مجلس الإعلام المصري يضع شركات الإنترنت تحت الرقابة

يسعى المجلس الأعلى للإعلام في مصر إلى ضبط المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي عبر إخضاع شركاتها إلى القوانين والضوابط المصرية لوقف تصاعد خطاب الكراهية والتحريض، بينما يرى البعض أن هذه الخطوة لا تتناسب مع تدفق المعلومات في الإعلام الرقمي ولا يمكن تطبيقها على أرض الواقع.
القاهرة - وسّع المجلس الأعلى للإعلام في مصر الذي يشرف على تنظيم وسائل الإعلام، دائرة اختصاصاته لتشمل المنصات الرقمية وشركات مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها “الإطار الإعلامي غير النظامي”، في خطوة تنظيمية لكنها أثارت جدلا بخصوص إمكانية تطبيقها.
وقرر المجلس قبل أيام إدخال تعديلات على لائحة تنظيم تراخيص الكيانات الإعلامية، وأضحت الشركات التي تدير المنصات والمواقع الإلكترونية، وتقدم أو تستضيف الخدمات الإخبارية والإعلامية، وتبث أو تعرض الأعمال الفنية لأغـراض ربحيـة، وتـسمح بتمكين المستخدمين مـن تـداول أو مشاركة محتـوى إعلامي مع مستخدمين آخرين، مطالبة بالحصول على ترخيص مزاولة لتمكينها من أداء عملها داخل مصر.
وأكد خبير تشريعات التحول الرقمي محمد حجازي، لـ”العرب”، أن “المعضلة في هذه التعديلات، تتمثل في أن شركات تكنولوجيا المعلومات التي لديها علاقة مباشرة بمواقع التواصل الاجتماعي تحصل على تراخيص عملها من جهات حكومية أخرى ولن يكون من المفيد على المستوى الاقتصادي حصولها على تراخيص مختلفة من هيئات متعددة”.
وأشار حجازي إلى أن “هذا الأمر يطرح أسئلة من قبيل هل هذه القرارات تخدم توجهات الحكومة التي تشجع على التحول الرقمي ولديها رغبة في التوسع بإنشاء التطبيقات والبرامج الإلكترونية وتدعم الشركات العاملة في مجالات تكنولوجيا المعلومات؟”.
وأضاف “سيكون من الصعب على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحصول على المزيد من التراخيص ودفع أموال أخرى في هذه الأجواء”.
وأصدر المجلس لائحة تنظيم التراخيص من أجل إعادة ترتيب أوضاع الكيانات والمؤسسات الصحافية والإعلامية والمواقع الإلكترونية للتعرف على مصادر تمويلها وإخضاعها تنظيمياً ورقابياً للهيئات الإعلامية، وقرر المجلس في بداية الشهر الماضي التمديد في فترة إصدار التراخيص بثلاثة أشهر إضافية، بسبب قلة إقبال الكيانات على تقديم المستندات المطلوبة.
ومنحت التعديلات المجلس الحق في حظر أي شركة أو منصة تقدم خدماتها للجمهور المصري، وإن كانت تعمل من خارج البلاد، واشترطت حصول هذه المنصات على موافقة تسمح بمزاولة النـشاط في الخارج وفقًا لأحكام القـوانين الـسارية والمعمـول بهـا فـي دول الخارج.
لكن ثمة مشكلة أساسية في القرارات، فهي لم تحدد بالضبط ماهية الشركات المستهدفة من القرار، وفي حال لم تُقدم الشركات على تقديم طلبات الترخيص، هل سيؤدي ذلك إلى إغلاق مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، أم أن الأمر سيقتصر في النهاية على رصد مخالفاتها؟
وتمهد التعديلات للمزيد من الضغوط على شركات مواقع التواصل الاجتماعي -وعلى رأسها فيسبوك- للتعامل مع المحتويات المضللة والوصول إلى الأشخاص المتورطين في جرائم الحضّ على العنف والإرهاب ونشر الشائعات.
لكن نتائج تلك الممارسات تبقى غير محسومة في حال رفضت هذه الشركات الاستجابة لمطالب المجلس مع صعوبة تنفيذ قرارات الحظر والحجب التي ستواجه برفض شعبي في حال الإقدام عليها، ويمكن التحايل عليها بالتقنيات الحديثة.
ويرحب العديد من خبراء الإعلام بالخطوات التنظيمية بالتزامن مع تصاعد خطاب الكراهية والحضّ على العنف في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها تثير مخاوف شركات إدارة الصفحات الإخبارية والتسويق الإلكتروني المتعاملة مع مواقع التواصل، حيث ترى أن القرارات لا تتناسب مع تدفق المعلومات في الإعلام الرقمي ولا يمكن تطبيقها على أرض الواقع.
