"وسادة المشيشي" تدفع بالمواجهة بعيدا عن التفاهمات

حركة النهضة الإسلامية تدعو إلى استكمال مسار التعديل الوزاري.
السبت 2021/02/06
قطع الطريق أمام التوافقات

في الوقت الذي انحسرت فيه خيارات رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي في خيارين كلاهما مر في معركته مع الرئيس قيس سعيد، يتمثلان في انسحاب وزراء شملهم التعديل الوزاري الأخير الذي أسس للقطيعة بين الطرفين، أو استقالته، قرر الحزام السياسي للمشيشي التصعيد مع الرئيس سعيد بعد دعوة حركة النهضة إلى استكمال مسار التعديل الحكومي.

تونس - تتجه الأزمة السياسية في تونس نحو انسداد خطير تعمق بمأزق دستوري حاد بسبب مواقف “الحزام البرلماني والحزبي” الداعم لرئيس الحكومة، هشام المشيشي، الذي تتحكم في خيوطه حركة النهضة الإسلامية، بمناوراتها لإضعاف الرئيس قيس سعيد، ما يُمكّنها من إعادة ترتيب أوراق المشهد العام وفق حساباتها.

وبدا واضحا من خلال السجالات السياسية التي أثارتها المشاورات التي تكثفت بشكل لافت بين مونبليزير، حيث يوجد مقر حركة النهضة، وقصري الحكومة بالقصبة، والبرلمان بباردو، أن هذا الحزام الذي يُوصف بـ “الوسادة” بدأ يتحول تدريجيا إلى ما يُشبه “ربطة عنق” لخنق المشيشي، وجره إلى مُواجهة مفتوحة مع الرئيس قيس سعيد.

وعلى عكس الأنباء التي تحدثت عن سعي “وسادة ” المشيشي إلى التهدئة، من خلال البحث عن تفاهمات لحفظ ماء وجه جميع المعنيين بهذا المأزق، كشفت الأجواء التي سادت خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية عن تصعيد في المواقف.

وساهم الموقف الذي عبرت عنه حركة النهضة، في بيان مكتبها التنفيذي، في اتساع مساحة القلق، حيث كشفت فيه عن تصعيد بدا مقصودا في حيثياته، وموجها في مضمونه، ومحكوما برغبة في رسم معادلة جديدة للصراع بعناوين مُغايرة لما هو سائد حاليا، وذلك من خلال توجيه رسائل مُخاتلة إلى الرئيس سعيد عبر رئيس الحكومة.

وفي سياق مناورة لإحداث شرخ في العلاقة بين الرئيس سعيد والمشيشي، دعت النهضة إلى ما وصفته بـ”استكمال مسار التعديل الوزاري” الذي صادق عليه البرلمان، و”تمكين الوزراء الجدد من مباشرة مهامهم”، لـ”مواجهة التحديات والمصاعب التي تمر بها البلاد”.

وخلافا لما اقترحه النائب البرلماني، سمير ديلو الذي يُعد أحد القياديين البارزين في حركة النهضة، لتجاوز الأزمة الراهنة عبر “استعفاء الوزراء المتعلقة بهم شبهات وتعويضهم بآخرين”، اختارت حركة النهضة الهروب إلى الأمام عبر التأكيد على “دعمها” لحكومة المشيشي، وعلى “أهمية احترام مختلف مؤسسات الدولة وتكاملها، خدمة للمصلحة الوطنية”، على حد تعبيرها.

وعكس هذا الموقف نزعة نحو “المغالبة والنفخ على النار”، كان سمير ديلو قد حذر منها في تصريحاته السابقة التي قرأها البعض على أنها مقدمة نحو التهدئة، حيث أشاعت آنذاك أجواء من الارتياح لدى الكثيرين، وخاصة أنها تزامنت مع تصريحات أخرى لمسؤولين في هذه الحركة أشاروا فيها إلى أن أزمة “اليمين الدستورية” اقتربت كثيرا من الحل.

