جهاز الاستثمار العُماني يبدأ رحلة هيكلة الأصول السيادية

اكتسبت خطوات الإصلاح الاقتصادي في سلطنة عُمان زخما جديدا بعد إعلان الذراع الاستثمارية للدولة عن خطة لإعادة هيكلة أصول قطاعي السياحة والعقارات من خلال دمجها في محفظة واحدة تشرف عليها مجموعة عمران التابعة لجهاز الاستثمار العماني من أجل تعزيز كفاءة إدارتها، ودعم النمو ضمن سياسة التنويع التي يشرف عليها السلطان هيثم بن طارق.
مسقط - يخطط جهاز الاستثمار العماني، الذي تم إنشاؤه في الصيف الماضي، كأحد أبرز التحولات الاقتصادية في عهد السلطان هيثم بن طارق، لإعادة هيكلة الأصول الحكومية في قطاعي السياحة والعقارات، في أحدث خطوات البلد الخليجي لتعزيز كفاءة إدارة ثروات الدولة الضعيفة قياسا بجاراتها في المنطقة.
وقال الجهاز الذي يدير أصولا تبلغ قيمتها 17.4 مليار دولار، وفق التقديرات الرسمية، في بيان إنه سيحول شركة مساهمة ومشروع تنمية سياحية ومنتجعات إلى شركة عمران للتنمية السياحية المعروفة باسم “مجموعة عمران”، والتي أسستها الحكومة عام 2005 للتركيز على تطوير مصادر التنويع الاقتصادي وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى البلاد.
ويشكل قرار سلطان عمان هيثم بن طارق آل سعيد في يونيو الماضي، بإنشاء كيان يجمع كافة أصول الدولة المشتتة بين عدة صناديق استثمار ووزارة المالية قفزة عملاقة نحو إدارة الاقتصاد على أسس مستدامة لمواجهة التحديات المستقبلية، التي فرضتها عدة عوامل متداخلة.
ويؤكد محللون أن الخطوة الجديدة، والتي من المتوقع أن تتبعها إصلاحات أخرى في الفترة المقبلة، تشير بوضوح إلى أن إدارة أصول الدولة على النمط القديم لم تعد ذات جدوى، خاصة في ظل الظروف التي يعيشها أحد أضعف اقتصادات منطقة الخليج العربي.

هاشل المحروقي: إدارة مجموعة عمران أصول الحكومة تدعم التنويع الاقتصادي
وذكر جهاز الاستثمار أنه تم تحويل ملكية مشاريع للجهاز وحصصه في بعض الشركات إلى المجموعة لتقوم بدورها الفعّال في القطاع السياحي، حتى تسهم في التنويع الاقتصادي المنشود كونها الذراع التنفيذية الحكومية لتطوير هذا القطاع الحيوي والمهم. لكنه لم يذكر بالضبط حجم الأصول التي سيتم دمجها في مجموعة عمران.
وانتقل إلى مجموعة عمران وفقا للإجراء كل من مشروع “يتي” الذي يقع في العاصمة مسقط على مساحة أكثر من 11 مليون متر مربع، بما في ذلك المرحلة الأولى منه والمسماة “مدينة يتي المستدامة”، وهي مجمع سياحي يقع على مساحة 1.5 مليون متر مربع من الواجهة البحرية والشواطئ.
وإلى جانب تلك العقارات، هناك مجموعة من الفيلات والمرافق الترفيهية وكذلك فندق النسيم في الجبل الأخضر بمحافظة الداخلية، الذي يضم شاليهات متنوعة، وحديقة للتحديات والمغامرات، فضلا عن فندق “أليلا حينو” في ولاية مرباط بمحافظة ظفا، ليكون الفندقان ضمن ذراع الضيافة في المجموعة.
كما ستدير مجموعة عمران حصص جهاز الاستثمار في شركة أساس، وهي شركة تساهم في التطوير والاستثمار لتحقيق إيرادات اقتصادية مستدامة، ومشروع المجمع السياحي المتكامل حي الشرق الذي يُسمح فيه للأجانب بالتملك الحر.
