توديع لقمان سليم في معقل حزب الله

بيروت – ودّع لبنان الخميس السياسي والمفكّر الشيعي المعارض لحزب الله لقمان سليم، أمام النصب المقام له في حديقة دارة والده محسن سليم في منطقة الغبيري التابعة للضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله.
وحضر التأبين سفراء وشخصيات سياسية وإعلامية ودينية من مختلف الطوائف وأفراد العائلة والأصدقاء. وتميّز وداع لقمان سليم في منزل العائلة بتركيز السفراء الأجانب، أبرزهم السفيرة الأميركية دوروثي شاي على “ضرورة كشف الحقيقة” في قضية اغتياله و”معاقبة الفاعل”.
وإلى جانب السفيرة الأميركية كان بين السفراء الأجانب الذين شاركوا في وداع لقمان سليم، السفير الألماني إندرياس كندل والسفيرة السويسرية مونيكا كرغوز. بينما سجل غياب لافت لفرنسا عن تأبين لقمان سليم، فيما اعتبره مراقبون رغبة من باريس في عدم إزعاج حزب الله المتهم باغتيال الناشط اللبناني.
وكان قد عثر على لقمان سليم مقتولا بالرصاص في سيارته في الرابع من شهر فبراير الجاري في منطقة جنوب لبنان الذي يسيطر عليه الحزب سيطرة تامة. وذهب أحد السياسيين اللبنانيين إلى القول إنّ فرنسا “لمعت بغيابها”، مستعيرا عبارة مترجمة إلى العربية من اللغة الفرنسية.
وعمدت عائلة لقمان سليم إلى دفنه في حديقة المنزل الذي تملكه في الضاحية الجنوبية ووضعت في مكان دفن الجثمان لوحة عليها بيت شعر للمتنبي هو الآتي “وقفت وما في الموت شكّ لواقف … كأنك في جفن الردى وهو نائم”.
وجاء دفن الجثمان في الحديقة خلافا لوصيّة لقمان الذي كان يفضّل إحراق جثمانه ونثر رماده. وتميّز التأبين بحضور رجال دين من مختلف الطوائف اللبنانية، ذلك أن لقمان كان شيعيا فيما والدته مسيحية بروتستانتية من أصول مشرقية أقام أهلها في القاهرة وكانوا قريبين من عائلة الملك فاروق.
وبعد تلاوة آيات من القرآن الكريم، أقيمت صلاة مسيحية على راحة نفس لقمان تلاها الأب جورج صدقة، الذي قال إن “دمه هو فداء عن شعب لبنان المظلوم ونبراس للحرية ونور يهدي من يعيشون في الظلمة لاسيما هؤلاء الذين انتهكوا حرية الإنسان والذين بأنانيتهم لا يحترمون حقوق الإنسان ولا يقبلون بالحوار ولا بالرأي الآخر”، داعيا إياهم “إلى العودة عن غيّهم والتوبة إلى الله لينير عقولهم ويلين قلوبهم فيعرفون الحق ويتذوقون المحبة ويعيشون السلام الحقيقي”.
وبعد ذلك تلا أحد رجال الدين الشيعة دعاء لروح سليم، طالبا له الرحمة، مذكرا بمزاياه وخصاله. واعتبر أنه “شهيد، وهو صاحب فكر إيماني عميق بأبعاده الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية بعيدا من كل المستثمرين في الأديان”. وعاهد بأن لقمان سليم “لن يموت فينا وسيبقى شعلة في سماء لبنان حتى بناء دولة الحق والقانون”.
وبعد تلاوة مجلس حسيني عن روح الفقيد وترتيلة الأم الحزينة (المسيحية) وترتيلة أخرى باللغة السريانية، ألقت والدة الفقيد سلمى مرشاق كلمة العائلة، توجهت فيها إلى الشباب اللبناني بالقول “إن كنتم تريدون وطنا عليكم أن تستمروا بالمبادئ التي استشهد لقمان من أجلها وأن تقتنعوا بها. الحمل ثقيل عليكم، اقبلوا فكرة الحوار ومنطق العقل لخلق وطن يستحقه لقمان. ابتعدوا عن السلاح الذي لا يفيدنا فقد أضاع ابني”، مبدية استعدادها “للمساعدة في تأسيس بلد يليق بالشعب اللبناني ويليق بلقمان”.

ومن جهتها توجهت السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى عائلة سليم وأصدقائه بأشد تعابير التعزية، مؤكدة أنها “فخورة أن تقف اليوم بينهم لإيصال تعاطفها معهم بشكل شخصي”. وقالت “لقد خسرنا وصعقنا بفقدان شخصية عظيمة بسبب هذا العمل الوحشي غير المقبول والذي لن ننساه”.
وأضافت “اليوم أنا حزينة مثلكم، وسفارتي التي أمثلها وأعضاؤها تشاركني هذا العزاء والحزن”، مثمّنة دور الراحل في “خدمة شعب لبنان وحريته والتي يجب إلا تخضع للخوف ولا للعنف”.
وشدّدت على “ضرورة الوصول إلى حقيقة من ارتكب هذه الجريمة الشنيعة”، وتعهدت “بالاستمرار في دعم المؤسسات التي أنشأها”، مبدية الفخر بهذه العملية التشاركية. وقالت “ذكراه ستخلد فينا وسنستمر في إطلاق رؤيته”.
وقالت السفيرة السويسرية مونيكا كيرغوز “من لا يعرف تاريخ لقمان سليم لن يفهم الحاضر ولن يعرف كيف يخطط للمستقبل، سويسرا خسرت صديقا وسنحرص على أن العمل الذي كان يقوم به سيتواصل”. وأشارت إلى أن “لقمان وزوجته بدآ في كتابة تاريخ لبنان منذ خمس سنوات، وأن سويسرا شريكة معهما من خلال دعمهما”.