بغداد تفتح ملف الخلافات المائية مع أنقرة بيد خالية من أوراق الضغط

لا ضمانات تركية للعراق حيال ملف شائك بل مجرد وعود فضفاضة.
الاثنين 2021/01/11
أي مصير إذا قُطعت مياه الرافدين؟

العراق الذي فتح ملف الخلاف مع تركيا حول مياه نهر دجلة بشكل عملي ويلح في التوصّل إلى حلول عملية لهذا الملف المصيري بالنسبة إليه، سيقف بعد أيام على حقيقة موقف أنقرة من قضية المياه وما إذا كانت التطمينات التركية بشأنها جادّة أو مجرّد وعود هادفة لكسب ودّ بغداد دون تقديم أي شيء ملموس لها.

بغداد – يحيط الغموض بمصير الخلافات المائية بين العراق وتركيا، قبيل توجّه وفد رفيع من بغداد إلى أنقرة سعيا وراء التوصل إلى توافق معها بشأن توقيع بروتوكول بين الجانبين العراقي والتركي يتعلق بتنظيم الحصّة المائية لكلّ من البلدين في نهر دجلة.

وقال وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد، الأحد، إن بلاده سلمت تركيا رسميا بروتوكول التعاون في المجال المائي الذي أقره مجلس الوزراء مؤخرا. وسيرأس رشيد وفدا حكوميا في زيارة رسمية إلى تركيا بتاريخ الخامس عشر من يناير الجاري، لغرض التفاوض بشأن بروتوكول التعاون.

مهدي رشيد: نقاشنا مع تركيا يتركز على الإطلاقات المائية المطلوبة
مهدي رشيد: نقاشنا مع تركيا يتركز على الإطلاقات المائية المطلوبة

وأضاف رشيد في تصريحات صحافية أن “مسودة البروتوكول المائي التي ستجري مناقشتها مع تركيا تتضمن الإطلاقات المائية المطلوبة، بالتنسيق مع الجانب التركي”.

ويعتمد العراق في تأمين المياه بشكل أساسي على نهري دجلة والفرات، وروافدهما التي تنبع جميعها من تركيا وإيران وتلتقي قرب مدينة البصرة جنوبي العراق لتشكل شط العرب الذي يصب في الخليج.

ويعاني العراق منذ سنوات من انخفاض متواصل في الإيرادات المائية عبر نهري دجلة والفرات، بينما يربط خبراء عراقيون الظاهرة بمضاعفة تركيا لاستغلالها لمياه النهرين عبر مشاريع مائية ضخمة أقامتها بالخصوص على نهر دجلة.

وشكل شح المياه في دجلة، خلال الأعوام القليلة الماضية، صداعا لصناع القرار السياسي في العراق، بعد دخول سلسلة سدود تركية الخدمة ضمن ما يعرف بمشروع “غاب”، حيث تأثرت بشدة معدلات تدفق المياه في النهر الذي ينبع من جنوب شرق الأناضول، ويصب في شط العرب المرتبط بالخليج العربي.

وعانت مناطق جنوب العراق من عطش قاتل بعد العام 2014، بسبب الفوضى الأمنية وفشل الحكومة في تأمين تدفق مياه نهر دجلة. ولولا زيادة معدلات الأمطار خلال العامين الماضيين في العراق، لتعرضت البلاد إلى كارثة مائية كبيرة.

ولا يقع الذنب على تركيا فقط في ملف المياه، بل تتحمل حكومات ما بعد 2003 في العراق الجانب الأكبر من اللوم، حيث لم تفعل شيئا تقريبا على مستوى تطوير البنى التحتية في هذا المجال، من سدود وبحيرات ومشاريع جانبية ساندة.

وتتجنب بغداد تصنيف الخلاف حول تدفقات مياه نهر دجلة مع تركيا، الذي تعتمد عليه مساحات زراعية وسكنية كبيرة من شمال البلاد إلى جنوبها، ضمن الملفات السياسية، مفضلة عقد تفاهمات تقنية مؤقتة مع أنقرة في هذا الصدد.