وأثبتت الوقائع التي تتالت بعد ذلك أن تصريحات ديلو، ثم بيان المكتب التنفيذي، اندرجت في سياق عملية تقاسم أدوار على شكل بالون اختبار، هدفها الأساس معرفة رد فعل الرئيس سعيد، خاصة بعد اللقاء الذي جمعه بنورالدين الطبوبي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، وهو اللقاء الذي أثار قلق حركة النهضة لأنها تخشى اصطفاف الاتحاد إلى جانب الرئيس سعيد.

نورالدين الطبوبي: أدعو الوزراء الذين تلاحقهم شبهات لرفع الحرج عن المشيشي

ويتضح من خلال التسريبات العديدة أن النهضة أصابها ذعر إزاء ذلك اللقاء، وخاصة أن موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من التعديل الوزاري معروف، ومع ذلك تراجعت حدة الذعر بصدور البيان التوضيحي لاتحاد الشغل حول ملابسات اللقاء، لتعود النهضة بعد ذلك إلى مناوراتها التي تجلت بوضوح أثناء اللقاء التشاوري الذي عقده المشيشي مع أعضاء “حزامه البرلماني”.

وفي هذا الاجتماع الذي عُقد بقصر الحكومة في القصبة مساء الخميس، بحضور عماد الخميري ممثلا عن النهضة وأسامة الخليفي وعياض اللومي عن قلب تونس وحسونة الناصفي عن كتلة الإصلاح وحسين جنيح عن حزب تحيا تونس ورضا شرف الدين وعماد أولاد جبريل عن الكتلة الوطنية، سعت النهضة إلى “تشجيع” المشيشي على التمسك بموقفه.

وتكشف تسريبات حول ما جرى داخل ذلك الاجتماع الذي حضره أيضا معز لدين الله مقدم، مدير ديوان رئيس الحكومة، أن هذا الحزام قدم ما يكفي من “ضمانات الدعم” للحكومة إلى درجة جعلت المشيشي يقول إن السماح بتمرير وجهة نظر الرئيس سعيد بخصوص التعديل الوزاري المُثير للجدل، من شأنه “تكريس سابقة خطيرة في
تونس”.

ولم يكتف بذلك وفقا للتسريبات التي حصلت عليها “العرب”، وإنما ذهب إلى القول “إذا قبلنا اليوم برفض الرئيس قيس سعيد أداء الوزراء الجدد اليمين الدستورية أمامه، فإنه سيرفض غدا أداء المحافظين الجدد اليمين أمامه أيضا، وهذا يُعد انحرافا يُلغي صلاحيات رئيس الحكومة، ويتعدى على صلاحيات البرلمان، وعليه فإن مثل هذا الرفض سيدفعنا إلى نظام رئاسوي لم يختره الشعب التونسي”.

وجاء في تلك التسريبات أن المشيشي طلب من حزامه “مواصلة الضغط على الرئيس سعيد”، وذلك بإيعاز من ملاحظة مدير ديوانه، معز لدين الله مقدم، اعتبر فيها أن الحكومة “لم تجد قوة الموقف ووضوحه في تصريحات قادة ومسؤولي حزامها السياسي، بل رصدت تصريحات تُضعف موقف الحكومة في مواجهة موقف الرئيس قيس سعيد”.

وأمام هذا الوضع الذي يتسم بتعدد مناورات حركة النهضة، التي زادت في تعميق المأزق، عاد الاتحاد العام التونسي للشغل إلى التحرك بحثا عن حل بعيدا عن تلك المناورات، ولإبعاد شبح الصدام المؤسساتي، حيث أجرى أمينه العام الجمعة مشاورات واتصالات شملت رئيس الحكومة هشام المشيشي، وراشد الغنوشي بصفته رئيسا للبرلمان.

وألمح في تصريحات أدلى بها الجمعة في أعقاب تلك الاتصالات إلى “حل وشيك قد يتبلور خلال الساعات القادمة لإنهاء الأزمة الدستورية”، رافضا في الوقت نفسه الكشف عن تفاصيله، حيث اكتفى بدعوة الوزراء الذين تلاحقهم شبهات فساد وتضارب مصالح، إلى أن “يرفعوا الحرج عن رئيس الحكومة”.

 
4