القضاء الكويتي يسمح للإعلام بانتقاد المسؤولين

رفض شكوى نائب سابق ضد إحدى الصحف في قضية "تسريبات خيمة القذافي".
الجمعة 2020/12/18
الصحف لا تحاسب ولا تُدان

أعطت النيابة العامة الكويتية الضوء الأخضر للصحافة والإعلام بتناول السياسيين بالنقد حتى لو كان قاسيا ونشر تفاصيل عن القضايا التي يتم التحقيق فيها معهم، في خطوة أثارت ترحيبا وإشادة في الكويت باعتبارها تمثل انتصارا لحرية الصحافة والإعلام.

الكويت - قررت النيابة العامة الكويتية حفظ الشكوى المقدمة من النائب السابق مبارك الدويلة ضد إحدى الصحف التي نشرت تفاصيل القبض عليه والتحقيق معه في قضية “تسريبات خيمة القذافي”، في حكم جديد يرسخ مبدأ حرية النشر وإبعاد شبهة “تشويه الشخصيات” في التحقيقات التي تنشرها الصحافة.

ووصفت وسائل إعلام محلية الحكم القضائي الجديد بأنه يصب في خانة الانتصار للحريات عموما، وحرية الصحافة على وجه الخصوص.

وكان النائب العام المستشار ضرار العسعوسي قد أصدر قرارا في يوليو الماضي بضبط وإحضار مبارك الدويلة، القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين في الكويت، والمنشق شكليا عن التنظيم وهو يقيم حاليا في تركيا، على خلفية التسريبات، وتم توجيه أكثر من تهمة له إحداها بث أخبار كاذبة.

وقالت النيابة العامة، بحسب ما نقلته صحيفة “السبق” الكويتية، إن “الشاكي أقر في الجناية المُشار إليها بمقابلة الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، والذي أبدى رغبة في حشد بعض قبائل الجزيرة العربية للثورة على أنظمة الخليج القائمة، كما أقر بتدوين التعليقات المنشورة في حسابه بموقع تويتر تعقيبا على التسريبات الخاصة بتلك المقابلة”.

النيابة العامة أعطت لوسائل الإعلام الحق في سبر أغوار الوقائع المُبهمة ونشر أنباء عن إجراءات أجهزة الأمن القانونية

وأضافت أن هذا الأمر الذي “ألزم الصحيفة المشكو بحقها ووسائل إعلام أخرى إلى سبر أغوار تلك الواقعة المُبهمة ونشر أنباء ما أقدمت عليه أجهزة الأمن من إجراءات قانونية وما تضمنته من تفاصيل كشفت سريرتها ‘التسريبات’ وشغلت الرأي العام المُتحفز وبما يتوافق مع رسالتها التي تُمارسها برصد الأحداث وفك الغوامض وتصويب المُؤاخذات ومُكاشفة الجمهور بأهم القضايا في مراحل التحقيق المختلفة وتبصيرهم بما يسْتغلق أفهامهم”.

واستبعدت النيابة العامة مظنة الإساءة إلى الشاكي، مؤكدة “أن حرية الصحافة والإعلام من صور حرية الرأي والتعبير الأكثر أهمية والأبلغ أثرا التي كفلها الدستور في مادته رقم 37”.

وأكدت أن “انتقاد السياسيين والناشطين في الحقل العام مهما جَفَتْ لغته أو اشتدت مُفرداته أو قست مضامينه، يظل مُتمتعا بالحماية التي كفلها الدستور لحرية الرأي والتعبير والصحافة”.

وأشارت النيابة إلى الحق في الحصول على المعلومات وإطلاع الجمهور على القضايا التي تشغل الرأي العام لاسيما بوجود مواقع التواصل الاجتماعي التي شكلت أرضية خصبة لنشر الشائعات والتضليل في حال حجب المعلومات.

وقالت في القرار إن “حرية الصحافة يؤمَّن من خلالها أفضل الفرص التي تكفل تدفق الآراء والأنباء والأحداث والأفكار ونقلها إلى القطاع الأعرض من الجمهور، ويتوخى دوما أن تكرَّس بالصحافة قيم جوهرية يتصدرها أن يكون النقاش العام الذي يدور فوق منابرها بديلا عن الصمت أو الهمهمة أو الانغلاق أو التسلط، ونافذة لإطلاع الجمهور على الحقائق التي لا يجوز حجبها أو تشويهها، ومدخلا لتعميق معلوماتهم من دون طمس أو تلون أو مُخاتلة في عصر أُذن لاحتكار المعلومات فيه بالزوال واستحال الحجر عليها بعد أن تنوعت مصادرها بتغول وسائل التواصل الاجتماعي وتنوع منابرها وسوء طوية بعضها”.