وعندما تشكلت حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي العام الماضي، وضعت ملف مياه دجلة على رأس أولوياتها، متعهدة بالتوصل إلى حلول جذرية له.

وأعدت وزارة الموارد المائية في حكومة الكاظمي بروتوكولا للتعاون مع أنقرة في ملف المياه يستند إلى “مبدأ الإنصاف والعدالة في توزيع الحصص المائية وضمان حقوق العراق المائية”، فيما عبرت تركيا عن استعدادها لتوقيعه، لكنها طلبت مهلة شهرين لدراسته.

ويقول مراقبون في بغداد إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يريد أن يضمن بناء تحالف وثيق مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لكنه يأمل ألا يكلفه هذا التحالف شيئا.

Thumbnail

وتدرك بغداد أن أنقرة تريد أن تبقي ملف مياه دجلة معلقا، لاستخدامه ظرفيا، لكنها تواصل الضغط على أمل توقيع اتفاق ملزم.

وعندما زار الكاظمي تركيا الشهر الماضي، وجد أن لدى أردوغان خطة مماثلة لتحقيق أكبر فائدة من مياه نهر دجلة، لكنها تنطلق من وجهة نظر تركية. ومع ذلك أبلغ الرئيس التركي رئيس الوزراء العراقي حينها بأنه “لا ينبغي تقييم المياه كعامل خلاف، بل كمجال للتعاون”.

وتقوم مسودة البروتوكول العراقي على فكرة جوهرية تتعلق بحجم المياه التي يجب أن تتدفق في نهر دجلة سنويا حتى نقطة المصب. وتقول مصادر سياسية إنّ تركيا لم تبد القدر اللاّزم من التفهم لحقيقة أي نقص في هذه الإمدادات سينعكس بشكل سلبي مباشر على العراق، ولاسيما مدنه الجنوبية الفقيرة.

ومنتصف الشهر الجاري، سيتوجه وفد عراقي برئاسة مهدي رشيد إلى أنقرة لبحث مسودة البروتوكول المائي بين البلدين، وإمكانية توقيعه في أسرع وقت. وقالت مصادر مطلعة إنّ العراق ليست لديه ضمانات واضحة بشأن توقيع تركيا على هذا البروتوكول وسط نوع من الضبابية التي تحيط برؤية أنقرة العامة لملف المياه.

لكن رشيد يقول إن “مسودة البروتوكول المائي التي ستجري مناقشتها مع تركيا، ستتم ترجمتها في شكل أرقام وواقع بالنسبة للإطلاقات المائية المطلوبة، بالتنسيق مع الجانب التركي”، مبينا أن “الخطوة التي بادرت بها الحكومة ووزارة الموارد المائية لم يسبق للوزارات المتعاقبة والحكومات السابقة أن أقدمت عليها، إذ أن الوزارة هي من طلبت وقدمت صيغة التعاون التي يراد أن تكون مع الجانب التركي”.

وأكد رشيد ثقته بتعامل الجانب التركي مع هذا الملف بصورة واقعية مشيرا إلى وجود “رغبة حقيقية بين الجانبين العراقي والتركي في حلحلة هذا الملف، وأن هناك تجاوبا ملموسا من قبل تركيا” للتوصّل إلى حلّ.

ويقول مراقبون إن ملف المياه قد يكون إحدى أوراق قوة الكاظمي وتأكيد براعته في ملف العلاقات الخارجية، في ظل التعقيدات الداخلية التي يواجهها وصعوبة إحراز تقدم ملموس فيها. وتقول المصادر إن زيارة الوفد العراقي منتصف الشهر إلى أنقرة ستكشف لبغداد حقيقة الموقف التركي بشأن مياه دجلة وستبين مدى إمكانية توقيع اتفاقيات جادة في هذا الملف.

3