حل الأزمة القبرصية رهن مصداقية النوايا التركية

الأمم المتحدة تكثف جهودها لتجاوز الخلافات بين أنقرة وأثينا وهي مبادرة تأتي في وقت يسعى فيه الاتحاد الأوروبي إلى اتباع نهج قوي تجاه إيجاد حل شامل للمنطقة.
السبت 2021/01/30
مخطط تركي لضم قبرص الشمالية بحلول 2023

تضع الأمم المتحدة حل الأزمة القبرصية ضمن أولوياتها في المرحلة المقبلة، خاصة مع حدوث نوع من التقارب بين تركيا واليونان وكذلك الاتحاد الأوروبي المعنيين أساسا بالملف. إلا أن تعنت أنقرة بوضعها شروطا مسبقة يثير تساؤلات بشأن جدية إحراز تقدم في الملف بعد فشل المساعي الأممية السابقة لحل الأزمة بسبب هذه الشروط.

نيويورك- التقطت منظمة الأمم المتحدة جهود التقارب التركي الأوروبي مؤخرا لتحريك المياه الراكدة بشأن الأزمة القبرصية واستئناف المفاوضات بين أنقرة وكل من أثينا ونيقوسيا المعنيتين بالأزمة، لكنّ مراقبين يشككون في صدقية النوايا التركية لتجاوز العقبات.

وأفاد أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه يعتزم عقد اجتماع غير رسمي لمجموعة “5+1” حول قبرص أوائل مارس المقبل. وقال الأمين العام في مؤتمر صحافي عقده مع الصحافيين في مقر الأمم المتحدة بنيويورك “أعتزم عقد اجتماع غير رسمي أوائل مارس المقبل يضم الأمم المتحدة وطرفي النزاع القبرصي والدول الضامنة الثلاث تركيا واليونان وبريطانيا”.

أنطونيو غوتيريش: أعتزم عقد اجتماع غير رسمي يضم المتدخلين في النزاع القبرصي
أنطونيو غوتيريش: أعتزم عقد اجتماع غير رسمي يضم المتدخلين في النزاع القبرصي

وأضاف “قررنا أن يكون هذا الاجتماع غير رسمي، وأن يُعقد دون شروط مسبقة؛ لكي نستمع إلى الأطراف المعنية، وستكون هناك فرصة يعبر فيها الأطراف بصراحة عن رؤيتهم للمستقبل، وكيف سيسيرون إليه”.

وتسعى الأمم المتحدة منذ عقود لإعادة توحيد قبرص التي انقسمت بعد غزو تركي للجزيرة عام 1974، لكن دون جدوى.

وانهارت أحدث محاولات المنظمة بحالة من الفوضى عام 2017 بعد مفاوضات حضرتها أطراف النزاع. ولا تعترف سوى تركيا بجمهورية شمال قبرص التركية دولة مستقلة. ولا تعترف بالحكومة القبرصية اليونانية المعترف بها دوليا في الجنوب.

وتتهم تركيا بالتصعيد في ملف قبرص، وذلك في إطار صراعها مع الاتحاد الأوروبي خلال الفترة الماضية، حيث تتهم أنقرة باستغلال الملف كورقة للضغط على الجانب الأوروبي واليوناني في ما يتعلق بالتنقيب شرق المتوسط.

وفي إطار الضغوط التركية أعادت جمهورية شمال قبرص التركية في 6 أكتوبر فتح شاطئ والعديد من الطرق في “مدينة الأشباح” فاروشا، إحدى ضواحي فاماغوستا، الواقعة في المنطقة المهجورة من جزيرة البحر المتوسط المقسمة.

وكانت فاروشا في يوم من الأيام أهم منتجع ساحلي في قبرص، يزورها السياح من جميع أنحاء العالم. ولكن، ومنذ فرار سكانها، وجلهم من القبارصة اليونانيين، البالغ عددهم حوالي 39 ألف شخص في مواجهة الغزو التركي، أصبحت المدينة مهجورة إلى حد كبير، ويحرسها الجنود الأتراك.