ويعتبر هذا القرار تأكيدا لقرار آخر مشابه صدر في نهاية نوفمبر الماضي، حيث قضت محكمة كويتية بعدم إدانة الصحف في حال نشرها أخبارا حقيقية، حتى إن ذكرت أسماء المسؤولين المعنيين بالأمر وغيرهم.  وأصدرت قرارا ببراءة رئيس تحرير إحدى الصحف من تهمة نشر اسم مهندس، كان قد طالب أحد النواب بمحاسبته من خلال سؤال برلماني.

وقالت محكمة الجنايات إن الصحف لا تحاسب ولا تُدان في حال نشر أخبار رسمية، حتى لو نشرت أسماء أشخاص فيها، فهي لم تتهم أحدا وإنما كانت ناقلة للحقائق، فيما اعتبر رجال قانون هذا الحكم بمثابة انتصار جديد لحرية التعبير.

وعلق محامون وقانونيون على الحكم بأنه يوضح أن نشر الأسماء في الأخبار الصحافية لا يعد تشويها للسمعة، وأن نقل الأخبار الموجودة بالأدلة ليس فيه تقصد، بل هو نقل للحقيقة، وهو الدور المنوط بوسائل الإعلام القيام به خصوصا في تلك القضايا التي تشغل الرأي العام.

وإذا كانت الصحف قد حققت انتصارا في هذا المجال، إلا أنه لا تزال هناك عقبات تواجه قطاع المطبوعات والنشر، قد تسببت بتراجع الكويت مركزا واحدا في مؤشر حرية الصحافة الصادر من منظمة “مراسلون بلا حدود” لعام 2020 وحلت في المركز الـ109 عالميا من أصل 180 دولة، حيث تخضع المطبوعات لرقابة صارمة من قبل اللجنة التابعة لوزارة الإعلام.

مجلس الأمة وافق على قانون تعديل بعض أحكام قانون المطبوعات والنشر، بما يشمل صون حرية الصحافة والطباعة والنشر وضبطها والحفاظ عليها
مجلس الأمة وافق على قانون تعديل بعض أحكام قانون المطبوعات والنشر، بما يشمل صون حرية الصحافة والطباعة والنشر وضبطها والحفاظ عليها

ويقول متابعون لقوانين النشر في الكويت، وفقا للقوانين السابقة كانت الكتب محظورة إلى أن يذهب مؤلفوها إلى المحكمة لإثبات عكس ذلك، أما الآن فالتعديل صحح هذه الخطوة غير المنطقية، حيث يقع العبء في القانون على عاتق الشخص الذي يدّعي أنه تضرر من محتوى الكتاب بدلا من المؤلف.

وكان مجلس الأمة قد ناقش في أغسطس الماضي، تقرير لجنة الشؤون التعليمية البرلمانية عن الاقتراح بقانون تعديل بعض أحكام القانون 3/‏ 2006 في شأن المطبوعات والنشر. ‏وقضت المادة الأولى من هذا القانون باستبدال المادة (7) من قانون المطبوعات والنشر لترفع رقابة وزارة الإعلام المسبقة على ما يستورد من مطبوعات إلى البلاد على أن يكتفي بإشعار يرسله المستورد إلى وزارة الإعلام عبر كتاب يبيّن فيه اسمه وبيانات المطبوع ‏من عنوان واسم المؤلف وعدد النسخ المدخلة ويتحمل المستورد وحده المسؤولية القانونية عما يحمل هذا المطبوع من أفكار وآراء.

وجاءت المادة الثانية من هذا القانون بتعديل على المادة التي تحصر الأمور المحظور نشرها فأعادت صياغة البند (3) منها لتجعل العقوبة واقعة على من يخدش الآداب العامة أو يحرض على مخالفة القوانين وارتكاب الجرائم وإن لم تقع الجريمة المحرّض عليها.

كما أضافت هذه المادة بندا يحظر فيه نشر ما يثير الفتن الطائفية أو القبلية أو الأفكار التي يكون بناؤها على العنصرية والتحقير بين فئات البشر أو التحريض على عمل من أعمال العنف لهذا الغرض.

ووافق مجلس الأمة على الاقتراح بقانون بتعديل بعض أحكام قانون المطبوعات والنشر، بما يشمل صون حرية الصحافة والطباعة والنشر وضبطها والحفاظ عليها.

وفي تعقيبه على إقرار القانون، قال رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم “نبارك للكتاب والمثقفين والمفكرين إقرار القانون، وإن كان التعديل ليس بمستوى الطموح، لكنه يمثل قاعدة لمناخ فكري أكثر حرية”.

18