كورونا والأزمة المالية حوّلا سلطنة عُمان إلى بلد "طارد" للعمال الأجانب

عدد العمال الوافدين إلى سلطنة عمان انخفض بأكثر من 270 ألفا من نهاية 2019 حتى نوفمبر الماضي.
الثلاثاء 2020/12/29
وداعا.. أم إلى اللقاء؟

مسقط - حوّلت الأزمة المالية والاقتصادية التي تشهدها سلطنة عمّان جرّاء تراجع أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا، البلد من جاذب للأجانب الباحثين عن فرص عمل إلى “طارد” لهم بفعل تناقص الفرص من جهة، وحاجة السلطنة ذاتها إلى تعبئة أقصى ما يمكن من الموارد والتخلّص من الأعباء الإضافية بما في ذلك عبء التحويلات المالية من قبل العمال الوافدين نحو بلدانهم الأصلية من جهة أخرى.

ولا يقتصر الأمر فقط على مغادرة العمال الأجانب للسلطنة بشكل طوعي، بل يتعلّق أيضا ببرنامج حكومي أعلن عنه في أكتوبر الماضي ويقضي بتسريع إحلال اليد العاملة العمانية محل اليد العاملة الوافدة في الشركات التي تديرها حكومة السلطنة.

وأظهرت بيانات من المركز الوطني العماني للإحصاء والمعلومات أن عدد العمال الوافدين انخفض بأكثر من 270 ألفا أو نحو 16 في المئة في الفترة من نهاية 2019 وحتى نوفمبر من العام الجاري.

وأوضحت البيانات أن عدد هؤلاء العمال بلغ في نوفمبر الماضي مليونا و440 ألفا منخفضا من مليون و710 آلاف تقريبا نهاية العام الماضي.

وتأتي مغادرة العمال الأجانب للسلطنة تكرارا لما كان قد حدث سنة 2010 إثر الأزمة المالية العالمية آنذاك حيث غادر عُمان أكثر من 340 ألف عامل وافد.

واضطر الكثير من العمال الوافدين إلى مغادرة دول الخليج العربية هذا العام بعد أن تأثرت اقتصاداتها بجائحة كورونا وما استتبعته من انخفاض في الطلب على النفط وفي أسعاره.

وقالت منظمة العمل الدولية هذا العام إنها تتوقع أن يغادر العمال الوافدون دول الخليج العربية بأعداد تفوق ما حدث في أعقاب الأزمة المالية العالمية في 2008 – 2009 وتهاوي أسعار النفط في 2014 – 2015.

ودخل تقليص عدد الوافدين ضمن إجراءات سلطنة عمان لمواجهة الأزمة المالية والحدّ من تداعياتها، حيث أعلن في أكتوبر الماضي أنّ الحكومة العمانية تدرس خططا جديدة لإحلال المواطنين العمانيين محل العاملين الأجانب في الشركات التي تديرها الحكومة، حيث لم تعد الظروف الاقتصادية والمالية للسلطنة تسمح باستقبال المزيد من العمال الأجانب الذين يشكّلون بما يحولونه من أموال نحو بلدانهم الأصلية مصدر استنزاف لرصيد السلطنة من العُملة الصعبة.

ووضعت الجهات المختصّة بملف “عَوْمَنَة” الوظائف بين يدي وزير العمل محاد بن سعيد باعوين خططا تفصيلية تتعلّق بإحلال المواطنين العمانيين محل العاملين الأجانب في الشركات التي تديرها الحكومة.

وللدفع بمخطّط الإحلال قدما، عقدت الوزارة بالتعاون مع جهاز الاستثمار العُماني لقاء مع الرؤساء التنفيذيين بالشركات الحكومية نوقشت خلاله خطط الإحلال وأولوية توظيف العمانيين في المهن القيادية والإشرافية في الشركات الحكومية.

وتعتبر عمان ذات الموارد النفطية المحدودة أكثر بلدان الخليج تضرّرا من جائحة كورونا، ما دفعها إلى البحث عن حلول غير تقليدية للخروج من تلك الأزمة على رأسها اتّباع سياسة تقشفية تقوم على الضغط على الإنفاق الحكومي والتدرّج في رفع الدعم عن بعض الخدمات الأساسية، جنبا إلى جنب مع الاستدانة من الخارج وتلقي بعض المساعدات الخليجية المباشرة لتقليص عجز الموازنة.

ويتوقّع صندوق النقد الدولي أن ينكمش اقتصاد عمان بنسبة 10 في المئة هذا العام وهو معدل من بين الأعلى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وسعيا وراء التخلّص في أسرع وقت ممكن من جائحة كورونا وتبعاتها المالية والاقتصادية، أطلقت السلطنة، الأحد، حملة للتلقيح ضد الفايروس وذلك قبيل إعادة فتح المنافذ أمام الزوار المقرّر الثلاثاء بعد أسبوع من الإغلاق على خلفية مخاوف من سلالة متحوّرة لكوفيد – 19.

وتتطلّع عمان إلى إعادة استقبال السياح سريعا في منتجعاتها الجبلية والساحلية وخصوصا من الدول المجاورة الثرية لتجاوز المصاعب الاقتصادية الكبرى التي تواجهها مع تراجع أسعار النفط.

وتقسّم عمان جهودها في معالجة المسألة المالية والاقتصادية إلى إجراءات عاجلة لسد عجز الموازنة، وأخرى آجلة هادفة لإصلاح الاقتصاد والرفع من أدائه وتخليصه من أسباب الضعف والتراجع.

وضمن الإجراءات العاجلة أجرت السلطنة خلال الأشهر الأخيرة محادثات مع مجموعة من البنوك بهدف الحصول على قرض لا تقل قيمته عن ملياري دولار. كما تلقّت عمان في إطار الجهود العاجلة نفسها دعما ماليا مباشرا بقيمة مليار دولار من قطر.

أما على صعيد أبعد مدى فقرّرت مسقط الشروع في تطبيق ضريبة القيمة المضافة خلال الأشهر الأولى من السنة الجديدة. وكانت وزارة المالية العمانية قد وضعت قبل ذلك برنامجا لخفض الإنفاق الحكومي بنسبة عشرة في المئة من الموازنة المعتمدة لجميع الوحدات المدنية والعسكرية والأمنية للعام الجاري.

أما أكثر الإجراءات الإصلاحية جرأة فتمثّل في قرار إعادة توجيه الدعم الحكومي في قطاعي الكهرباء والمياه، وذلك ضمن خطّة تتضمن إعادة تصنيف فئات المشتركين واعتماد هيكلة التعرفة وتعزيز منظومة الحماية الاجتماعية وتوجيه الدعم للمستحقين، على أن تتم عملية خفض الدعم تدريجيا خلال السنوات القادمة للوصول إلى تعرفة غير مدعومة تتناسب مع التكلفة.

3