التصعيد في ذكرى مقتل سليماني والمهندس يضع العراق أمام سيناريو الفوضى

الحكومة العراقية تبذل مساعي لدى إيران لضبط ميليشياتها.
الجمعة 2021/01/01
هيجان منذر بالانفلات

اقتراب الذكرى السنوية الأولى لمقتل الجنرال في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد العراقي أبومهدي المهندس في غارة قرب مطار بغداد الدولي، يثير المخاوف من انفلات الميليشيات الشيعية الموالية لطهران ودخولها في صدام ضدّ الولايات المتّحدة، ما سيجعل العراق مسرحا لتصعيد غير محسوب قد يسبب انهيار حكومته ويدفعه نحو الفوضى.

بغداد - يساور العراقيين قلق من حدوث تصعيد إيراني أميركي سيكون بلدهم مسرحا له وأول من يدفع ضريبته، وذلك بعد عام من مقتل الجنرال في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد العراقي أبومهدي المهندس في غارة قرب مطار بغداد الدولي نفذّها الطيران الأميركي المسيّر في الثالث من يناير 2020.

ويأتي قلق العراقيين من إدراكهم أنّ بلدهم تحوّل إلى ميدان صراع إيراني أميركي يُضحّى فيه بأمنهم واستقرارهم ومستقبل أبنائهم.

واتّهم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الخميس، الولايات المتحدة بمحاولة إيجاد ذريعة لشن هجوم على بلاده، وقال عبر تويتر إنّ “المعلومات القادمة من العراق تشير إلى مخطط لاختلاق ذريعة للحرب”.

وفي عملية الاغتيال التي أمر الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب بتنفيذها، خسر العراق بمقتل المهندس الرجل القريب من طهران الذي كان يضبط الفصائل الموالية لها، الأمر الذي يضاعف من احتمالات انفلات الفصائل، الذي قد يؤدّي في الأخير إلى صدام أميركي إيراني على أرض العراق.

وتفاقمت التوترات بعد ذلك، فالبلد الذي يمرّ بأسوأ أزمة اقتصادية مع انخفاض أسعار النفط، عالق بين رئيس وزراء موصوف بالقرب من واشنطن ويفتقر إلى كتلة برلمانية تسانده، ومجموعات مسلّحة موالية لإيران تنشط في بغداد وتحمل مسميات جديدة، ولا تستجيب لأحد.

وتتهم الفصائل الموالية لإيران رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي علنا بالتواطؤ في اغتيال الرجلين. وكان الكاظمي حينها يشغل منصب رئيس جهاز المخابرات، وهو أول من أبلغ رئيس الحكومة آنذاك عادل عبدالمهدي بالغارة الأميركية التي أودت بسليماني والمهندس.

ويحذر الباحث في مؤسسة القرن سجاد جياد من أنه إذا “ما حدثت حالة من التصعيد، فمن المرجح أن تنهار الحكومة العراقية أو تزاح”. ويشدّد على أنّ “احتمال انهيار الحكومة كبير، وأنّ للجماعات المسلّحة الموالية لإيران حلفاء سياسيين يمكنهم الإطاحة بالحكومة”.

وأظهرت المواجهة الأخيرة بالفعل مدى خطورة الوضع في دولة ينشط على أرضها مسلحون تمرّسوا بالقتال من خلال خوضهم الحرب ضدّ تنظيم داعش بين 2014 و2017.

وفي نهاية ديسمبر الماضي اعتقلت السلطات العراقية مقاتلا من ميليشيا عصائب أهل الحق، أحد أشرس فصائل الحشد الشعبي وأكثرها ولاء لإيران.

وقال مسؤول عراقي لوكالة فرانس برس في حينه إنّ الرجل متهم بالتخطيط لإطلاق قذائف على مصالح أميركية في البلاد.

