كيف يهدد اتفاق سنجار الهش استقرار المنطقة

يواجه العراق مشاكل سياسية معقدة ومن أصعبها تلك التي تهم السكان في المناطق الحدودية مع سوريا وتركيا، وهناك يتفاعل إرث الحروب المستمرة منذ سنوات مع النزاع الإقليمي الأوسع. ولعل التسوية الهشة بين الحكومة الاتحادية ببغداد وإقليم كردستان حول سنجار تعكس مدى التهديد الذي قد تخلفه تلك التسوية ليس داخليا فقط، بل وعلى المنطقة إذا لم يتم تعديلها سريعا.
بغداد - في أكتوبر الماضي، وقّعت الحكومة الاتحادية في بغداد اتفاقية إعادة الاستقرار وتطبيع الوضع في قضاء سنجار، وهي اتفاقية أمنية مشتركة مع حكومة إقليم كردستان بشأن البلدة الإيزيديّة الواقعة ضمن محافظة نينوى، التي سقطت في قبضة تنظيم داعش في 2014، وشهدت حينذاك إبادة جماعية ضد سكانها.
وتقع سنجار في موقع استراتيجي في المنطقة الشمالية الغربية من نينوى، على حدود محافظة الحسكة السورية من الشمال الغربي ومحافظة سيلوبي/ سيرناك التركية إلى الشمال الشرقي ويشكل موقع المدينة في المنطقة المتنازع عليها بين بغداد وأربيل محل تنافس بين الطرفين.
وبعد أشهر من إبرام الاتفاق يحاول المراقبون تقييمه، وقد قامت شاميران ماكو من جامعة بوسطن بتسليط الضوء في ورقة بحثية نشرها معهد لوفير الأميركي المعني بدراسات الأمن القومي حول كيف أن السخط بين المجتمعات المحلية قد يهدد هذه التسوية الهشة والاستقرار بشكل عام.
منطقة استراتيجية
يبدو أن الوقائع على الأرض في سنجار لا توحي بوجود مؤشرات حقيقية لتطبيق الاتفاق بشأن تطبيع الأوضاع فيه، فالقضاء الواقع في منطقة استراتيجية لا يشهد استقرارا أمنيا ولا إداريا ولا عودة للنازحين منه، ناهيك عن وجود خلافات بين سكان القضاء في ظل تعدد القوى المسيطرة على أمن المنطقة.
وتقول ماكو إنه بينما يهدئ الاتفاق التوترات المستمرة بين النخب العراقية والكردية، فإنه لا يرقى إلى مستوى تلبية المطالب المحلية لتسوية سياسية شاملة وأنه ما لم تصبح الأقليات المحلية أصحاب مصلحة إلى جانب الحكومات الوطنية والمحلية، ستستمر المفاوضات الحصرية في منع حل النزاعات في واحدة من أكثر المناطق هشاشة بالبلاد.
وتعرضت سنجار ذات الغالبية الإيزيدية لاجتياح داعش مما أدى إلى وقوع جرائم إبادة جماعية ضد سكان المنطقة، كما اختطف التنظيم أكثر من 6 آلاف مدني، مازال مصير أكثر من نصفهم مجهولا، بالإضافة إلى نزوح أكثر من 300 ألف آخرين إلى إقليم كردستان.
وكانت قوات البيشمركة الكردية تسيطر على المنطقة منذ 2003 لكنها انسحبت عند هجوم داعش تكتيكيا، كما قال الحزب الديمقراطي الكردستاني آنذاك دون أن يوضح أي سبب مقنع للإيزيديين، فدخلت حينها مجموعة مسلحة تابعة لحزب العمال الكردستاني إلى المنطقة بحجة الدفاع عن الأقلية الإيزيدية.
وتتشابك المناطق المتنازع عليها مع نقاط ترابط استراتيجية مختلفة لبغداد وأربيل فالموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق تقع في الشرق وحكومة إقليم كردستان من الشمال والحدود السورية من الغرب، وتشمل الأراضي خانقين وكركوك وسهول نينوى وتلعفر ومندلي وطوز خورماتو وسنجار.
وتعد هذه المناطق من أكثر مناطق العراق تنوعا عرقيا ودينيا وهي موطن لأقليات كبيرة بما في ذلك الإيزيديين والمسيحيين الآشوريين والتركمان والكاكائيين والشبك، كما أنها من أكثر مناطق العراق ثراءً بالموارد.
وتمثل مدن مثل كركوك وأربيل والموصل ما يقدر بنحو 20 في المئة من احتياطيات النفط في البلاد، حيث تحتوي كركوك وحدها على 9 مليارات برميل من احتياطيات النفط المؤكدة التي تديرها شركة نفط الشمال العراقية.
