الثروة والموقع ومضايقة فرنسا تثير أطماع تركيا في إقليم فزان الليبي

الجيش الليبي يئد مخططا للسيطرة على سبها ومصر تنفتح على الإقليم لمواجهة محاولات التمدد التركي.
الجمعة 2021/01/08
الهروب من الواقع مفيد أحيانا

الخط الأحمر في سرت والجفرة الذي رسمته مصر أدى إلى تقليص الطموحات التركية وأوقف المرتزقة ومنعهم من دخول شرق ليبيا. لكنّ أطماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتقلت إلى إقليم فزان ذي الثروة والموقع الاستراتيجي لوضع موطئ قدم له هناك، وبالتالي استفزاز فرنسا ومضايقتها في المنطقة. إلا أن أنقرة تواجه صدا منيعا من قبل الجيش الوطني، الذي أحبط محاولة جديدة للسيطرة على سبها عاصمة الإقليم.

تونس- لا تتوقف محاولات تركيا لتنفيذ مخطط قديم تم إحياؤه في السنوات الأخيرة والمتمثل في توسيع نفوذها في المغرب العربي من بوابة ليبيا، حيث يزيد انخراطها في شؤون البلد في تعقيد أي مساع للتسوية السلمية بين الفرقاء، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بإقليم فزان الاستراتيجي.

ويرى مراقبون أن المخابرات التركية تلعب على وتر الفتنة العرقية والقبلية للتغلغل في الجنوب الليبي الغني بالثروات وذي الموقع الاستراتيجي المهم باعتباره بوابة الصحراء الكبرى، والمفتوح على دول مرتبطة تاريخيا بفرنسا التي تشهد علاقاتها مع أنقرة توترا شديدا.

ويشير هؤلاء إلى أن نظام أردوغان يعتمد في جانب مهم من خطته على الجماعات الإرهابية متعددة الجنسيات، وذلك عبر الدفع بها إلى التغلغل في الأوساط الاجتماعية بالمدن والقرى وخاصة منها ذات التنوع العرقي والقبلي.

موقع استراتيجي

سعيد مغيب: الإخوان المسلمون يريدون جرّ سبها للمواجهة المسلحة
سعيد مغيب: الإخوان المسلمون يريدون جرّ سبها للمواجهة المسلحة

على مساحة أكثر من نصف مليون كلم مربع يمتد إقليم فزان الواقع جنوب غرب ليبيا، والذي لا يتجاوز عدد سكانه نصف مليون نسمة أي نحو 8 في المئة من العدد الإجمالي لسكان البلاد، وهو يزخر بالثروات كالنفط والغاز والماء، إلى جانب المعادن ومنها الذهب واليورانيوم والحديد والزنك والفوسفات ويعتبر أحد أبرز مصادر السيليكون في العالم.

ولا تقتصر أهميته على ذلك فقط، بل يمتلك أراض يمكن أن تشهد ثورة زراعية متقدمة، فضلا عن الجذب السياحي والبحيرات الصحراوية، والآثار التي توثّق بصمات البشر قبل عشرة آلاف عام، والتنوع الثقافي الثري سواء للعرب أو التبو أو الطوارق.

ويعتبر الإقليم البوابة الشمالية للصحراء الكبرى الأفريقية، وهو مفتوح على ثلاث دول هي الجزائر والنيجر وتشاد، الأمر الذي يدفع بالكثير من القوى الإقليمية والدولية إلى الاهتمام به.

وتحوّل الإقليم في السنوات الماضية إلى حدّ جنوبي لأوروبا باعتباره معبرا رئيسيا للاتجار بالبشر والتهريب من دول الصحراء إلى مناطق الساحل الغربي لليبيا قبل الدفع بهم إلى قوارب الموت لنقلهم إلى الضفة الشمالية للمتوسط، إضافة إلى تحرك الإرهابيين عبر الصحراء، وخاصة من تنظيمات داعش والقاعدة وبوكو حرام.

