ولادة صعبة لحكومة سودانية تستوعب أحزابا وحركات متناقضة

الخرطوم - أعلن رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك مساء الاثنين تشكيل الحكومة الجديدة التي يرأسها ثانية، وتتكون من قوى وأحزاب سياسية متباينة، وضمت لأول مرة ممثلين لحركات مسلحة وفقا لاتفاقية السلام الموقعة في جوبا بين السلطة الانتقالية والجبهة الثورية في الثالث من أكتوبر الماضي.
وقال حمدوك في مؤتمر صحافي أعلن فيه تشكيلته الجديدة إنه تم التوافق على 25 وزارة وإرجاء وزارة التربية والتعليم التي تحتاج إلى المزيد من التشاور، وأن الحكومة ملتزمة بمبادئ الثورة السودانية، رغم كل الصعوبات، وأن التشكيل جاء بناء على توافقات بين القوى المختلفة، وستتم المصادقة على البرنامج خلال أسبوع، لافتا إلى أن الحكومة اعتمدت على مبدأ الكفاءة، وتمنى التسريع في تشكيل المجلس التشريعي.
وشملت القائمة الحكومية تعيين جبريل إبراهيم زعيم حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور وزيرا للمالية، ومريم الصادق المهدي من حزب الأمة وزيرة للخارجية.
وتقدمت القوى والأحزاب السياسية والحركات المسلحة بنحو 90 مرشحا لتوفير مساحة يختار من بينها حمدوك ما يناسبه في هذه الأوضاع المعقدة وعدم حصره في أسماء معينة تزيد من هامش الارتباك في إدارة الحكومة.
وكشف نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق صديق إسماعيل أن الحكومة الجديدة تحمل صبغة مدعومة بكفاءات في عدة مجالات، خاصة على المستوى الاقتصادي، وأن هناك توافقا بين مكونات المسرح السياسي بشأن اختيارات رئيس الوزراء، وهو ما يمنحها فرصة للنجاح “شريطة أن تلتزم بالبرنامج الموضوع لها”.
وتقدم حزب الأمة بمبادرة لتشكيل الحكومة الجديدة وفقاً لبرنامج عمل خاص بها مؤخرا، وحاز موافقة الحركات المسلحة والمكون العسكري وقوى تحالف الحرية والتغيير، واعتمده رئيس الحكومة ليكون خارطة طريق تسير عليه حكومته الجديدة، ويركز على أربعة ملفات رئيسية، وهي: الأمن والسلام والأوضاع المعيشية والعلاقات الخارجية.
وأوضح صديق لـ”العرب” أن البرنامج يُعطي أولوية للمجال الاقتصادي الذي سيقوم على الانفتاح خارجيًّا والاستفادة من رفع السودان من اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، ووضع تصورات اقتصادية تقوم على ضبط العملة الوطنية والرقابة على حركة السلع واتباع سياسة تضمن تخفيف الأزمات التي يواجهها المواطنون.
وتخشى مصادر سودانية قريبة من الحكومة أن تواجه التشكيلة التي اعتمدت على محاصصة بين القوى صعوبة في التأقلم مع التعاون والتنسيق الجماعي، لأن كل جهة تريد أن تلبي مطالب من تمثلهم على أساس فئوي، وهو ما يتعارض مع السعي السابق لتشكيل حكومة مركزية تحقق أهداف المواطنين في ظل التحديات الكبيرة.
وأوضحت المصادر في تصريح لـ”العرب” أن حمدوك في موقف “لا يحسد عليه، فعليه إحداث تقدم ملموس في الأزمات المتراكمة، وإرضاء جميع القوى”، وهي معادلة تؤثر في قدرته على العبور إلى بر الأمان بتشكيلة مكونة من موزاييك سياسي مثير، فلأول مرة تصبح الحركات المسلحة شريكا في السلطة بشقيها مجلس السيادة والحكومة.
وأشارت إلى أن التركيبة الجديدة -مع أنها تعكس اتساع نطاق الانفتاح في البلاد- تثير شكوك جهات خارجية قد تجد نفسها في حالة حيرة إزاء التعامل مع الوزراء الجدد محدودي الخبرات السياسية، فالمحاصصة التي تقوم عليها الحكومة تمثل عائقا في طريق التفاهم الجماعي.
