أردوغان يقفز على الأزمات بالدعاية لحزبه

الرئيس التركي يختزل مستقبل بلاده في حزب العدالة والتنمية.
الثلاثاء 2021/01/26
يد فارغة وأخرى لا شيء فيها

في خضم تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا وموجة الانشقاقات التي عصفت به، وجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الترويج للطفرة الاقتصادية التي عرفتها تركيا خلال العشرية السابقة سبيلا لحشد الأنصار، متجاهلا الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد حاليا نتيجة سياساته.

إسطنبول - اختزل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين مستقبل تركيا في حزب العدالة والتنمية الحاكم، متجاهلا بقية المكونات السياسية والإرث السياسي والمجتمعي الذي كان له الفضل في الطفرة الاقتصادية التي تحققت في العشرية الأولى لحكم حزبه.

وقال أردوغان خلال مشاركته في المؤتمرات العامة لحزب العدالة والتنمية في 3 ولايات عبر تقنية الفيديو كونفرانس، إن حزبه “سيثبت للجميع بأنه جزء من مستقبل تركيا”.

وأضاف أن العدالة والتنمية هو حركة سياسية تميزت بأنها الحزب الأقدر على تجديد نفسه منذ تأسيسه وأنه سيثبت أنه ليس حزبا فقط للسنوات الـ18 الماضية، بل أنه سيكون جزءا من مستقبل تركيا.

وأوضح أن “ما تم إنجازه في تركيا خلال السنوات الماضية هو نجاح تم بالتعاون مع الشعب التركي”، مؤكدا أن الوصول إلى أهداف 2023 سيكون أيضا بدعم من الشعب.

وأكد أن العدالة والتنمية حقق قفزات نوعية في تركيا في مختلف المجالات من التعليم إلى الصحة ومن النقل إلى الطاقة ومن الرياضة إلى الخدمات الاجتماعية.

وقفز أردوغان على كل الحقائق التي مكنته من أن يقود تركيا، كما قفز على الأزمات التي أغرق فيها البلاد بفعل نهجه الصدامي الذي طبع العشرية الثانية من حكمه، سواء حين كان رئيسا للوزراء أو حين تولى الرئاسة مدفوعا بطموحات سلطوية وبحلم زعامة العالم الإسلامي.

وأيا كان الخطاب الاستعراضي الانتخابي الذي يسعى الرئيس التركي لتسويقه في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به بلاده، فإن كل المؤشرات الاقتصادية والسياسية تؤكد أنه لن يتمكن من حجب حقيقة أنه بقدر السرعة التي حقق فيها العدالة والتنمية نموا قياسيا في بدايات حكمه وإنجازات سياسية واجتماعية، بقدر سرعة الانحدار إلى هوة عميقة ومصير غامض.

ولا تخرج تصريحات الرئيس التركي عن سياق الدعاية الانتخابية المبكرة وقد عرف في السابق بقدرته على الاستقطاب والخطابات الدعائية واللعب على الوتر الديني والقومي، لكن في السنوات الأخيرة ومع دخول الاقتصاد في حالة ركود ومع اضطرابات لا تكاد تفارق العملة (الليرة)، ومع وتيرة قمع للحريات السياسية وحرية التعبير، فقدت تلك الخطابات زخمها.

كيف لحزب تنكر لبعض مؤسسيه ولقادة كان لهم دور سياسي في صنع أمجاد الحزب أن يشكل حاضر تركيا ومستقبلها

ومن الأسئلة الملحة التي ترافق خطابات أردوغان الموجهة لقاعدة حزبه الانتخابية، ما يتعلق بوضع العدالة والتنمية ذاته، فالحزب الذي يروج له كجزء وكصانع لمستقبل تركيا، أصبح أضعف بكثير مما كان عليه، بفعل انشقاق عدد من قادة الصف الأول ومن الشركاء المؤسسين على رأسهم رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أغلو والوزير الأسبق علي بابا جان.

والانشقاقات التي شهدها العدالة والتنمية جزء من صورة قاتمة، لكن ما خفي في كواليسه أكبر من مجرد انشقاق، على الرغم من أن الخوف خاصة في الصفوف الثانية للحزب، ألجم كثيرا من الأعضاء عن الخروج عن صمتهم خوفا من العقاب.

ويتساءل محللون كيف لحزب تنكر لبعض مؤسسيه ولقادة كان لهم دور سياسي صنع أمجاد الحزب في فترة من تاريخ تركيا مثل الرئيس السابق عبدالله غول، أن يشكل حاضر تركيا ومستقبلها؟

وكان لافتا حرص الرئيس التركي على تهميش وإقصاء الشخصيات الوازنة في حزبه ممن باتوا يشكلون منافسين جدّيين له، وممن خالفوه الرأي في قضايا مصيرية تتعلق بوضع تركيا دوليا وبسياسات خاطئة انتهجها ودفعت البلاد إلى الصدام مع الشركاء والحلفاء.

وكان أحمد داود أغلو قد أعلن ذلك صراحة بعد انشقاقه وتأسيسه حزبا منافسا للعدالة والتنمية، مشيرا إلى تفرد الرئيس بالقرار وإلى انتهاجه سياسات عمقت أزمة تركيا وأفقدتها حلفاءها.

كما تساءل في أحد التصريحات كيف يتم تسيير شؤون الدولة دون الاستئناس بآراء المختصين وخبراء الاقتصاد؟

وكان يشير حينها إلى معارك الرئيس لخفض قيمة الفائدة وإلى حملة الانتقام من كفاءات في الحكومة. وفي البنك المركزي عارضت تدخلات أردوغان في السياسة النقدية وحذّرته من نتائج كارثية لنهجه الصدامي مع الاتحاد الأوروبي ومن التدخلات العسكرية الخارجية ومن حملات القمع واستهداف الخصوم السياسيين.

وأطلق أردوغان في الأشهر القليلة الماضية خطة إصلاحية شاملة وعد خلالها بتحسين وضع حقوق الإنسان وبتصحيح مسار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وبتعزيز الديمقراطية والحريات، بينما توغل أجهزته في القمع وتعج السجون التركية بالمئات من معتقلي الرأي والمعارضين.

واعتمد لهجة مهادنة في خطاب موجه للداخل والخارج في تطور يعتبر انعطافة في سياساته، لكن المتابعين للشأن التركي رأوا في ذلك انحناءة للعاصفة مع المتغيرات التي طرأت على المشهد السياسي في الولايات المتحدة بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة، والذي من المتوقع أن يفرض عقوبات اقتصادية على تركيا قد تعمق أزمة البلاد ومن خلفها أزمة الرئيس العالق في أكثر من مأزق.

وحتى المفاوضات الجارية مع الاتحاد الأوروبي تبدو غير مضمونة في ظل مناخ متوتر مشوب بانعدام الثقة في الشريك التركي وفي تقلباته بين موقف ونقيضه فكانت الرسالة الأوروبية واضحة لأردوغان: نريد أفعالا لا أقوالا.

5