميركية بإطلاق سراح كافالا بعد أيام من بيان أصدرته الخارجية الأميركية يندد بممارسات الحكومة التركية تجاه احتجاجات طلاب جامعة البوسفور الرافضين لتعيين أحد المقربين من أردوغان على رأس الجامعة، ما يشير إلى انتهاج واشنطن سياسة جديدة مبنية على الضغوط للتصدي لانتهاكات الحكومة التركية في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية.

وكانت إدارة بايدن أعلنت منذ البداية نيتها تشديد الضغوط على أنقرة، حيث وصف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أثناء عرض السياسات الخارجية في الشرق الأوسط تركيا بالشريك الاستراتيجي المزعوم. كما وصف بايدن مرارا الرئيس التركي بأنه مستبد ويعادي الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الأقليات.

وقد دعت أغلبية من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي إدارة بايدن الثلاثاء إلى الضغط على تركيا لبذل المزيد لحماية حقوق الإنسان.

ووقع 54 من أعضاء مجلس الشيوخ على الرسالة التي اتهمت أردوغان بتهميش المعارضة وإسكات وسائل الإعلام الناقدة وسجن الصحافيين وشنّ حملة تطهير في صفوف القضاة المستقلين.

ومنذ الانقلاب الفاشل في عام 2016، اعتقلت حكومة أردوغان ما يقرب من 300 ألف شخص وقامت بإيقاف أو فصل ما يربو عن 150 ألف موظف مدني. وأُغلقت المئات من المنافذ الإعلامية وسُجن العشرات من نواب المعارضة.

وبعد أقل من أسبوعين على تنصيب بايدن تبادلت واشنطن وأنقرة الانتقادات العلنية والبيانات السلبية، فيما قال مراقبون إن العلاقات انزلقت إلى منعطف متعرج بسرعة غير متوقعة.

وتمثل قضايا حقوق الإنسان في تركيا إحدى القضايا التي ستتناولها إدارة بايدن، لكنها ليست إلا مشكلة واحدة من بين الكثير من المشكلات؛ فالديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء يتفقون على مجمل التحديات الهائلة في علاقات الدولتين.

وتعتبر قضية الصواريخ الروسية أس-400 من أبرز القضايا الخلافية التي ينتظر أن تكون فيها واشنطن حازمة، حيث لا يستعبد مراقبون فرضها عقوبات على أنقرة التي تحاول تفادي ذلك بالإعلان عن استعدادها لعدم استعمال هاته الصواريخ.

وإلى ذلك كشفت تقارير إعلامية أن إدارة بايدن تعمل على تطوير استراتيجية تتخطى تركيا عن طريق التنسيق مع حلفاء واشنطن لمواجهة الاستفزازات التركية في سوريا وشرق المتوسط وليبيا وناغورني قرة باغ.

5