الزيارات الافتراضية حاجة معنوية ونفسية ملحة تهزم قسوة التباعد الاجتماعي

المحافظة على التواصل الإنساني والاجتماعي ضرورة وفقا لمعايير صحية وقائية صارمة.
السبت 2021/01/30
تباعد قسري

عمان - تُصر المرأة الخمسينية وفاء من الأردن على تطويع التكنولوجيا للحفاظ على تواصل العلاقات بين الناس كما ينبغي، حيث تحرص على القيام بزياراتها الافتراضية الرقمية للأهل والأصدقاء، بعد أن حرمتها ظروف كورونا من الزيارات واللقاءات المباشرة.

وفي الوقت الذي حرفت فيه تداعيات كورونا الزيارات الاجتماعية المباشرة عن مسارها الاعتيادي، وجدت وفاء وغيرها، في الزيارات الافتراضية، عبر تقنية المكالمة المرئية “الفيديو كول” ملاذا يهزم قسوة التباعد الاجتماعي، ويلون أيامها بطيف من تواصل “عابر لكورونا”.

وقالت لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إنها تستعد للزيارة الافتراضية كما لو أنها حقيقية، وتعتبرها حاجة معنوية ونفسية مُلحّة، تمدها بالقوة والصبر على متغيرات ظروف الجائحة.

وأكد خبراء أن “رقمنة الزيارة” هي ضد الطبيعة البشرية التي تهوى اللقاء المباشر، ولكنها الحل المتاح في الوقت الحالي، إلى أن تعود الحياة إلى طبيعتها، مشددين على أهمية التعامل مع الزيارة الافتراضية كما لو أنها واقعية، مع الالتزام بأدبيات التواصل والأخلاق العامة وحفظ المجالس واحترام أوقات الناس وخصوصياتهم.

وقال عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين بشأن تشخيص “غرابة التحول الاجتماعي في ظل كورونا”، “إن تحول نمط الحياة الاجتماعية على صعيد الزيارات من واقعية إلى افتراضية، هو مضاد للفطرة البشرية القائمة على طبيعة العلاقات بين الناس، إذ أن الإنسان فُطِر على تبادل الخبرات والأفكار عبر اللقاءات المباشرة، ولم يعتد استبدال ذلك بالحديث عبر الأجهزة اللوحية وشاشات جامدة”.

وأضاف موضحا “باستبدالنا القسري للزيارات لشكل لم نعتد عليه سابقا، فإن هنالك فئة عمرية مُقدّرة، وهي فئة كبار السن التي لا تعرف مواقع التواصل الاجتماعي، قد حُيدت عن دورها الطبيعي في التخاطب المباشر مع الآخرين، الأمر الذي انعكس بالضرورة على انعزالهم ووحدتهم وشعورهم بعدم حاجة المجتمع إليهم”. وتابع محادين “وهنا لا نعمم، فقد تشارك بعض الأسر كبار السن في زياراتها الافتراضية”، مشددا على أهمية شمولهم بالتواصل مع الآخر، “طالما أننا نعيش مرحلة الجائحة”.

وتابع محادين “وهنا لا نعمم، فقد تشارك بعض الأسر كبار السن في زياراتها الافتراضية”، مشددا على أهمية شمولهم بالتواصل مع الآخر، طالما أننا نعيش مرحلة الجائحة.

وأكد أن “اضطرار المجتمع لزيارات افتراضية كمتغير وافد على ثقافتنا، من شأنه القضاء على سلوكيات إيجابية انطلقت من قيم مجتمعية نعتد بها، ما يستدعي ضرورة المحافظة على التواصل الإنساني والاجتماعي الوجاهي، وفقا لمعايير صحية وقائية صارمة”.

ومن جانبه يرى رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة اليرموك الدكتور عبدالباسط العزام، أنه مثلما أثرت ظروف كورونا على الكثير من قواعد السلوك العامة المرتبطة بالمظاهر الاجتماعية المتعارف عليها، ألقت الجائحة بظلالها كذلك على طبيعة الفضاء التواصلي، الذي كان قبلها مباشرا، فحولته إلى فضاء افتراضي هجين وجديد.

ونبه العزام إلى أن الزيارات الوجاهية، هي الأكثر قدرة وقوة على رصد الانطباعات والحاجات والأفكار المتبادلة، مهما بلغت قوة التواصل عبر الشاشات الرقمية، مضيفا أن عملية التفاعل المباشر قد أصيبت بمقتل مهما حاولنا التخفيف من آثار الجائحة على التواصل الإنساني المباشر.

ويستدرك قائلا “أما وأننا نعيش والعالم أجمع حيثيات فترة استثنائية على أكثر من صعيد، فليس لنا إلا أن نساير الواقع بالاتكاء على الزيارات الافتراضية، لتحقيق حاجة اجتماعية، معنوية مُلحّة في التلاقي بين الناس، لافتا إلى أن تلك الزيارات سدت إلى حد ما، من فجوة غياب اللقاء المباشر”.

ويؤكد العزام أن الزيارة الافتراضية شأنها شأن المباشرة، من المستحسن أن ترتبط بهدف واضح يرهن بوقت زمني محدد، وسط التحلي بلياقة الحديث والحفاظ على خصوصية الزيارة وآدابها، ومنظومة القيم التي نستند إليها في حياتنا اليومية.

وتشدد منظمة الصحة العالمية عبر موقعها الإلكتروني على أهمية التواصل الاجتماعي، داعية إلى “التواصل بانتظام مع الأشخاص المقربين إليك عن طريق الهاتف وقنوات الإنترنت”.

وبدوره لفت مدرب الحياة نواف أبوجاموس إلى أن الزيارة الافتراضية مهما بلغت من تواصل، فقد أتت إلى حد ما على روح التواصل الإنساني الحسي، ويقول “كم احتجنا أن نعطف على آبائنا وأمهاتنا وأن نضمهم إلينا، خلال زيارة نعرب فيها عن عميق حبنا وحرصنا عليهم، ما ولّد  ألما اجتماعيا”.

ويستدرك أبوجاموس “قبل أن نشتاق للآخر ولزيارته، فقد اشتقنا في ظل كورونا لأنفسنا، للتعامل اليومي مع الأشياء، لوجوهنا بلا كمامات، لسلوكيات كانت قبل كورونا اعتيادية، وأصبحت بعدها مشوبة بالحذر والخطر، على أمل أن تتعافى البشرية، في موازاة لقاح بات هو الملاذ الأخير نحو عودة الحياة الاعتيادية إلى سابق عهدها”.

ونصح مدرب الحياة من يلوذ للزيارة الافتراضية طلبا للتواصل، أن يضخ بها صور التعبير الفضلى عن المشاعر، من خلال بث الطاقة الإيجابية، وملامح الوجه التي تعكس الصدق والاشتياق، وانتقاء الكلمات المعبرة عن الأمل.

21