وقالت أستاذة الإعلام الرقمي بجامعة القاهرة، سهير عثمان، إن “القراءة التحليلية لما يجري تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي تشير إلى أن قضايا التمييز العنصري والدعوة إلى العنف، والسب والقذف، مسيطرة على المشهد العام؛ لأن الكثير من القائمين على شركات إنتاج المحتويات في بعض المنصات، التي يديرها غير متخصصين في مجال الإعلام، لا يدركون قيمة الكلمة وتأثيراتها”.
وبالرغم من تأكيد عثمان رفضها الرقابة على المحتويات بشكل عام، إلا أنها أوضحت في تصريح لـ”العرب” أن “حالة الانفلات الحالية تتطلب مواجهة قانونية لحماية الأجيال القادمة مع ضمان عدم التضييق على الحريات العامة وتنفيذ ما جاء في التعديلات بحزم للحد من التجاوزات وحالات الحضّ على ارتكاب الجرائم المختلفة”.
وهذا التعديل لا يعد الإجراء الوحيد الذي اتخذته الحكومة للتعامل مع ما يجري نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ منح قانون تنظيم الصحافة والإعلام للمجلس الأعلى للإعلام حق متابعة المخالفات التي تُرتكب في المنصات، عند تجاوز عدد متابعيها خمسة آلاف شخص، وحدد عقوبة الحجب على من تثبت في حقه مخالفة، كما وضع المجلس هذا في الاعتبار حينما أعد لائحة الجزاءات الخاصة به.
وترى عثمان أن إخضاع مواقع التواصل الاجتماعي لقوانين النشر المطبقة على الإعلام التقليدي لن يكون مجديا في ظل سيولة الإعلام الرقمي، وتعتبر أن مواقع التواصل ما زالت خارج إطار الإعلام المنظم، وتقر بضرورة أن تكون هناك أدوات تمتلكها الجهات الرقابية، تشهرها إذا اقتضت الضرورة ذلك.
وحدد مجلس الإعلام المصري حالات مثل “المحتوى الضار”، ويتضمن خطابات الحض على الكراهية أو الإساءة إلى المستخدمين أو ترهيبهم أو الإساءة إلى سمعتهم، والإسـاءة إلى مؤسسـات الدولـة بما يهدد السلم والأمن الاجتماعي، وكذلك المحتوى الذي يتضمن التمييز على أساس العرق أو اللـون أو الـدين، ويحض على العنصرية والعنف الخاص أو العام، أو نشر معلومات زائفة.
وتفرز حالات حددها المجلس مشكلة أخرى تتعلق بالمصطلحات المطاطة التي من الممكن استخدامها في التضييق على حرية التعبير عبر مواقع التواصل والتي تلعب دوراً مهماً كمتنفس للملايين من المصريين، ما يجعل التعديلات غير مرحب بها لتأثيرها على مستوى الحريات العامة.
وبالنظر إلى منظومة القوانين التي تضعها بلدان العالم للتعامل مع شركات تكنولوجيا المعلومات المرتبطة بمواقع التواصل الاجتماعي، فإن القاهرة بعيدة عن قوانين تنظيم الإعلام، ما يجعل القرارات لا تتسق مع الأشكال القانونية المتعارف عليها، لأن الظروف الصحية التي فرضها فايروس كورونا سمحت باتساع سوق تكنولوجيا المعلومات.
ومن المتوقع أن تحقق شركات تكنولوجيا معلومات الوسائط الاجتماعية بمنطقة الشرق الأوسط نمواً خلال العام الحالي، يتراوح ما بين 7.9 في المئة و12.8 في المئة، على حساب وسائل الإعلام التقليدية التي حققت أكبر خسائر لها خلال العام المنقضي، بحسب تقرير أصدره مؤخراً موقع “اربييان بيزنس”.
وسمحت الإيرادات الإعلانية الكبيرة التي حققتها تلك الشركات، مستفيدة من زيادة أعداد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بإطلاق العديد من المشروعات الإعلامية الحديثة في مصر، فيما تحاول جهات حكومية ضبط عملها داخل البلاد، ضمن إستراتيجية تقوم على تنظيم عمل الجهات التي لها علاقة بالإعلام وتطوراته التكنولوجية بما يضمن السيطرة عليها ومنع توظيفها لخدمة أنشطة معادية.