ويحتل الإقليم أهمية قصوى لفرنسا التي سيطرت عليه ما بين العام 1943 و1951 بعد طردها القوات الإيطالية منه، وترى فيه عمقا استراتيجيا مهما لمستعمراتها السابقة وبوابة لمصالحها في منطقة الساحل والصحراء، وبالمثل تنظر إليه الجزائر كامتداد لأمنها القومي، وهو ذات الموقف الذي أعلنت عنه مصر.

ولذلك، تحاول تركيا التسلل إلى الإقليم لبسط نفوذها على ثرواته ولاستغلاله منفذا نحو دول الجوار الأفريقي حيث لديها علاقات متقدمة مع جماعات الإسلام السياسي وكذلك لتصفية حساباتها مع باريس، التي ترى فيها النقيض الأبرز لمشروعها بالمنطقة.

وسعت أنقرة إلى وضع موطئ قدم لها في فزان سواء من خلال الميليشيات والمرتزقة أو الفعاليات القبلية وجماعات الإسلام السياسي، وحاولت تموين حزام لمشروعها هناك من خلال علاقاتها مع الجزائر، وعقدها اتفاقيات عسكرية مع النيجر، ومساعيها المتواصلة لاختراق تشاد وهو ما تأكد عبر الاتفاق المبرم بين البلدين في يناير 2019.

ويتعلق الاتفاق التركي مع تشاد بالتعاون العسكري من حيث الصناعة وتطوير الأسلحة والمعدات العسكرية، بالإضافة إلى تبادل المعلومات والخبرات في الإنتاج المسلح مع بيع معدات لوزارة الدفاع التشادية، وسط تكتم على مواد شملتها الاتفاقية وتوجه لعدم مشاركة البيانات أو المعلومات بينهما مع أي دولة ثالثة حتى بعد انتهاء مدة العقد المقررة بخمسة أعوام.

وكان موقع “أفريكا أنتليجنس” قد كشف مؤخرا عن محاولات تركيا إقامة اتصال مع القبائل التي تسيطر على منطقة فزان من خلال منظمة غير حكومية، ولفت إلى أنه “مع استقرار الجبهة الشرقية الغربية الآن على جانبي محور سرت الجفرة تضع تركيا بيادقها في الجنوب، الأمر الذي يهدد بأن يصبح المسرح المقبل للاشتباكات في الصراع الليبي”.

وفي نوفمبر الماضي، دعت مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية زعماء القبائل الرئيسة في جنوب ليبيا، بمن فيهم الزعيم الأعلى لقبائل الطوارق مولاي قديدي ورئيس المجلس الموحد لقبائل التبو محمد وردوغو، ووكيل وزارة أسر الضحايا والمفقودين السابق محمد سيدي إبراهيم وهو الرجل الثاني في مجلس التبو، ورئيس المجلس الأعلى للأمازيغ محمد بن طالب، وحسن موسى كيلي القائد العسكري للتبو المتحالف مع حكومة الوفاق وعضو حرس المنشآت البترولية.

إحباط المخطط التركي

أنقرة سعت إلى وضع موطئ قدم لها في فزان سواء من خلال الميليشيات والمرتزقة أو الفعاليات القبلية وجماعات الإسلام السياسي
أنقرة سعت إلى وضع موطئ قدم لها في فزان سواء من خلال الميليشيات والمرتزقة أو الفعاليات القبلية وجماعات الإسلام السياسي

يجمع المراقبون على أن ما حصل في مدينة سبها، عاصمة إقليم فزان، الاثنين الماضي، كشف عن فشل ذريع للمخططات التركية في البلاد، وكذلك عن فقدان الإخوان لأي شرعية مجتمعية، عكس الجيش الوطني الذي يحظى بالتفاف شعبي حول مشروعه.

وكان الجيش الوطني الليبي قد تصدى لمحاولات تمركز قوات موالية لنظام أردوغان في سبها، وقد أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة عن رصد وحداتها بمنطقة سبها العسكرية تحركات لعناصر وصفتها بـ”التخريبية” تابعة للمجلس الرئاسي، وتعمل بأوامر من تركيا.

