مجموعات تطوعية تصطاد المتحرشين بالأطفال على الإنترنت والشرطة الهولندية تعترض

أمستردام - كانت الصدمة شديدة عندما تعرض جان، وهو معلم متقاعد يبلغ من العمر 73 عاما، لضرب مبرح كاد يودي بحياته بالقرب من منزله ببلدة أرنهايم الهولندية. وزادت الصدمة قوة عندما توفي جان في المستشفى بعد نقله إليه بوقت قصير، وقام جيرانه بوضع باقات من الزهور أمام باب منزله أثناء وقفات الحداد.
ولم يستغرق الأمر وقتا طويلا لإلقاء القبض على عصابة من ستة أشخاص، أصغرهم يبلغ من العمر 15 عاما اتهموا بارتكاب الجريمة. ولم تكن هذه العصابة سوى مجموعة من الأفراد، نصبوا أنفسهم لتنفيذ ما يعرف “بالقصاص الأهلي”، وهو توقيع العقاب وتنفيذ القانون بأيديهم على من يرونهم مجرمين، وهم في هذه الحالة الأشخاص المتحرشون بالأطفال أو الذين لديهم ولع جنسي بالصغار.
ويعترف هؤلاء الأفراد الذين يطلقون على أنفسهم وصف “صائدو المولعين جنسيا بالأطفال”، بأنهم تأكدوا بأن المعلم المتقاعد تنطبق عليه هذه الصفة، بعد أن جهزوا فخا للإيقاع به، فأعدوا ملفا شخصيا زائفا لقاصر على إحدى منصات تبادل الأحاديث مخصصة للمثليين، ثم انتظروا أن يحاول شخص ما الاتصال بالشخص المزيف.
وعندما تم الاتصال حدد الشخص المستهدف موعدا مع الشخصية الزائفة لممارسة الجنس، ولكن العصابة كانت هي التي في انتظاره في الموعد المحدد، وقال أفرادها إنهم عنفوه، ولكن نهاية المواجهة كانت مميتة بالنسبة إلى جان.
وهذه الحالة ليست وحيدة من نوعها، فهذه المجموعات من صائدي المتحرشين بالأطفال، صارت وبشكل يثير الصدمة أمرا شائعا في هولندا، وسجلت الشرطة 250 حالة مماثلة خلال الفترة بين يوليو وسبتمبر 2020.
ويقول سيمن كلوك وهو متحدث باسم الشرطة في المنطقة الشرقية من هولندا “هذه الحالات كثيرة بالتأكيد، وهي بدأت في الخروج عن السيطرة”.
وخلال الأسابيع القليلة الأخيرة فقط، سجلت الشرطة ثلاث حالات مماثلة، وتكررت حوادث اجتذاب الرجال الذين يتردد أنهم مولعون جنسيا بالقصر، للحضور عن طريق الإغراء إلى مكان ما ثم الاعتداء عليهم. ومن المعتقد أن العدد الحقيقي لهذه الحالات أعلى بكثير، حيث أن العديد من ضحايا الهجمات يشعرون بالخجل البالغ أو يخشون من الانتقام مما يثنيهم عن إبلاغ الشرطة.
ووفقا لما يوضحه كلوك، هناك أسباب أدت إلى ظهور هذا الاتجاه للجوء إلى “القصاص الأهلي” من جانب متطوعين. فقد ثارت موجة من الغضب بعد الأنباء التي ترددت عن إقامة حفل للمتحرشين بالأطفال، في أغسطس من العام الماضي.
وأسهمت نظريات المؤامرة في تغذية مشاعر الغضب، حيث تردد أن ثمة مجموعة من النخبة تسعى للتضحية بالأطفال في إطار طقوس شيطانية.
ويضيف كلوك “على رأس أسباب هذا الاتجاه، أن الناس أصبح لديهم المزيد من الوقت بسبب جائحة كورونا، وأضحوا يشعرون بالضجر”. ويتفق مع هذا الرأي جاميل رويتهوف محامي أحد المتهمين في هجوم بلدة أرنهايم، ويقول “فكرة بدء اصطياد المتحرشين بالأطفال جاءت بدافع الضجر”.
وتحدث معظم الحالات بنفس الطريقة، يلتقي الأشخاص المهتمون بهذه القضية على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك أو إنستغرام، مستخدمين أسماء مستعارة توحي بالمهمة التي سيقومون بها. ولدى بعض هذه المجموعات الآلاف من المتابعين، وتتم اعادة إرسال مقاطع الفيديو التي يبثونها على شبكة الإنترنت عشرات الآلاف من المرات. ويقولون إن دافعهم على ذلك هو الرغبة في حماية الأطفال.
ويقول ماكس وينين (27 عاما) وهو ناشط في مجموعة تقيم بالقرب من أمستردام، “إننا نشعر بالقلق على الصغار، ومثل أولئك المتحرشين يمكنهم أن يدمروا حياة الطفل”.
ويضيف وينين وهو أب يعمل محاسبا في مقابلة مع صحيفة “هت بارول” التي تصدر في العاصمة الهولندية، “أنتم تتركون الأطفال ليواجهونهم بمفردهم”.
ويتقمص أشخاص مثل وينين شخصيات بنات يبلغن من العمر 14 عاما على مواقع الثرثرة، ويحاولون إغراء الرجال بحوارات ذات إيحاءات جنسية، ثم ينقضون عليهم بمجرد العثور على شخص يوافق على لقاء.
وتبين مقاطع الفيديو على قناة يوتيوب مسار عمليات الاصطياد هذه، فيأتي رجال يرتدون غالبا ملابس عسكرية ويحيطون بهدفهم ويصرخون في وجهه. وأحيانا يتم وضع مساكات خانقة تشبه حبال المشانق حول رقاب المستهدفين، وفي بعض الأحيان يمارسون أشكالا أخرى من العنف. ويتحدث “الصيادون” بصوت عال عن حقهم في احتجاز المجرمين، وأحيانا يقومون بالاتصال بالشرطة.
ويتم تصوير كل هذه المشاهد وبثها على الإنترنت، وغالبا ما يتم ذلك مع الإعلان عن الأسماء الكاملة للمتهمين بالتحرش وعناوينهم. وقد يكتشف المتهمون الذين تم تصويرهم أن المجموعة التي واجهتهم قامت بالاتصال بأصحاب الأعمال التي يعملون بها، وكذلك بأصدقائهم وأسرهم وجيرانهم. وفي هذا الصدد يقول وينين “عندما نواجه متحرشا، نخبره أنه سيصبح من نجوم المجتمع غدا، ونحن نعمل على كفالة تضييق حرياتهم”.
لكن الشرطة ترى أن هذه الأعمال لا يمكن أن تستمر. ويؤكد كلوك المتحدث باسم الشرطة أن “غالبية أفراد هذه المجموعات يعرضون أنفسهم للملاحقة القضائية، لأنهم يريدون تنفيذ العدالة بأيديهم”. وفوق كل ذلك ليس من الأمور القانونية محاولة إغراء شخص ما على ارتكاب جريمة، وغالبا ما تكون الأدلة التي تجمعها هذه المجموعات غير مقبولة أمام المحكمة.
ودعت الشرطة وهيئات الادعاء لإنهاء عمليات الاصطياد هذه. وفي هذا الصدد يقول جون لوكاس وهو من هيئة الادعاء “يتعين أن نرسم خطا صارما هنا، فإذا كانت لديك شكوك جادة فعليك الاتصال بالشرطة”.