لكن مصادر أخرى قالت لـ”العرب” إن المحاصصة المعيبة يمكن أن تصبح ميزة في يد حمدوك باعتباره المسؤول الأول في الحكومة ويتم وضع كل المهام في سلته لمنع حدوث تناقض، ما يضفي عليه قوة في مواجهة المكون العسكري إذا احتدمت الأمور أكثر من ذلك، لاسيما أن شخصية حمدوك باتت ضمانة للتحول الديمقراطي في السودان لدى قوى دولية عديدة، الأمر الذي يستلزم دعمه ماديا وسياسيا.
واستنادا إلى أحكام الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية أصدر حمدوك الأحد قرارا بإعفاء وزراء ووزراء دولة من مناصبهم، مع استمرارهم في مواقعهم لتصريف الأعمال إلى حين تشكيل الحكومة وإتمام إجراءات التسليم والتسلم.
ويستمر ثلاثة وزراء فقط في مناصبهم، وهم: وزير العدل نصرالدين عبدالباري، ووزير الري والموارد المائية ياسر عباس، ووزير الشؤون الدينية والأوقاف نصرالدين مفرح.
وكان من المفترض أن يتم الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة الخميس الماضي، وفقا للمصفوفة الزمنية التي أعلنها مجلس شركاء المرحلة الانتقالية في 28 يناير الماضي، وحددت 31 يناير لطرح برنامج الحكومة و4 فبراير لاستكمال تشكيل مجلس السيادة وتشكيل مجلس الوزراء و15 فبراير لتكوين المفوضيات والمجلس التشريعي.
وتم تعيين الهادي إدريس يحيى ومالك عقار والطاهر أبوبكر حجر في 4 فبراير الجاري ممثلين عن الحركات المسلحة في مجلس السيادة الانتقالي، وهو هيئة حاكمة مكونة من عسكريين ومدنيين ويرأسه الفريق أول عبدالفتاح البرهان.
وجاء قرار حمدوك بحل حكومته الأحد بعد الاجتماع الثامن لمجلس شركاء السودان المكون من ممثلين عن قوى عسكرية وحركات مسلحة وأحزاب مدنية متعددة، وهو أحد أجهزة الفترة الانتقالية، ووافق على تشكيل الحكومة الجديدة الاثنين.
ويعقد مجلس الشركاء جلسة اليوم الثلاثاء لاستعراض برنامج الحكومة كي يتّفق عليه الجميع وتوقعه جميع الأطراف لتلتزم به الحكومة الجديدة، ومن المنتظر أن يتم تكوين المفوضيات التي نصت عليها الوثيقة الدستورية قريبا.
وحمدوك هو أول رئيس يتولى الحكومة بعد الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير الذي ظل في الحكم نحو ثلاثين عاما، وعيّن بعد اتفاق بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري في 20 أغسطس الماضي.
وأكدت المحللة السياسية درة قمبو أن الوضع السياسي والاقتصادي القائم في البلاد لا يسمح بأي تسويف، وستشرع الحكومة الجديدة في ممارسة مهام عملها فورا للتعامل الجاد والسريع مع حالة السخط في الشارع تجاه أداء الحكومة السابقة، ومن الطبيعي أن يكون القطاع الاقتصادي في مقدمة الأولويات، والحكم على الأداء بأنه فاشل أو ناجح يرتبط بمدى القدرة على تخفيف حدة الأزمات الداخلية.
وأشارت لـ”العرب” إلى أن فرص نجاح الحكومة الجديدة جيدة، لأنها تحظى بدعم وتوافق جميع المكونات السياسية، ويمثل دخول الحركات المسلحة عليها إضافة وداعما لقوى الحرية والتغيير، وليس العكس، ويقلل من حدة الضغوط التي تمارس عليها في الهامش والأطراف.
اقرأ أيضاً: لجنة إزالة التمكين في تقاطع نيران بين أقطاب السلطة في السودان