الفن التشكيلي في المغرب يستعين بالعالم الرقمي

تسبب انتشار فايروس كورونا في إغلاق العديد من المرافق والمؤسسات الثقافية والفنية، وهو ما أجبر الكثير منها على اللجوء إلى الفضاءات الافتراضية لضمان استمرارها. وهذا ما انتهجه الكثير من أروقة العرض التي قدمت أعمال الفنانين التشكيليين عن بعد لمحبي الفن والمولعين باقتناء الأعمال الفنية. لكنّ الانتقال إلى الفضاء الافتراضي لا يمكنه أن يكون بديلا عن الواقع، ما يتطلب حلولا أكثر ابتكارا.
الدار البيضاء– من البديهي القول إن النشاط الثقافي تضرر كثيرا بسبب أزمة فايروس كورونا، بحكم أنه جزء من الكثير من القطاعات التي تأثرت من تداعيات الوباء، سواء في المغرب أو في أي بلد آخر.
لكن النقطة المثيرة للاهتمام هي أن البعض من مهنيي قطاع الفن والثقافة كان عليهم أن يجتهدوا ويضاعفوا خيالهم ويبدعوا للحد من الآثار المدمرة التي سببتها هذه الجائحة.
وربما تكون تجربة بعض الأروقة الفنية في مدينة الدار البيضاء، والتي تعد من أكثر الأروقة دينامية في البلاد، حالة نموذجية لإرادة البقاء على قيد الحياة والتشبث بالاستمرار في الوجود وببساطة شديدة “الرغبة في عدم قبول موت محقق دون النزال في معركة” كما جاء في تعبير بعضهم.
اللجوء إلى الفضاء الافتراضي
لقد تأثر سلبا بعض مالكي ومديري الأروقة الفنية ومؤسسات العرض، بسبب قلة إقبال الفنانين الذين اعتادوا العمل معهم طوال السنة.
ومن ناحية أخرى كان عليهم الحفاظ على التواصل مع هواة جمع التحف والأعمال الفنية، الذين يرغبون في اقتناء لوحة أو أكثر لكسر حاجز الصمت ومواجهة تداعيات الحجر الصحي أيضا، ولذلك أصبحت الهجرة إلى العالم الرقمي ضرورة ملحة للترويج للأعمال الجديدة أو حتى تنظيم المعارض الافتراضية.
وفعلا قام الكثير من أصحاب هذه الأروقة بتسويق أعمالهم المعروضة عبر الإنترنت، وتوفير خدمات تذكي نهم عشاق الفنون التشكيلية.
وحسب آدم محفوظي، مدير رواق “كازا ديل آرتي”، فإن كل الوسائل كانت ملائمة خلال هذه الظروف الخاصة التي شكلت مناسبة للمضي قدما في إيجاد صيغ جديدة كفيلة بتفادي المخاطرة بالتوقف عن العمل.
وذكر محفوظي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه في مارس الماضي اضطرت جميع المؤسسات الثقافية والفنية إلى الإغلاق بعد إعلان حالة الطوارئ الصحية والحجر الصحي الإجباري، وأولاها بالطبع قاعات العروض وأروقة الفنون، ومع ذلك “لم يكن إسدال الستار أبدا مرادفا للتوقف عن العيش”، مشيرا إلى أن رواقه قام خلال تلك الفترة بتوسيع دائرة المعارض الافتراضية وعمل على الحفاظ على شبكة اتصالاته مع هواة جمع التحف الفنية والزوار.
وأردف قائلا “من الضروري اليوم إعادة التفكير في أدائنا وتواصلنا، ويتعين علينا في هذا الأمر تكثيف الزيارات الافتراضية للورشات والمعارض والتواصل بشأن الأعمال الفنية والإنتاج الخاص حول كوفيد – 19”.
وأشار محفوظي إلى أن “كازا ديل آرتي” ليست فقط رواقا فنيا، بل هي أيضا مدرسة للفن، مؤكدا أنه خلال فترة الحجر الصحي “كنا من بين الأروقة الفنية القليلة التي واصلت ورشات الرسم الأكاديمي والفنون التشكيلية عبر التناظر المرئي، ثم تداركنا الأمر لاحقا، عبر الحضور الفعلي طيلة فترة الصيف”.
وسجل أن بعض الأعمال المنتجة خلال هذه الفترة شكلت محور معرض مرئي يقام إلى غاية فبراير 2021 في “كازا ديل آرتي” ، التي تسعى لأن تكون “مدرسة فنية وأيضا منتجا للأحداث ومجمعا فنيا قبل كل شيء”.
الالتزام بالإجراءات
من جهته لم يتوان فهر الكتاني، المؤسس المشترك لـ”الغاليري 38″، عن التذكير بحقيقة لا جدال فيها، وهي أن الأزمة الصحية أثرت بشدة على معظم المقاولات الفنية والثقافية المغربية، مؤكدا أن صالات العرض الفنية تأثرت هي الأخرى بتداعيات الأزمة بحكم انخفاض معدل اقتناء الأعمال الفنية.
غير أن الأزمات، وعلى وجه الخصوص هذه الأزمة الصحية، كما يرى الكتاني، شكلت حافزا أيضا لهواة جمع الأعمال الفنية على اقتناء لوحات تشكيلية لافتة لفنانين ناجحين ومشهورين.
الهجرة إلى العالم الرقمي أصبحت ضرورة ملحة للترويج للأعمال الفنية الجديدة أو حتى تنظيم المعارض الافتراضية
وفي معرض حديثه عن مؤسسته قال الكتاني “لقد تكيفنا مع الحظر المفروض على العروض من خلال تنظيم زيارات يومية لمجموعات صغيرة جدا تضم أقل من 10 أشخاص مع الالتزام الصارم بالقواعد الصحية”.
وأشار إلى أن “الغاليري 38” استطاع إنتاج “الموجة البيضاء” في سبتمبر الماضي، وهو معرض مخصص لجيل من الفنانين المغاربة الموهوبين والرائدين ما بعد عام 2000.
واستفاد الرواق أيضا من كونه يتواجد في قلب “أستوديو الفنون الحية”، وهو مركز ثقافي وفني ديناميكي. وشدد الكتاني على أهمية التواجد على المستوى الرقمي لمواجهة قيود الأزمة الصحية وبالتالي الحفاظ على وضوح معين في المستقبل.
ومهما يكن من أمر، فإن أصحاب ومالكي الأروقة الفنية، مثلهم مثل باقي المهنيين في جميع مناحي الحياة، ينتظرون بفارغ الصبر بدء حملة التلقيح التي ستسمح في نهاية المطاف برفع القيود تدريجيا لاستعادة مزايا التجمعات والتظاهرات العمومية، والتي تبقى أمرا لا محيد عنه، لضمان استدامة الرافد الثقافي والفني.
ويصر الكثير من المتابعين للشأن الفني على أن الفضاء الافتراضي يمكنه أن يكون حلا داعما للفنون في الوقت الراهن، ولكن لن يكون بديلا عن الواقع، فالفن واقع قبل كل شيء، لذا يحاول الكثير من أصحاب قاعات العرض تمكين الجمهور من الحضور وتشجيع الفنانين على عرض أعمالهم، وذلك في إطار إجراءات استثنائية لتوفير تظاهرات آمنة صحيا، يمكنها إشباع مختلف الأذواق والحفاظ على الحركة الفنية.