وتشير بعض التقديرات إلى أن المنطقة تحتوي الأراضي المتنازع عليها على ما يقرب من 25 مليار برميل من احتياطيات النفط ، مما يجعل المنطقة مصدرًا للموارد لكل من الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان.
وتطرح الباحثة ماكو في ورقتها البحثية سببين رئيسيين جعلا المنطقة تشهد توترات بين بغداد وأربيل، في ظل الخلافات بين بعض المكونات التي تعيش في سنجار وكل الأطراف المتداخلة فيها.
أولا، يعكس عدم تمثيل أصحاب المصلحة الإيزيديين في المفاوضات الخاصة بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في أكتوبر نمطًا من الإهمال على المستويين الوطني والمحلي. فغالبًا ما تعتمد النخب في بغداد وأربيل على النخب المختارة بدلاً من الحوار مع منظمات المجتمع المدني.
ويتمثل السبب الثاني في استبعاد المجتمعات المحلية من مرحلة التنفيذ، لاسيما الخطط المتعلقة بتقديم مرشحين لرئاسة البلدية ودمج المقاتلين الإيزيديين الذين حملوا السلاح ضد داعش، وبناء مشاركة المجتمع في جهود إعادة الإعمار.
قنبلة موقوتة
رغم دعم الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية، قوبلت الاتفاقية باستياء من المجتمع الإيزيدي. ويعكس الاتفاق من بعض النواحي جهود الإصلاح الأخيرة التي قام بها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لاسيما تركيزه على تعزيز السيطرة على الجماعات شبه العسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المكانة المتميزة لحكومة إقليم كردستان في المفاوضات تتناسب مع السياق السياسي الأوسع. وتتوقف فترة حكم الكاظمي على إقناع النخب الكردية في حكومة إقليم كردستان بدعم ترشيحه في الانتخابات المقبلة في عام 2021، من خلال مساندة مطالب حكومة إقليم كردستان باستعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليها.
ومنذ الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، حاول العديد من صناع السياسة في الولايات المتحدة والعراق معالجة المظالم المحلية، ولكن دون جدوى. ولم تعالج مواد القانون الإداري الانتقالي المؤقت للعراق الصادرة عن سلطة التحالف المؤقتة لعام 2004 وإدماجه لاحقا في المادة 140 من الدستور العراقي لعام 2005، وضع الأراضي المتنازع حتى الآن.
وبعد تحرير المنطقة من سيطرة داعش في نوفمبر 2015 توافدت مجاميع من مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي إلى جبل سنجار، وبعد أحداث الاستفتاء في عام 2017، وانسحاب قوات البيشمركة باتت تلك القوات وميليشيات الحشد الشعبي هي من تسيطر على المنطقة وعينت إدارة للقضاء من طرفها.
وتوجد في المنطقة قوات تتبع لوزارة البيشمركة لإقليم كردستان ولكن تواجدها محدود. وتتركز على مزار شرف الدين، المزار الثاني من حيث القدسية لدى الإيزيديين، ولا سلطة أمنية لها على المنطقة، لدرجة أن بعض المحللين يعتبرون سنجار الآن عبارة عن قنبلة موقوته قابلة للانفجار في أي لحظة قد تزيد من مأساة أهاليها رغم دخول قوات أمنية اتحادية إلى القضاء لبسط الاستقرار.
ويتهم العديد من الإيزيديين العربَ السنّة المحليين بدعم داعش. ومنذ سقوط التنظيم تصادم العرب السنة مع الميليشيات الإيزيدية وقُتل عدد من هؤلاء العرب، وفي نفس الوقت، يرفض العديد من الإيزيديين البيشمركة الكردية، التي تعتبر منطقة سنجار جزءا من منطقتها.
وقد أدى غياب القادة الإيزيديين وأصحاب المصلحة عن المفاوضات إلى تضخيم المظالم الطويلة الأمد بين السكان المحليين وبغداد وأربيل، وفقا لهادي بير المؤسس المشارك ونائب رئيس يازدا، وهي منظمة للدفاع عن الإيزيدية، إلى حذف تفاصيل مهمة في الاتفاقية حول التخطيط الاستراتيجي والتنفيذ.
ويتفق المراقبون على أن هناك حاجة إلى المزيد من الوضوح في ما يتعلق بنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج -إن أمكن- للقوات الإيزيدية التابعة لحزب العمال الكردستاني وكذلك عملية اختيار مرشح لرئاسة البلدية لا ينتمي إلى كتل سياسية قوية وتوفير الشرطة والرقابة الأمنية لتقليل التدخل في الشؤون المحلية الإيزيدية.