إعلان العلا خطوة كبيرة لنهاية أزمة الخليج، لكن ماذا بعد؟

الغموض يلف المصالحة الخليجية في ظل غياب آليات إعادة بناء الثقة.
الخميس 2021/01/07
صدق النوايا يحتاج إلى التطبيق على الأرض

شكلت أعمال الدورة الـ41 لمجلس التعاون لدول الخليج العربية لحظة مفصلية هي من أكثر المراحل دقة بالنسبة إلى دول المنطقة مع تسجيل اختراق في جدار أزمة المقاطعة مع قطر، وجعلت المتابعين يناقشون مدى نجاح القمة، التي جاءت في ظل ظروف استثنائية تزامنت مع اقتراب موعد تنصيب رئيس جديد للولايات المتحدة، فثمة حزمة من القضايا المتشابكة، وبلغ الاستقطاب الدولي درجة مرتفعة، وأخذت قوى التطرف تبحث للعودة إلى الواجهة، فضلا عن مخاطر الممارسات الإيرانية في الشرق الأوسط والتحديات الاقتصادية عقب استمرار انخفاض أسعار النفط، والتي زادت من وطأتها جائحة كورونا.

لندن – انتهت قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الحادية والأربعون، التي احتضنتها السعودية، بإعلان المصالحة وعودة كاملة للعلاقات الدبلوماسية بين قطر ودول المقاطعة الأربع، إلا أن غياب التفاصيل دفع المحللين إلى الحديث عن الحاجة إلى وقت لتطبيقها.

ولم تخرج الانطباعات، التي تلت انتهاء أعمال قمة العلا، عن كونها مصالحة عامة وأنها لم تعالج الأزمة بشكل جذري، فالحديث عن المصالحة المعلنة جرى في عموميات وهو ما اعتبره محللون يهدد ثبات المصالحة واستمراريتها.

في الظاهر، انتهى الانقسام بين حلفاء الولايات المتحدة، وهم السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، بعد مقاطعة دامت لأكثر من ثلاث سنوات. ولكن، مع إبقاء قطر على علاقاتها الودية مع إيران، تبقى إمكانية الدخول مرة أخرى في صراع مع الدول الخليجية، خصوصا السعودية، قائمة.

أندرياس كريغ: السبب الجذري الأيديولوجي للخلافات سيبقى على الأرجح
أندرياس كريغ: السبب الجذري الأيديولوجي للخلافات سيبقى على الأرجح

ماذا سيحدث

في قمة وصفت بالتاريخية، احتضنت مدينة العلا شمال غرب السعودية دول مجلس التعاون الست بالإضافة إلى مصر، وخرج بيانها الختامي يتمحور حول وحدة الصف وإعلاء المصلحة المشتركة والمصالح العليا لدول المجلس والدول العربية والتأكيد على التوجه إلى طي صفحة الماضي وتدشين مرحلة جديدة من العلاقات.

وقال الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، إن قمة العلا وبيانها الختامي، أسسا لـ”مرحلة جديدة نعمل فيها سوياً نحو غدٍ مشرق لمنطقتنا، ونواجه فيها، صفاً واحداً، كل التحديات. فنحن وأشقاؤنا شعب واحد بقيادة إخوة همهم الأول استقرار وازدهار ورخاء أوطانهم”.

إلا أن مراقبين يرون أن القمة التي حملت رقم 41 خرجت ببيان ختامي لم يوضح على سبيل المثال ما يتعلق بمصير المطالب الـ13 التي حددتها الدول الأربع منذ بداية الأزمة كشرط لإعادة العلاقات مع قطر، بينما اعتبر آخرون أنه من المبكر الحديث عن أن الانفراج في العلاقات القطرية – السعودية هي مصالحة خليجية، فاتفاق العلا جرى بين الدوحة والرياض فقط، وإجراءات إنهاء المقاطعة لم تقم بها سوى السعودية.

وهناك اعتقاد بأن موازنة هذا النجاح ودور الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع بدء الأزمة في مايو 2017، عندما حضر قمة الرياض العربية في أول رحلة خارجية له لن يظهر سريعا، لأن ما حصل يحتاج إلى تجسيده على أرض الواقع، كما يرى سايمون هندرسون وهو زميل بيكر ومدير برنامج برنشتاين حول الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

وقد تكون الدلائل على إنهاء “المقاطعة” قليلة ومتباعدة بسبب آثار فايروس كورونا في المنطقة، ما يقيّد السفر والحركة والتجارة. وبحسب الباحثة في معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية تشينزيا بيانكو، فإن “الأحكام العملية للاتفاق هي حدود مفتوحة وعلاقات دبلوماسية مقابل إنهاء أي رسائل معادية من قطر، عبر الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر مراكز الأبحاث وجماعات الضغط الدولية ضد الدول الأربع”.

وخففت وسائل الإعلام على الجانبين السعودي والقطري بشكل واضح من حدة نبرتها في تغطيتها للجانب الآخر يوم القمة، لكن هذه مجرد خطوة فقط في طريق طويل، فدول المقاطعة كانت قد طلبت من الدوحة معالجة 13 نقطة حتى تعود العلاقات كما كانت في السابق.