وقالت في بيان لها إن تلك التحركات جاءت بأوامر من المخابرات التركية التي تقود عمليات لدعم جماعة الإخوان المسلمين والعصابات التكفيرية، محذرة “كل من تسول له نفسه المساس بالأمن والاستقرار في سبها ومحيطها”.

وبعد استيفاء المعلومات تأكد أن تلك العناصر تلقت أموالا لزعزعة الأمن والاستقرار في الجنوب الليبي، وخاصة سبها، وتقوم بتجنيد مرتزقة أجانب. وقد أكد عبدالقادر النعاس آمر منطقة سبها العسكرية قيام وحدات من المنطقة بالتصدي لتلك “الشراذم وفلول التطرف والجريمة، وسيطرت على مقرها بأحد النوادي الرياضية في المدينة”.

وأوضح العميد خالد المحجوب، مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني الليبي، أن النظام التركي صاحب المصلحة في استمرار حالة عدم الاستقرار في ليبيا. مؤكدا وجود محاولات لتحريك مرتزقة في منطقة الجنوب الليبي، قائلا “سنعمل على تأمين مناطق الجنوب الليبي بشكل كامل وأنه تم توجيه ضربات قوية للخلايا المسلحة في مدينة سبها”.

وقد أكد عضو مجلس النواب سعيد مغيب أن قوات الجيش سيطرت على مدينة سبها بعد تقهقر الميليشيات. وقال إن “تنظيم الإخوان المسلمين المدعوم من تركيا يقف وراء تحرك الميليشيات في سبها لجرّ المدينة الآمنة لويلات المواجهة المسلحة”.

وأشار مغيب إلى أن ميليشيات تابعة لحكومة الوفاق وموالية للنظام التركي حاولت التحرك في محاولة للسيطرة على وسط مدينة سبها قبل أن يتم التصدي لها وطردها، متابعا أن الجيش أحبط مخططا للسيطرة على المدينة بهدف تحويلها إلى مركز لاستقطاب المرتزقة من دول الصحراء الكبرى من قبل المخابرات التركية.

تركيا تحاول التسلل إلى الإقليم لبسط نفوذها على ثرواته، واستغلاله منفذا نحو دول الجوار الأفريقي التي تربطها علاقات وثيقة مع تيارات الإسلام السياسي، وأيضا لتصفية حساباتها  مع فرنسا

وقال المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية اللواء أحمد المسماري إن “مدينة سبها تحت أعين القوات المسلحة منذ دخولها للمدينة عام 2019 وأن ما حدث كان بسبب مجموعات تعلن تبعيتها لما يعرف بقوات الوفاق، وهي تتكون في الواقع من مجموعة مرتزقة ومن المهربين الذين يساعدون التنظيمات الإرهابية في استغلال منافذ التهريب”.

ووفق تصريحات المسماري لتلفزيون محلي، فإن هذه المجموعات عادت لتحاول إعلان سبها مدينة خاضعة لسيطرة ما يعرف بحكومة الوفاق، وذلك في إطار مخطط إخواني هدفه إفشال ما تم التوقيع عليه في اتفاق جنيف من وقف إطلاق النار وتهدئة الأمور وإعطاء فرصة للحوار السياسي وإنجاح الحوار القائم حاليًا للوصول إلى حل.

والرسالة التي حاول بعض الأطراف تبليغها من داخل سبها، بحسب المسماري، أن حكومة الوفاق موجودة هناك، وأن أي حوار قادم أو حل إقليمي يشمل أقاليم طرابلس وفزان وسبها لابد أن يتم على أساس أن سبها مع حكومة الوفاق وبالتالي إقليم فزان تحت سيطرة سلطات طرابلس وهذا غير صحيح.

ويشير المتابعون إلى أن الجماعات الموجودة والقيادات الكبيرة المقيمة في تركيا والعصابات التكفيرية، خسرت مواقعها في الجنوب الغربي بعد عمليات القوات المسلحة في يناير 2019، ولم يعد لها دور يذكر، رغم المحاولات المتكررة التي يديرها الأتراك وينفذها إرهابيون ومرتزقة بين الحين والآخر ليتصدى لهم الجيش في الوقت المناسب.

6