سجاد جياد: الحكومة العراقية ستنهار إذا حدث تصعيد أميركي إيراني
سجاد جياد: الحكومة العراقية ستنهار إذا حدث تصعيد أميركي إيراني

وعلى إثر ذلك نشرت العصائب عناصرها في شوارع بغداد. وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لمقاتلين يضعون أقنعة ويحملون أسلحة، وقال أحدهم “نحذّر الكاظمي، إذا لم تتراجع عن هذا العمل القذر سوف ينزل عليك عذاب الله بيد المجاهدين.. وقد أُعذر من أنذر”.

وانضمّت كتائب حزب الله، أكثر الفصائل تشددا، إلى عصائب أهل الحق وأطلقت تهديدات قاسية في حق رئيس الوزراء على لسان المتحدث باسمها أبوعلي العسكري الذي قال دعا الكاظمي في تغريدة إلى أن “لا يختبر صبر المقاومة”.

ومع أن الكاظمي أجاب على التهديدات بتغريدة يدعو فيها إلى التهدئة، إلّا أنه شدد على أنه مستعدّ “للمواجهة الحاسمة إذا لزم الأمر”. لكن ما حدث هو العكس حيث ذكرت مصادر أمنية أن اتفاقا جرى بين العصائب والحكومة ينصّ على تسليم المتهم إلى مديرية أمن الحشد.

وأعادت هذه الحادثة إلى الأذهان حادثة أخرى وقعت في يونيو الماضي، عندما اعتقلت قوات مكافحة الإرهاب 13 عنصرا من كتائب حزب الله بتهمة تنفيذ هجمات صاروخية على السفارة الأميركية في بغداد. ثم أفرج عنهم بعد أقل من 72 ساعة.

وقال مسؤول سياسي “الشارع ملّ هذه التصرفات خارج القانون ويريد حسمها بأسرع وقت، لكن لا توجد قيادة صلبة، والجيش لا يتحرك إذا لم ير قيادة شجاعة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى باقي الأجهزة الأمنية”.

ونتيجة لعدم وجود قدرة سياسية وعسكرية على المواجهة المباشرة مع الفصائل المسلحة، اختار الكاظمي فتح قنوات اتصال مع إيران أملا في حملها على التدخل لكبح جماح الفصائل. وزار مبعوث رئيس الوزراء أبوجهاد الهاشمي إيران قبل أيام والتقى عددا من المسؤولين الإيرانيين، وفقا لما ذكره مسؤول عراقي رفيع المستوى لوكالة فرانس برس.

وبحسب جياد، حاول الهاشمي إقناع إيران بكبح حلفائها في العراق ووقف الهجمات على الدبلوماسيين والجنود الأميركيين.

وبدأت الهدنة التي وافقت عليها فصائل موالية لإيران لوقف الهجمات الخريف الماضي بالتلاشي بالفعل بعد سلسلة هجمات استهدفت السفارة الأميركية وقوافل لوجيستية عسكرية.

وذكر مسؤول عسكري أميركي أنه حتى خلال “الهدنة” كانت طائرة استطلاع دون طيار تحلق مرات عدة كل أسبوع فوق السفارة الأميركية والمجمع العسكري المجاور الذي تتواجد فيه قوات دولية.

وتحدّث الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب هذا الأسبوع في تغريدة عن “ثرثرة حول هجمات إضافية ضدّ أميركيين في العراق”، مضيفا “إذا قتل أميركي، سأحمّل إيران المسؤولية”.

وأبدى مسؤول عراقي تخوّفه من أن يلجأ المسؤولون الإيرانيون إلى التصعيد، بما في ذلك تنفيذ هجمات صاروخية بهدف ممارسة ضغط على الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.

وذكر مسؤولون عراقيون، قبل أسابيع، أن خفض السفارة الأميركية لعدد موظفيها هو بسبب تحفظات أمنية. وقال مسؤولون غربيون إن ذلك قد يشير إلى استعداد الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري. وذكر دبلوماسي غربي لوكالة فرانس برس أنّ “الولايات المتحدة تحتاج إلى إخراج موظفيها قبل أن تتصرف، حتى لا يتمّ استهدافهم في أيّ انتقام محتمل”.

3