ونقلت وكالة الأنباء العمانية عن جهاز الاستثمار قوله إن “هذه الخطوة تهدف إلى توحيد الاستثمارات العقارية السياحية تحت إدارة واحدة ذات كفاءة، وبما يتواءم مع رؤية عُمان المستقبلية 2040 وأهداف الخطة الخمسية العاشرة”.
وتعتبر السياحة ضمن أهداف تلك الخطة لتحقيق التنويع الاقتصادي، ويتم التركيز عليها كأحد القطاعات الحيوية والفاعلة في دعم النمو، وتعزيز حجم الإيرادات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، مع السعي إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وتنسجم هذه الإجراءات مع برنامج “روابط”، الذي أطلقه جهاز الاستثمار في سبتمبر الماضي بهدف ربط خطط الشركات التابعة له وأنظمتها مع سياساته من أجل توحيدها وتحقيق التكامل مع أدوار القطاع الخاص وتمكينه من الإسهام في القطاع السياحي.
ونقلت الصحافة المحلية عن هاشل بن عبيد المحروقي، الرئيس التنفيذي لمجموعة عمران، قوله إن “تحويل أصول الحكومة في السياحة والعقارات سوف يدفع عجلة النمو للمجموعة مع دخولها مرحلة جديدة من العمل، ويعزّز دورها الرائد في دعم التنويع الاقتصادي في السلطنة باعتبارها من الشركاء الاستراتيجيين في الرؤية المستقبلية عُمان 2040”.
وأضاف أن ذلك “سيضاعف إسهامات المجموعة في تحقيق الأهداف الوطنية الطموحة جنبا إلى جنب مع الشركاء في القطاع السياحي والقطاعات الرئيسية الأخرى”.
ويرى خبراء في الشأن العماني أن الأزمة المالية المصاحبة لتداعيات تراجع أسعار النفط وانتشار جائحة كورونا ستوفر لسلطان عُمان فرصة كبيرة لإجراء إصلاحات اقتصادية طال انتظارها، بعد أن استغل الصدمة المزدوجة مطلع العام الماضي ليوصل إلى العمانيين رسائله التي يفيد مضمونها بأن وقت التغيير قد حان.
الأصول تشمل شركة «أساس» وفنادق ومرافق ترفيهية وسياحية موزعة على كل من مسقط وظفار والداخلية
كما أشاروا إلى أن السلطان هيثم الذي يتمتع بخبرة إدارية واقتصادية ينظر إلى الأزمة الراهنة على أنها خلفية كافية لإعادة مسار الاقتصاد العماني بعيدا عن أي ترهل إداري ومالي أشار إليه في أول خطاباته الموجهة للعمانيين بعد توليه الحكم خلفا لابن عمه السلطان قابوس.
ومن بين الإصلاحات التي يريد القيام بها الإمعان في التقشف بهدف تطويق مخلفات فترة الرخاء وتضخم الإنفاق في القطاع الحكومي، إلى جانب تعزيز دور القطاع الخاص ليكون مساهما رئيسيا في التنمية.
ولا تمتلك عُمان احتياطات مالية كبيرة مثل جاراتها الثرية، إذ تظهر بيانات المجموعة البحثية في معهد صندوق الثروة السيادية أن صندوق الاحتياطي العام للدولة، وهو أكبر صندوق سيادي في عمان، لديه أصول بنحو 14 مليار دولار، في حين أن ثاني أكبر صناديق السلطنة، الصندوق العماني للاستثمار، لديه 3.4 مليار دولار.
وكان جهاز الاستثمار العماني قد كشف في نهاية العام الماضي عن مساعيه لخفض قروض الشركات المملوكة للحكومة التابعة له حيث بلغت مديونيتها نحو 9 مليارات ريال (23.4 مليار دولار)، حتى الربع الثالث من 2020، وفق الأرقام الرسمية.