ويرى الأستاذ المساعد في كينغز كوليدج في لندن، ديفيد روبرتس، أنه من الممكن في ظل الاقتصادات الإقليمية المتباطئة بسبب كورونا وتراجع أسعار النفط، أن تعمد قطر إلى القيام باستثمارات في الدول المقاطعة لها سابقا، ولكن من الصعب نسيان سنوات من تبادل الاتهامات المريرة.

ولكن الباحث أندرياس كريغ، المتخصّص في شؤون الشرق الأوسط، يقول إن “السبب الجذري الأيديولوجي المسبب للصراع سيبقى، بينما كل ما يفعلونه هو معالجة العوارض”. ويحذّر من أن هذا “أمر خطير، إذ قد يندلع هذا الصراع مرة أخرى”.

الأزمة الخليجية
الأزمة الخليجية

وإن كانت كل الدول المقاطعة لقطر وقعت معها على البيان في قمة العلا في السعودية، الثلاثاء، فإن بعضها قد لا يشعر بكثير من الحماس لهذه المصالحة. وامتنعت البحرين خصوصا عن إصدار بيانات دعما للمصالحة مع الدوحة. ولا تزال تسعى لإيجاد حلول لمسائل عالقة مع قطر ومن بينها مسألة الصيد والحدود البحرية.

وبحسب روبرتس، فإن البحرين والآخرين سيتبعون، ومن الواضح أنهم يشعرون بالتردد، ولكن تحدي القيادة السعودية سيكون أمرا غير مسبوق.

وحذّر عدد من المحللين من أن الجراح العميقة التي تسبب بها النزاع الخليجي قد تحتاج لسنوات لتندمل. وتقول الباحثة غير المقيمة في معهد دول الخليج العربي، إيمان الحسين، إن العائلات التي تفرقت بسبب الأزمة ستكون على الأرجح من أوائل المستفيدين من تخفيف القيود.

وتضيف “قد يستغرق الأمر وقتا. حدة الأزمة في عام 2017 فاجأت العديد من مواطني الخليج. وهذا دليل على أنه لا يمكن التنبؤ بالأحداث ولا يمكن توقعها في هذه المنطقة”.

العلاقة مع إيران

سايمون هندرسون: أي ملامح واقعية لنجاح المصالحة الخليجية لن تظهر سريعا
سايمون هندرسون: أي ملامح واقعية لنجاح المصالحة الخليجية لن تظهر سريعا

كانت إيران محور الخلاف فيما كان التوتر يتصاعد بين طهران ومجموعات مدعومة منها من جهة، والسعودية من جهة أخرى حول قضايا إقليمية عدة، بينها حرب اليمن. ومارست واشنطن ضغوطا كثيفة على الدول المتخاصمة لحلّ الأزمة، مشدّدة على أنّ وحدة الخليج ضرورية لعزل إيران مع اقتراب ولاية الرئيس دونالد ترامب من نهايتها.

وتثار تساؤلات عدة بشأن المستجدات التي أعيدت على أساسها العلاقات وضمانات تنفيذ مخرجات القمة. فعلى سبيل المثال، أكد البيان الختامي على مكافحة الجهات التي تهدد أمن دول الخليج، وسمى تحديدا “استمرار التدخلات الإيرانية”.

ويشكك مراقبون في مدى جدية قطر تحديدا في ما يتعلق بمواجهة التهديد الإيراني، بعدما عززت الدوحة علاقاتها بشكل وثيق مع طهران خلال سنوات المقاطعة مع جيرانها على الأصعدة كافة، وهو ما يدحض الطرح الذي يتحدث عن مساع أميركية لتشديد الحصار على إيران من خلال قطع طريق الاستفادة من قطر.

ويرى المحلل توبياس بورك، من معهد الخدمات الملكية المتحدة، أن قطر ترى أن أنشطة إيران الإقليمية خطيرة ومزعزعة للاستقرار، ولكن في الوقت نفسه فإن الإبقاء على علاقات ودية مع طهران لاسيما في ما يتعلق بإدارة حقل الغاز المشترك بينهما هو أمر ضروري للغاية ووجودي بالنسبة إلى الدوحة، ولهذا فإنها تتوخى الحذر.

وأصرت السعودية على أن الاتفاق يعني أن الأسرة الخليجية ستكون قادرة على مواجهة التحديات “التي تحيط بنا، خصوصاً التهديدات التي يمثلها البرنامج النووي للنظام الإيراني وبرنامجه للصواريخ الباليستية ومشاريعه التخريبية الهدامة”. في المقابل، هنأت طهران قطر على “نجاحها في مقاومتها الشجاعة مقابل الضغط والابتزاز”.

وسعت واشنطن، مع نهاية ولاية دونالد ترامب، إلى بذل جهود كبيرة من أجل إتمام المصالحة. وشارك مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر في اجتماع القمة الخليجية. ويرى روبرتس أنه مع حل الخلاف في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس الجمهوري “يمكن لترامب الادعاء أنه صانع سلام”.

وبالنسبة إلى أندرياس كريغ، فإنه “لو لم يتم انتخاب بايدن، ولو لم يقم فريق ترامب بالضغط، فإن السعودية لم تكن ستتخذ هذه الخطوة”، في إشارة إلى قلق السعودية من الإدارة الأميركية القادمة. ووعد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن خلال حملته الانتخابية بإعادة تقييم العلاقة مع السعودية على خلفية مسألة حقوق الإنسان.

7