هل حقا سوريا آمنة لاستقبال اللاجئين المرحّلين من أوروبا

عقبات دبلوماسية وإنسانية أمام ترحيل السوريين من ألمانيا.
السبت 2021/01/23
ألمانيا أمام امتحان أخلاقي

بعد تعليق ألمانيا لعمليات الترحيل إلى سوريا، منذ العام 2012، بسبب النزاع الدامي المستمر، استأنفت برلين ترحيل السوريين المدانين بجرائم أو أولئك الذين تعتبرهم خطيرين. لكن، وعمليا، يصطدم تنفيذ القانون بعقبات كبيرة، فقد قطعت ألمانيا علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، وليس لديها متحدث باسمها في سوريا كغيرها من الدول الأوروبية.

برلين - يرى الرئيس الجديد لمؤتمر وزراء الداخلية الألمان توماس شتروبل، عقبات كبيرة أمام ترحيل لاجئين مرفوضين إلى سوريا، حتى بعد وقف ألمانيا حظر الترحيل الشامل إلى البلد الذي يعاني من الحرب الأهلية.

وقال وزير الداخلية المحلي لولاية بادن-فورتمبرغ “المصنفون على أنهم خطيرون أمنيا في بلدنا لم يعد بإمكانهم الاعتماد على حظر الترحيل”، موضحا في المقابل أنه يتعين استيفاء العديد من الشروط أولا، “حتى يمكن ترحيل حالات فردية إلى سوريا”.

وانتهى حظر الترحيل إلى سوريا، الذي كان ساري المفعول منذ عام 2012، في نهاية عام 2020، بعدما دفع التحالف المسيحي، الذي تنتمي إليه المستشارة أنجيلا ميركل في هذا الاتجاه.

ووفقا لوزارة الداخلية الاتحادية، هناك 89 سوريا إسلاميا مصنفين على أنهم خطيرون أمنيا في ألمانيا. والخطيرون أمنيا هم الأشخاص الذين لا تستبعد سلطات الأمن في ألمانيا ارتكابهم جرائم جسيمة ذات دوافع سياسية.

وذكر شتروبل أن ولايته بإمكانها ترحيل نحو عشرة من الجناة أو الخطيرين أمنيا إلى سوريا، إذا أصدرت الهيئة الاتحادية لشؤون الهجرة واللاجئين قرارا بإلغاء حظر الترحيل عن هؤلاء الأشخاص.

وأشار شتروبل إلى أن هناك شرطا آخر للترحيل إلى سوريا، وهو وجوب مراجعة ومراعاة الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في كل حالة على حدة، وقال “ثالثا يجب أن تتوفر عمليا إمكانية إعادة شخص”، موضحا أن هذا يعني أنه يجب أن تكون هناك مناطق آمنة في سوريا يمكن الترحيل إليها.

توماس شتروبل: لا بد من استيفاء عديد الشروط حتى يتم الترحيل إلى سوريا
توماس شتروبل: لا بد من استيفاء عديد الشروط حتى يتم الترحيل إلى سوريا

ويلعب تقييم وزارة الخارجية الألمانية للوضع هناك دورا مهما في هذا الأمر. وجاء في أحدث تقييم للوزارة أن “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قبل جهات فاعلة مختلفة” لا تزال تحدث في جميع أنحاء سوريا.

وتبقى قرارات الترحيل رهن قرارات المحاكم الألمانية فقط، إذ لا يمكن لأي وزارة أن تتخذ القرار دون الرجوع إلى القضاء.

والعراقيل القانونية للترحيل إلى سوريا كبيرة، فوفقا للمادة 33 من اتفاقية جنيف للاجئين، لا يُرحل إلا الأشخاص الذين يعتبرون “خطرا على أمن البلد” أو “يشكلون خطرا على مجتمع ذلك البلد”. وسابقا قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قبل 30 عاما، بأن الدول المُرحلة يجب أن تضمن ألا يواجه المُرحَّلون خطرا على الحياة في البلد المستهدف.

وحتى الآن لا يزال الوضع في سوريا مقلقا. ووفقا لآخر تقرير أمني للأمم المتحدة عن سوريا في سبتمبر، “يستمر قتل السوريين ويعانون من صعوبات شديدة وخطيرة وانتهاكات الحقوق”.

وكشفت المنظمات الدولية مثل منظمة العفو الدولية، أن العديد من اللاجئين السوريين الذين يعودون إلى وطنهم قسرا أو طوعا، يتعرضون للاعتقال والاستجواب والسجن.

ووفقا لشهادات من لاجئين عائدين إلى سوريا، فإن قوات الأمن السورية قامت بالتحقيق معهم فور وصولهم، حسب ما أكدت منظمة العفو. واعتُقل العديد منهم في ما بعد أو تم تجنيدهم في الجيش.

ويُظهر التقرير الأمني للأمم المتحدة “أن عمليات الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والتعذيب ما زالت مستمرة” في دمشق وغيرها من المناطق الآمنة المزعومة من البلاد.

وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، اختفى أكثر من 600 عائد دون أن يترك أثرا بين 2014 ومنتصف 2019. علاوة على ذلك، أفاد المعهد الأوروبي للسلام بأن الحكومة السورية تحتفظ بقائمة من المطلوبين تضم حوالي ثلاثة ملايين اسم.

وكان الصحافيون والعاملون في المنظمات غير الحكومية والسياسيون المحليون وعمال الإنقاذ هم الأكثر تضررا بشكل خاص.

وفي أوروبا، لم تحدث أي عمليات ترحيل حتى الآن. والدولتان الوحيدتان اللتان غيّرتا سياسات اللجوء الخاصة بهما في ما يتعلق بالأشخاص من سوريا الذين يطلبون الحماية، هما الدنمارك والسويد، في حين أن الأولى لم تعد تمدد حق الإقامة للسوريين القادمين من دمشق والمنطقة المحيطة بها، فإن السويد لم تمنح طالبي اللجوء السوريين الذين يأتون الحماية تلقائيا.

ويقول وزير داخلية ولاية سكسونيا السفلى شمال غربي ألمانيا بوريس بستوريوس، “إن انتهاء قرار وقف الترحيل الخاص بالسوريين لن يسهل إجراء عمليات الترحيل لهم”.

ويضيف بستوريوس “لا توجد الآن رحلات جوية مباشرة إلى سوريا، ولا توجد علاقات مع نظام بشار الأسد”، متسائلا “أريد أن أعرف ما إذا كانت الحكومة الألمانية مستعدة لإقامة علاقات دبلوماسية مع النظام الإجرامي لبشار الأسد”.

وعلّقت ألمانيا منذ العام 2012 عمليات الترحيل إلى سوريا بسبب النزاع الدامي، الذي أسفر خلال قرابة عشرة أعوام عن أكثر من 380 ألف قتيل والملايين من اللاجئين وتحوّل البلد الذي يحكمه الرئيس بشار الأسد بقبضة من حديد إلى ساحة خراب.

وكان يقيم في ألمانيا بموجب وضع خاص يمنح للأشخاص الذين تُرفض طلباتهم للجوء، ولكن لا يمكن ترحيلهم.

5