المجد لله في الأعالي

تؤدي وسائل التواصل، وظيفة الإشهار اليومي لوقائع الموت. ولكل امرئ صفحته المعلقة أمام الناظرين إليها من أصحابه ومتابعيه من بيئته الاجتماعية وغيرها، إن كان ناعياً أم مُبلَّغاً بنعي، لكي يتلقى التعازي في الأولى أو يُقدّمها كتابة في الثانية.
في هذا السياق، تختلف ألفاظ المؤمنين عن ألفاظ الذين لا يعتقدون بالحياة بعد الموت. ولكي يتحاشى الأخيرون الذين جاهروا بعدم اعتقادهم، الحرج من استخدام عبارات إيمانية فإنهم يركزون على ذِكر الروح، التي يختصونها بالتمني أن ترقد بسلام، كما في تعبيرات الثقافة المسيحية على شواهد القبور.
غير أن هذه الروح التي يراد لها أن ترقد بسلام، تظل شأناً ذا علاقة بالغيب، لا تقبله الثقافة المادية، لذا فإنّ أمر التمني لا يتجاوز حدود المجاملات بين الأحياء. ففي هذا الإطار يُطلب الغفران وتطلب الجنة، لراحل لم يطلبهما لنفسه في حياته، لكن مقتضيات التشييع والدعاء والثناء هي التي تجعل الأحياء ينوبون عن الأموات في إرسال كل الرجاءات. وكل ميت يُشيّع حسب ديانته، ما خلا من يوصي بغير ذلك في مجتمع تتنوع فيه الخيارات دون حرج أو تأويل.
لقد جُبلت طبائع الشعوب على التسامح، وكلما خالفت طبائعها خسرت وألحقت الخسارة بنفسها واحتدمت الحياة بالكراهية والنزاعات الأهلية المفتوحة. وإن كانت الحقب الزمنية في التاريخ، قد شهدت التعايش بين أتباع الأديان، وتبادل المجاملات في المسرّات والأحزان؛ فالأجدر بمن يعيشون اليوم في القرن الحادي والعشرين الميلادي، أن يفعلوا ذلك بتلقائية، فيتبادلون التهاني في المسرّات والأعياد، والمواساة في الأحزان. وإن كان هذا الواجب الإنساني مقرّرا على المواطنين العاديين، فالأجدر أن يحتسّسه المسؤولون الذين يحكمون مجتمعاً تتعدد فيه المذاهب والأديان. لذا إنّ ما عبّر عنه نفر من حماس في غزة، عندما دعا الى تجنب المجاملات والتهاني للمواطنين المسيحيين في أعياد الميلاد، أحرج حماس كلّها لكون مثل هذا التوجه كشف حقيقة ثقافتها كحركة يقودها أصوليون مغلقون لا يصلحون للحكم ولا للإسهام في وئام اجتماعي ولا لرفع شأن قضية في حاجة إلى مساندة الأمم. بل إن مثل هذا المنطق، الذي تعتمده جهة فقهية في توجيه الأتباع، ينمّ عن جهالة وعصبية ينهى عنهما دين الإسلام. فالمؤمنون من مشيّعي الميت الذي ولد مسلماً، وعاش مسلماً في التعريف الاجتماعي والمذهبي، بينما هو لا يعتقد بوجود الآخرة؛ لا يستنكفون عن تكريمه والدعاء له والتذكير بفاتحة الكتاب على شاهد قبره، فما بالنا بمؤمن من ديانة أخرى. وما هي المشكلة في القول المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة؟!