وأدان البرلمان الأوروبي في نوفمبر الماضي ما وصفه أعضاء البرلمان الأوروبي بأنشطة تركيا غير القانونية في قبرص، بما في ذلك افتتاح فاروشا والجهود المبذولة للتنقيب عن الغاز الطبيعي في المياه المعترف بها دوليا لقبرص واليونان، فيما تركيا في الجارة قبرص قطعة مهمة ضمن إستراتيجيتها لتوسيع الحدود البحرية.

نيكوس كريستودوليدس: هناك خطر حقيقي بضم شمال الجزيرة الذي يسيطر عليه القبارصة الأتراك
نيكوس كريستودوليدس: هناك خطر حقيقي بضم شمال الجزيرة الذي يسيطر عليه القبارصة الأتراك

ولا يروق وضع الجزيرة الحالي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي دعا إلى التفاوض من أجل حل الأزمة القبرصية على أساس دولتين، فيما يتمسك القبارصة اليونانيون بالحل على أساس نظام الفدرالية.

ويرى أردوغان في اعتماد النظام الفدرالي إضعافا لنفوذ أنقرة في الجزيرة، حيث أكد في وقت سابق  أن التفاوض على الأسس القديمة أثبت فشله.

وقال أردوغان إن “الاعتراف بالقبارصة اليونانيين وحدهم سد الطريق أمام المحاولات السابقة لإيجاد حلّ. لا يمكن الوصول إلى نتيجة في ظل المعايير الحالية بعد عملية مفاوضات استمرت أكثر من نصف قرن”.

ويشكك مراقبون في صدقية النوايا التركية لتجاوز الأزمة القبرصية، إذ أن أنقرة مازالت تتمسك بشروطها المسبقة لحلحلة الخلافات، وهي الشروط التي أجهضت المساعي الأممية لطي الخلاف في 2017.

ويشير هؤلاء إلى أن انخراط تركيا في المفاوضات الأممية مجرد محاولة لمزيد كسب الوقت، خاصة وأن المفاوضات ستستغرق الكثير من الوقت، وهو ما يخدم أجنداتها على المدى المتوسط.

وتأتي المبادرة الأممية لحل أزمة قبرص في وقت تتحدث فيه نيقوسيا عن مخطط تركي لضم جمهورية قبرص الشمالية بحلول 2023.

وقال وزير الخارجية القبرصي، نيكوس كريستودوليدس، في 17 نوفمبر الماضي، إن أردوغان قد يضم شمال الجزيرة في غضون عامين. وأشار الوزير القبرصي إلى أن هناك خطرا حقيقيا بضم شمال الجزيرة الذي يسيطر عليه القبارصة الأتراك، ما لم يتم العثور على حل لتوحيد الجزيرة المقسمة بحلول عام 2023.

ويقول الباحث السياسي القبرصي، إيوانيس يوانو، إن سيناريو ضم شمال قبرص إلى تركيا في 2023 لا يمكن استبعاده. ويضيف يوانو “من الناحية النظرية، يمكن لتركيا ضم شمال قبرص.

تتهم أنقرة باستغلال الملف كورقة للضغط على الجانب الأوروبي واليوناني في ما يتعلق بالتنقيب شرق المتوسط

ومن منظور القانون الدولي، لن يقبل هذا الأمر سوى عدد محدود من الدول، لكن ما نحتاج إلى فهمه هو أن سياسة إعادة النظر في السياسات التي تتبناها تركيا خلال السنوات الأخيرة، هي محاولة إضافة المزيد من الأراضي إلى تركيا، كما في سوريا”.

ويشير إلى أن تركيا تتمركز عسكريا في قبرص منذ عام 1974. والمجتمع القبرصي التركي يشهد أيضا قدرا هائلا من الضغوط السياسية والاقتصادية والدينية من قبل أنقرة. ويتبع الاتحاد الأوروبي نهجا قويا تجاه إيجاد حل شامل لمشكلة قبرص من خلال اعتماد نموذج (اتحاد ثنائي الطائفتين)، وضمان تنفيذ تشريعات الاتحاد الأوروبي على كامل أراضي قبرص.

5